وليد حناتشة..يسوع الناصر ينتصر/ بورتريه
وليد محمد حمدان حناتشة، ذو الواحد والخمسين عاماً، ابن النزوح الفلسطيني من مدينة دورا الخليل الى مدينة رام الله، “فلسطيني جداً” عرف الأرض منذ صغره و تحسسها جيّداً، حتى باتت جزءاً من فسيفساء ذاكرته العنيدة.
لا توجد له سيرة وافية، و يكاد يكون اسمه غير معروف للكثيرين في فلسطين و عالم المقاومة، فهو من ذاك النوع الذي ينشط ليلاً عندما يأوي الجميع للنوم ليمارس عشقه الثوريّ برفقة قسّام و سامر و نظام و يزن . روحه وثّابة للنهايات الجميلة و السعيدة، يداه مبسوطة للناس، و منقبضة دفاعاً عن حقوقهم و كرامتهم في ذات الوقت.
وليد الشامخ في أقبية التحقيق يقارع حبه و موته على السواء، يتهمه المحتل بأنه يقود الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الضفة الغربية، و عمليّاً يحمله المسؤولية المباشرة إلى جانب سامر العربيد و قيادات من الجبهة في الضفة المحتلة عن عمليّة “عين بوبين” الفدائية.
هو ليس استثناءاً بالنسبة للعقل السادي الصهيوني، و لكن الفارق في حالة وليد، هو حضور العقل الثوري مكتمل الأركان، بما في ذلك الخطاب الثوري و النفس الطويل للمقاومة، و الإيمان الحتمي بنجاعة الفعل المقاوم و أسلوب حرب الشعب طويلة الأمد التي ستصيب الجسم “الإسرائيلي” بفقر الدم و الموت البطيء الموجع. بالأدق؛ حضور الإستراتيجية الثورية بعيدة النظر، و مغادرة مربع ردات الفعل العاطفية.
العمليّة الفدائية الدقيقة نسفت قلب مجندة صهيونية و أصابت آخرين، لكن العويل و التباكي الصهيوني لم يكن بسبب تلك المجندة، بل لأن ملايين ملايين الدولارات دفعت من أجل بحوث و دراسات و مختصين أمنيين، في سبيل ضبط الضفة الغربية و إخراجها من دائرة المعركة مع المقاومة الفلسطينية. من خلال عملية “عين بوبين” الفدائية و أسلوب تنفيذها الدقيق بعيداً عن أعين مخابرات السلطة الفلسطينية و جواسيس الشاباك المنتشرين، ومن ثم قدرة المنفذين على زرع العبوة الناسفة و تفجيرها والانسحاب بهدوء، بالإضافة الى عدم حاجتهم للتخفي، فلقد كانوا يمارسون حياتهم الطبيعية داخل الضفة الغربية، و لأكثر من ثلاثين يوم لم يستطع أحد معرفة الجهة التي تقف خلف تلك العملية؛ استطاع وليد ورفاقه التعالي بنعالهم على رقاب مخابرات مكاتب أوسلو والشاباك، و أسسوا لمرحلة مختلفة عما مضى، ستكون الضفة الغربية خلالها طرفاً صعباً بالصراع الفلسطيني الصهيوني اليومي مع الاحتلال، فموازين القوى اختلفت و أثبت الفكر الثوري نجاعته و يده الطولى التي تستطيع أن تصل حيث تريد رغم كل الظروف الصعبة.
الشاباك بمساعدة جواسيسه و منظومة التنسيق الأمني، استطاع الوصول لمنفذي العملية واعتقالهم، و فيما بعد بدأت رحلة العذاب و التنكيل بحق وليد حناتشة، سامر العربيد، نظام امطير، يزن مغامس و قسام البرغوثي، عدا عن اعتقال المقربين منهم و صدور قرارات بهدم بيوتهم.
بساديّته المعهودة استصدر الشاباك قراراً قضائياً يفضي باستخدام أساليب تحقيق/تعذيب “استثنائية” بحق وليد حناتشة و سامر العربيد، تحت بند أنهم مصنفون كـ قادة عسكريين في كتائب الشهيد أبو علي مصطفى، و يشكلون تهديداً مباشراً لأمن دولة الاحتلال و وجودها.
تماماً كعذابات السيّد المسيح على درب الآلام في مدينة القادس، كان وليد حناتشة وسامر العربيد، فواجهوا العذاب و التنكيل بصدورهم العارية و قلوبهم الدافئة الممتلئة بحب الأرض والإستعداد الكامل للتضحية في سبيلها، و رددوا لنا كما خاطب المسيح نساء القدس:(يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ، لاَ تَبْكِينَ عَلَيَّ بَلِ ابْكِينَ عَلَى أَنْفُسِكُنَّ وَعَلَى أَوْلاَدِكُنَّ(٠٠٠) لأَنَّهُ إِنْ كَانُوا بِالْعُودِ الرَّطْبِ يَفْعَلُونَ هذَا، فَمَاذَا يَكُونُ بِالْيَابِسِ؟)و تلكم دعوة من السيد المسيح لأهالي القدس بالثورة و الإنتفاض على الظلم و البطش و القهر الذي سيبتلع الجميع إن لم يجد مقاومين أشدّاء له.
التعذيب كممارسة تضمر موقف العجز و الإنهيار أمام الأسير، كان يُمارس بشبق مأزوم و مريض نحو الموت و القتل و التنكيل بحق وليد و سامر، فمن الشبح بطريقة القرفصاء و”الموزة” إلى تكسير ضلوع الصدر، حتى عطب أجهزة رئيسية في أجسادهم، والهدف الرئيسي الإعتراف بأماكن زراعة عبوات ناسفة أخرى داخل الضفة الغربية، و لكن هيهات، لم يكن لدى هؤلاء القادة سوى التمسك بحقهم بالحب و الحياة، تماماً كما يقول محمود درويش ( أنا الأرض في جسدٍ؛ لن تمروا).
وليد حناتشة ما زال حيّاً و يقاوم مع رفاقه، و لن يستسلم، و جسده الجريح المُدمى هو دليل على نجاعة المقاومة وإشارة صريحة نحو طريق الخلاص الأبدي من الظلم و الاحتلال.