في ظل اندفاع حكومي لافتتاح المزيد من كليات الطب البطالة تصل لمهنة الطب و 1500 طبيب عاطل عن العمل
لم يكن لخبر يتناول اعتصام نفذه مجموعة من الأطباء المتعطلين عن العمل أمام مجمع النقابات المهنية للمطالبة بتوفير فرص عمل لهم في القطاع الصحي، لم يكن لخبر كهذا أن يمر مرور الكرام. فمهنة الطبيب هي المهنة الوحيدة التي لم يصبها “داء البطالة” سابقاً، كما أن وصول البطالة إلى هذه المهنة له مؤشراته الاجتماعية الخطيرة.
الدكتور أيمن طعمة، أحد المشاركين في الاعتصام أكد في حديث صحفي سابق أن عدد الأطباء العاطلين عن العمل يقدر بنحو 1500 طبيب من خريجي الجامعات الأردنية والأجنبية، وأن بعضهم يبحث عن العمل منذ عام 2011، مبيناً أن بعض الأطباء الباحثين عن العمل يضطرون للعمل في مراكز صحية وبأجور متدنية من أجل توفير مصدر دخل يومي، أو يضطرون للعمل في مهن أخرى لا علاقة لها بتخصصهم.
أعداد ضخمة على المقاعد الدراسية
وبينما كانت الجامعات الرسمية تستقبل سنوياً أقل من 120 طالب وطالبة في كليات الطب، أصبحت الجامعات تضم سنوياً أكثر من 1200 طالب وطالبة نتيجة فتح باب القبول على البرنامج الموازي والدولي على مصراعيه في تخصص الطب إضافة إلى فتح أربع جامعات رسمية (مؤتة، الهاشمية، اليرموك والبلقاء) لكليات طب فيها بعد أن كانت دراسة الطب في الجامعات الرسمية مقتصرة على الجامعة الأردنية وجامعة العلوم والتكنولوجيا.
تشير إحصاءات قدمتها حملة ذبحتونا إلى تزايد كبير في أعداد الطلبة المقبولين في كليات الطب، حيث ارتفعت أعداد المقبولين سنوياً من 150 طالب وطالبة في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، لتصل إلى 1200 طالب وطالبة للعام الدراسي الحالي، أي بارتفاع في أعداد المقبولين وصل إلى أكثر من 1000%!!
الدكتور وليد المعاني وزير التعليم العالي الأسبق، أكد في حديثه لنداء الوطن أن تخريج أعداد كبيرة من طلبة الطب نتيجة القبول غير المنضبط في البرامج الموازية، وافتتاح كليات طب جديدة، بالإضافة لدراسة الطب في الخارج بأعداد متزايدة. كلها عوامل تسهم في رفع نسبة البطالة في تخصص الطب، إلا أنه أشار إلى أن هناك نوعين من البطالة بين الأطباء –من وجهة نظره-: بطالة ظاهرة وهي الناتجة عن الأمور السابقة، وأخرى مقنعة، بمعنى أن هؤلاء الأطباء يرغبون في العمل في عمان أو الزرقاء فقط وأحياناً في إربد، وهم يستنكفون إن أرسلوا ليعملوا في مديريات وزارة الصحة ومستشفياتها ومراكزها في معان والكرك والمحافظات البعيدة. والأمر الآخر أن الكثيرين منهم يرغب في العمل كمقيم في برنامج إقامة وليس طبيباً عاماً، ويفضل الانتظار على العمل كطبيب عام.
فيما يلفت نائب نقيب الأطباء الدكتور رائف فارس إلى أن مشكلة البطالة مشكلة عامة وهي تكمن في العدد والأهم في التوزيع وتنوع الدراسة ونوع الاختصاص ومكان العمل حتى القطاع الخاص يعاني من البطالة المقنعة وسوء التوزيع.
ويشير فارس إلى أن الطبيب الأردني مطلوب للعمل في الخارج لكن ضمن مساقات وتخصصات معينة.
ويرى الدكتور رائف فارس في تصريحه الذي أدلى به لجريدة نداء الوطن أن المشكلة تكمن عندنا في القرار السياسي، التعليم العالي لن ينصلح حاله ما دام يخضع للمكرمات والتعيينات تخضع للولاءات، فالقائمون عليه لن يستطيعوا التغيير لأنهم لا يعلمون ولأننا نعرف كيف أتوا وكيف وصلوا لمراكزهم.
وزارة الصحة والخدمات الصحية غير الكافية
وعلى الرغم من الأعداد الكبيرة في خريجي الكليات الطبية، إلا أن حجم الضغط على القطاع الصحي الحكومي يسمح باستيعاب هذه الأعداد الضخمة من الخريجين. ولكن المشكلة تكمن في ميزانية وزارة الصحة، حيث يشير الدكتور طارق حجاوي عضو لجنة الرقابة المركزية في حزب الوحدة الشعبية وعضو مجلس نقابة الأطباء سابقاً، أن البطالة في صفوف الأطباء سببها الأساسي نقص ميزانية وزارة الصحة والتي لا تصل لأكثر من 6% من حجم الميزانية العامة سنوياً، والمفروض دولياً أن تصل إلى 12% من ميزانية الدولة كحد أدنى.
ويضيف حجاوي في رده على أسئلة وجهتها نداء الوطن له، أن وزارة الصحة في الأردن تعاني من مشاكل مزمنة ناتجة عن عدم قدرة الوزارة “المسؤولة الأولى عن الوضع الصحي” بواجبها تجاه الأطباء والقطاع الصحي بشكل عام، وقد حاول صندوق النقد الدولي في أكثر من مناسبة تقليص ميزانية وزارة الصحة والبالغة 6% من مجموع الميزانية العامة السنوية، وهذه الميزانية لا تفي للقيام بالالتزامات الواقعة على عاتقها، إضافة إلى أعداد الأطباء المتزايدة كل عام سواء خريجي الجامعات الأردنية أو خريجي الدول الخارجية.
ويردف حجاوي “هذان العاملان سبب كبير في البطالة بين الأطباء على الرغم من النقص الكبير الذي تعانيه مستشفيات وزارة الصحة، مما ينعكس على سوء الرعاية الصحية”.
كما أن ما تقدمه الوزارة يقتصر على خدمات الرعاية الصحية الأولى “برنامج التطعيم الوطني، متابعة الحوامل والأطفال حديثي الولادة، والمراكز الصحية الأولية والثابتة”، حيث تقدم الوزارة خدمات جيدة في هذا المجال وفق الدكتور حجاوي الذي أكد لنا غياب العدالة الاجتماعية في توزيع الخدمات الطبية على المواطنين، فتجد مواطناً لا يمتلك تأمين صحي وآخر يمتلك ثلاث تأمينات “تأمين في القطاع الخاص وتأمين في الجيش، وتأمين في وزارة الصحة”، وهذه الازدواجية في التأمين، تشكل عقبة في سبيل تطبيق أفضل المعايير للوصول إلى التأمين الصحي الشامل، والذي ينعكس على تشغيل الجزء الأكبر من الأطباء العاطلين عن العمل.
حلول ممكنة
تصاعد مشكلة البطالة في القطاع الطبي وما يمكن أن تحدثه من تداعيات خطيرة على الصعيد الاجتماعي، تستوجب البحث عن حلول جذرية لها. ويرى الدكتور رائف فارس نائب نقيب أطباء الأسنان أن على وزارة الصحة وكافة قطاعات الصحة في البلد أن تكون قطاعاً واحداً في هذا المجال، نتبنى الخريجين ونُعدهم أطباء اختصاصيين للعمل في دول الجوار، فيشكلون رافداً للعملة الصعبة وعلى كل القطاعات أن تعمل ضمن سياق متكامل، تدوير المقيمين يكون له خطة متكاملة.
فيما يؤكد نائب رئيس الوزراء الأسبق الدكتور وليد المعاني أن القضية تكمن في حجم الإقبال على كليات الطب، فالأمر –حسب المعاني- موروث اجتماعي يحتاج تغييره لثقافة مجتمعية مختلفة.
ويطرح الرفيق الدكتور طارق حجاوي مجموعة من الحلول لمشكلة البطالة في مهنة الطب، تبدأ بتنظيم القطاع الصحي وإعادة هيكلته بدءً من وزارة الصحة ومجلس التعليم العالي والخدمات الطبية الملكية ومستشفى الجامعة، إضافة إلى زيادة ميزانية وزارة الصحة واتخاذ عدة إجراءات من شأنها وقف الهدر غير المبرر في نفقات الوزارة وعلى رأسها صرف الأدوية والقضايا الطبية الأخرى مما يؤدي إلى توفير العجز في وزارة الصحة.
وفي انتظار تحرك حكومي حقيقي لحل هذه القضية، يبقى ال1500 طبيب وطبيبة المتعطلين عن العمل بانتظار خطوات جدية من الحكومة وتحرك على الأرض من قبل نقابة الأطباء لحل مشكلتهم وتعيينهم في القطاع الصحي الحكومي.