٢١ عاما على معاهدة وادي عربة: سلام رسمي وعداء شعبي
كانت الحكومة الأردنية على قناعة تامة بأن الطريق أصبحت ممهدة للتوقيع رسمياً على معاهدة سلام مع “إسرائيل” تكرس فيها تحالفها التاريخي مع المعسكر الغربي.
فانهيار الاتحاد السوفييتي عام 1989 أعطى الاردن الرسمي جرعة أكبر من الجرأة في إعلان انحيازها الكامل للتحالف مع السيد الأمريكي. وهزيمة العراق في عام 1991 التي تم تسويقها على أنها هزيمة للمشروع العربي القومي الذي يعتبر “إسرائيل” العدو الرئيسي للأمة العربية، سهلت هذه الهزيمة على الأردن تمرير وتبرير هكذا معاهدة مع العدو الأول -سابقاً!!-للعرب.
إلا أن الأردن لم يكن له أن يدخل في معاهدة سلام مع “إسرائيل” وتمريرها أمام شعبه الذي نشأ على أن إسرائيل هي عدوهم الذي احتل أرضهم وانتهك مقدساتهم. لم يكن ممكناً الدخول في هكذا معاهدة دون أن تسبقها خطوة من الطرف الفلسطيني، وهو ما حدث عندما وقعت منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني اتفاقية أوسلو قبل ما يقارب السنة من توقيع الأردن على معاهدة وادي عربة وبالتحديد في 23 أيلول من العام 1993. حيث كانت قيادة المنظمة تعيش حالة من التوهان خاصة مع الخروج من بيروت في عام 1982 وتراجع انتفاضة الــ87 ووجود قيادات جديدة داخل المنظمة بعيدة كل البُعد عن خط المقاومة.
أما على الصعيد الداخلي، فقد كان كل شيء معداً بطريقة متقنة، فمجلس نواب الــ 89 الذي سبب الكثير من المتاعب للحكومة، لن يتكرر أبداً، حيث تم تفصيل مجلس نيابي على مقاس الحكومة من خلال قانون الصوت الواحد وآليات العملية الانتخابية التي سمحت بحدوث تزوير على نطاق واسع. ما سيسهل عملية المصادقة على المعاهدة من قبل البرلمان الأردني- وهو ما حدث لاحقاً-. كما أن الخيبة والإحباط يصيبان الشارع الأردني بعد أن كان يُمني النفس بانتصار (مستحيل) للعراق على التحالف الدولي في حرب الخليج الأولى (1991). ليفاجأ بهزيمة مدوية وحصار للعراق دام أكثر من عشرة أعوام.
إذن قام الأردن بالتوقيع على معاهدة وادي عربة في 26 تشرين أول 1994 في ظل ظروف خارجية سهّلت عليه تمرير هكذا اتفاق دون أن ينال من العقاب العربي ما نالته مصر عند توقيعها معاهدة كامب ديفيد في عام 1979، حيث قوبلت –آنذاك- بحملة مقاطعة عربية واسعة وسحب مقر الجامعة العربية من القاهرة ونقله لتونس.
الحلف الطبقي الحاكم في الأردن ظن أن الوقت قد حان لاستدارة كاملة نحو “الجار الجديد” غربي النهر. فبدأ الحديث عن مشاريع اقتصادية وتجارية وسياحية مشتركة وتنمية مناطق حدودية وتطويرها، وطبعاً كل هذا سيتم بدعم و”سخاء” أمريكي غير محدود. حيث كان الحلف الطبقي الحاكم يراهن على تغيّر في المزاج الشعبي تجاه “إسرائيل” بعد كل التطورات التي أشرنا لها أعلاه.
إلا أن إقامة معرض الصناعات الإسرائيلية في قلب العاصمة عمان وبعد أقل من سنة على إبرام المعاهدة، جعل الحكومة تعيد حساباتها في هذا التسارع غير المحسوب للتطبيع مع الكيان الصهيوني. فقد فشل هذا المعرض فشلاً ذريعاً، وكان عدد أفراد الأمن المكلفين بحمايته أضعاف المشاركين فيه والحاضرين له. بل إننا شهدنا لأول مرة شخصيات بحجم رئيس وزراء سابق كأحمد عبيدات ورئيس غرفة صناعة عمان حمدي الطباع يتصدرون مشهد المسيرة التي نظمتها الحركة الوطنية رفضاً لهذا المعرض.
ومنذ ذلك الحين وحتى اللحظة، “فرملت” الحكومة محاولاتها لتسويق التطبيع شعبياً، فيما نجحت في إدامة هذه المعاهدة وإقامة صفقات ومشاريع سرية وعلنية مع الكيان الصهيوني طغى على معظمها التطبيع الرسمي.
على الجانب الآخر، شكّلت الحركة الوطنية الأردنية لجاناً لمجابهة التطبيع، كان لها دور كبير في كشف المطبعين ودفع الكثير منهم للتراجع عن تطبيعه مع الكيان حرصاً على سمعته.
وبغض النظر عن كافة المحاولات لتسويق الكيان الصهيوني في الأردن، وبعيداً عن كم الجزر والبطاطا الصهيونية التي تغزو أسواقنا، إلا أن الشعب الأردني يهتف في كل يوم: “تسقط وادي عربة تسقط” .. “لا سفارة صهيونية على أرض أردنية” .. كما أصبحت منطقة الرابية –مقر السفارة الصهيونية- محجاً لكافة المواطنين الغاضبين والرافضين لممارسات هذا العدو تجاه أبناء شعبنا في فلسطين. وأضحت كلفة حماية هذه السفارة من غضبة الشارع الأردني أكبر بكثير من عوائد “سلام وهمي” مع عدو لا يمكن أن يقبل بأردن قوي بجواره.