وزير الصحة الأسبق الدكتور زيد حمزة لـ نداء الوطن: خصخصة القطاع الصحي تقوده الــUSAID بدعم من أتباع “صبية شيكاغو”
الدكتور زيد حمزة وزير الصحة الأسبق الذي استقال على خلفية رفضه لمشروع خصخصة القطاع الصحي في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، هو ضيفنا لهذا العدد، وحديث متنوع حول القطاع الصحي، والدور الأمريكي في خصخصة هذا القطاع الهام، وحديث حول النقابات المهنية، وخطاب الكراهية في المجتمع الأردني.
السيرة الذاتية:
_ من مواليد السلط عام 1932، ووعي طفولته المبكرة في إربد، ثم انتقل مع والده إلى الكرك ثم إلى مادبا وبعدها إلى عمان.
_ حصل على شهادة الماتريك من ثانوية السلط، وأكمل التوجيهي في القاهرة بمصر، حيث لم يكن في الأردن امتحان التوجيهي لغاية أوائل الخمسينيات.
_ حاصل على بكالوريوس طب وجراحة في جامعة القاهرة بمصر، حيث عايش خلال تلك الفترة مرحلة الملك فاروق وثورة الـــ 52 بقيادة عبد الناصر.
_ حصل على دبلوم أنف وأذن وحنجرة من لندن/ بريطانيا.
_ عمل في وزارة الصحة كطبيب لعشر سنوات واستقال على خلفية إلزامية التفرغ لطبيب الحكومة.
_ عضو هيئة إدارية لأول لجنة فرعية لنقابة الأطباء في عمان، حيث كان مركز النقابة في القدس، ثم عضو مجلس نقابة الأطباء لدورتين.
_ ساهم في إصدار جريدة الشعب اليومية، وكاتب عمود أسبوعي فيها ومن ثم في عدد من الصحف اليومية من ضمنها جريدة الرأي.
_ وزير الصحة في حكومة زيد الرفاعي للفترة ما بين 1985-1988.
_ رئيس سابق لمنظمة الصحة العالمية عام 1986.
نداء الوطن: الدكتور زيد حمزة، وأنت وزير الصحة الذي وضع أسس الرعاية الصحية الأولية، والأكثر اهتماماً ومتابعة للقطاع الصحي، كيف ترى واقع القطاع الصحي والرعاية الصحية، في ظل هذا التزايد لعدد السكان في الأردن نتيجة الهجرات وحرب الخليج والآن قضية اللاجئين؟ هل ترى بأن البنية الصحية قادرة على استيعاب هذه الأعداد؟ وهل لدى الحكومات المتعاقبة استراتيجية واضحة المعالم للرعاية الصحية والتأمين الصحي أم نتجه نحو منحى مختلف مثل الحديث عن رسوم تدفع في المستشفيات الحكومية وخصخصة المستشفيات الحكومية مثل محاولات خصخصة مستشفى الأمير حمزة؟
د. زيد حمزة: في البداية لا بد من الإشادة بحملة الخبز والديمقراطية التي كانت تتصدى لعملية الخصخصة، مثل هذه الحركات ممتازة وكانت تتصدى لمحاولات خصخصة مستشفى حمزة.
أعود لسؤالك، الأردن معرضة أسوة بكل الدول التابعة للولايات المتحدة الأمريكية لعملية الخصخصة ومن بينها القطاع الطبي، أزعم أن النظام الصحي في الأردن برغم التآكل والهجمات عليه، لا يزال هناك بعض التماسك في قواعده في الرعاية الصحية الأولية، التي استطاعت أن تمتص الصدمات حتى الآن وهي ذات كلفة قليلة.
وتعتبر الرعاية الصحية الأولية الحل المثالي للدول التي مواردها محدودة. مع ضرورة الإشارة إلى أن الأردن ينفق على الصحة أكثر من أي بلد في مستواه الاقتصادي، بمعنى وبالأرقام نحن أوصلنا نسبة ميزانية وزارة الصحة من ميزانية الدولة إلى الحد الأدنى المطلوب من منظمة الصحة الدولية إلى 5%، حيث كانت النسبة في السابق 3.5%، والآن ارتفع أكثر بكثير إلى حدود 7.9% وهذه نسبة عالية بالنسبة لبلد مثل الأردن بإمكانياته المحدودة. كما ساهم القطاع الخاص -بدوافع التجارة-، وارتقى كثيراً مستوى الخدمات الطبية ومع ذلك هناك شكوى بأن الميزانية قليلة.
نداء الوطن: فكرة الخصخصة بدأت عام 1986، وكنت حينها وزيراً للصحة، لو تحدثنا كيف بدأت هذه المحاولة للالتفاف على القطاع الحكومي ؟
د. زيد حمزة: لم أكن مدركاً بأنها عمليات خصخصة. المحاولة في البداية كانت غريبة، حيث قامت إحدى الشخصيات الطبية بتقديم مشروع قانون بفصل المستشفيات عن وزارة الصحة وتكون تابعة لهيئة مستقلة. وتساءلت حينها كيف يتم فصل المستشفيات والتي هي جزء من الرعاية الصحية. فإلى أين سيقوم المركز الصحي بتحويل مرضاه؟ إلى المستشفى، والمستشفى إلى أين سيرجع مريضه، إلى طبيبه العام؟ هذه حلقة متكاملة لا يجب تخريبها.
لم يكن في ذهني حينها بأننا أمام توجهات خصخصة، اعتقدت في البداية بأنه توجه وطموح مالي شخصي. ليتبين لاحقاً بأنه هجمة وخصخصة، ووراءها الوكالة الأمريكية للإنماء (الــ USAID)، الذين كانوا يزعمون طوال الوقت بأنهم معي في مشروع المراكز والرعاية الصحية الأولية، ثم تغيرت لهجتهم ومعاملتهم.
نداء الوطن: هل الـــ USAID كانت متغلغلة في القطاع الصحي منذ الثمانينيات؟
د. زيد حمزة: ومن قبل ذلك، وأذرعهم الآن زادت وتبين لي عندما ذهبت لأمريكا وزرت وزارة الخارجية وهم المسؤولون عن الـــ USAID واكتشفت بأنهم تابعين لـــ CIA.
أعود لهذه المؤسسة المستقلة التي تأسست وصدر قانون مؤقت فيها وأنا وزير خلال تلك الفترة (1986) وحاربته وكان وضعي محرج، ونقابة الأطباء وبكل أسف لم تقف معي، وكان الثمن أن تم الطلب مني بتقديم استقالتي من الحكومة.
وعملت المؤسسة وأخذت عشرات الملايين، كانت ميزانية وزارة الصحة 33 مليون، بينما ميزانية هذه المؤسسة تقدر بـــ 84 مليون دينار!!
نداء الوطن: أين ذهبت هذه المؤسسة؟
د. زيد حمزة: بعد خروجي من الوزارة، قمت بمحاربة هذه المؤسسة، ومن حسن حظي أن هبّة نيسان التي أطاحت بالحكومة، جاءت بمجلس نواب قوي وكان فيه نفس وطني. استخدمت هذا المنبر وقمت بالتواصل مع كافة النواب، ونشرت رأيي وكتبت في الصحف حول هذه المؤسسة مشيراً إلى أنه لا يوجد في العالم وزارة صحة بلا مستشفيات. خضت حرباً علنية في مواجهة هذه المؤسسة، ولم يكن لدي شيء لأخسره، فليس لدي مسؤولية حكومية وليس علي أي التزام. وفي جلسة البرلمان التي خصصت لمناقشة مشروع قانون هذه المؤسسة، حضر رئيس الوزراء آنذاك مضر بدران وحمل فكرة إلغائها، لأن المؤسسة تفشل وتصرف أموال والكل غير راضي عنها. ثم قام البرلمان بإلغاء القانون لأنه مؤقت وبأغلبية المجلس.
نداء الوطن: إلى أين تذهب الخصخصة الآن؟
د. زيد حمزة: محاولات الخصخصة موجودة وستبقى موجودة طالما هناك دول تابعة لـ “صبية شيكاغو” تلاميذ ملتون فريدمان، ومن تلاميذ هذه المدرسة بعض دهاقنة الحكم في الأردن في السنوات الـــ 20 الأخيرة.
نداء الوطن: هل خطر الخصخصة لا يزال قائماً؟ وما مدى ارتباطه بحجم تغول الـــ USAID ؟
د. زيد حمزة: الخصخصة لا تزال تهدد ولكن المفروض على التنظيمات السياسية الواعية أن تقف له بالمرصاد.
قانون المساءلة الطبية جزء من مشروع الخصخصة، قد لا يلحظ هذا الكثير، فالمساءلة الطبية لها اشتراطات، يجب أن يكون القضاء هو الذي يحاسب على الأخطاء الطبية.
“المساءلة الطبية” واحدة من تمهيدات الخصخصة لأنه مطلب شركات التأمين، ويريدون أن يسلموا رقاب الأطباء لشركات التأمين، والنقابة وقفت موقفاً جيداً نوعاً ما ضد هذا الموضوع بأن طالبت بأن تكون هي من سيؤمن الأطباء عبر صندوق مخصص لذلك، وليس عبر شركات التأمين التي تريد الاستفراد بالأطباء.
شركات التأمين الخاصة كانت تريد أن تؤمن الأطباء كما يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية، علماً بأن التأمين في أمريكا فضيحة وكارثة على المواطنين والأطباء على حد سواء. قانون المساءلة الطبية فكرة شركات التأمين وهذا ما تريده أمريكا. وأعتقد أنه لن تستطيع الحكومة تمريره بسهولة، كون نقابة الأطباء ترفضه تاريخياً وتقف ضده. ولو تركنا الأمر لوزير الصحة والحكومة، لكان وافق على هذا الموضوع منذ فترة طويلة.
نداء الوطن: أنت ضد إلزامية العضوية في النقابات، هل هذا سيؤدي إلى نوع من الفوضى؟ حيث له سلبيتان، من الممكن أن تدب الفوضى في القطاع الصحي؟ ويصبح لا يوجد غطاء ويصبح أسهل على شركات التأمين أو الحكومة الاستفراد في الطبيب من مثل موضوع رواتب الأطباء فلولا وجود نقابة قوية ساندت الأطباء في حقوقهم، لاستفردت الحكومة بهم.
د. زيد حمزة: أنا مع وجود النقابات وتعددها، ولست مع إلزامية العضوية، هناك مادتان في العهد الدولي للحقوق، لكل شخص الحق في إنشاء نقابة، ولكل شخص الحق في الانتساب للنقابة، ولكن هذا ليس واجب. هل هناك دولة في العالم ليس فيها نقابة؟ لا، ولكن هناك تعدد نقابات، لو كان هناك نقابة للقطاع العام لوحده لكانت أقوى بألف مرة من نقابة مشتركة نصفها في القطاع الخاص لا يعير اهتماماً لمطالب القطاع العام، والعكس صحيح، وهذا ألف باء العمل السياسي.
المسألة قضية طبقية، طبيب القطاع الخاص يحصل يومياً على عشرة آلاف دينار، أقارنه بطبيب في الحكومة راتبه آخر الشهر 1500 دينار!! القطاع الخاص له مصالحه. أنا متأكد بأنه لو كان لدينا أكثر من نقابة للأطباء، سيكون هناك تعاون في الأشياء المشتركة ويكون هناك شيء اسمه اتحاد نقابات وتعدد النقابات يكون أقوى.
أما فيما يتعلق بعدم الإلزامية، فأرى أنه عندما يكون الطبيب غير مجبر على الانتساب، فإنه ينتسب وهو متحمس وهذا ليس اختراع وهو موجود في العهد الدولي وهو نتيجة كفاح البشرية من أجل حريات أفضل.
نداء الوطن: فيما يتعلق بالوضع العام في الأردن، وملف الإصلاح السياسي والاقتصادي. هل تعتقد أن الأردن كدولة استطاعت تحقيق خطوات على الأرض منذ الحراك في 2011، هل هنالك خطوات إصلاحية حقيقية؟
د. زيد حمزة: لم نتقدم قيد بوصة في هذا الاتجاه، فقبل خمس أو ست سنوات وعلى مدى حكومتين أو ثلاثة، أطولهم كانت حكومة عبدالله النسور، والكلام عن الحكومة البرلمانية، عندما تقرأ هذا الكلام، تشعر بأنه صادر عن دولة في المريخ، والآن أنظر كيف تشكلت الحكومة. الدولة الأردنية لا تريد حكومة برلمانية، والدولة الأردنية لا تريد أحزاباً، وتقول لك ليس هناك أحزاباً، كيف لا يوجد أحزاب، وكل هذا النشاط السياسي الذي تقاومه الحكومة ويقاوم بدوره الحكومة، من يقوم به؟ أما من يجمع تواقيع على ورقة حسب القانون، فهل هذا اسمه حزب؟ الحكومة لم تترك للأحزاب الحقيقية مجالاً لتتنفس، أنتم في حزبكم عندما يريد العضو أن يتوظف هل يتوظف من غير أن يمر على الأجهزة؟ لا.
حراك الــ 2011 كان علامة فارقة، علامة ليس لها شأن في الحكومة وما وعدت به. 2011 انعطافة في تاريخ الأمة العربية بدأت في تونس وانفجرت في مصر. والانفجار في مصر لا يزال قائماً ومستمراً والثورات ليست كالانقلابات تحدث في يوم وليلة، وكل ما يقال وينشر ويذاع لم نحلم به في حياتنا. لقد حدث تغيير ويحدث تغيير يومي، صحيح هنالك فشل وانتكاسة ودمار في سورية وليبيا، ولكن كل هذا تاريخ، فأوروبا مرّت بأكثر من هذا بكثير، أوروبا المتحضرة والمتعلمة دخلت في حربين قتل منهم الملايين فيها. حراك ال 2011 هي العلامة الفارقة في التاريخ العربي وسترى الأجيال هذا لاحقاً.
نداء الوطن: كيف تفسر انتشار خطاب الكراهية في مجتمعنا؟ وهل هو جديد علينا كمجتمع؟
د. زيد حمزة: ليس جديداً، تاريخياً والكتب التي تصدر عنا في الخارج عن تاريخ الإخوان المسلمين والوهابيين من قبلهم والذين هم تلاميذهم، هم استشروا بعد هزيمة حزيران 1967. فهذا التحرك والمد الديني ليس صحيحاً أنه بسبب ثورة إيران.
نما هذا الخطاب بعد هزيمة حزيران، أي بعد هزيمة المشروع الوطني القومي كانت فرصتهم للتحرك وهذا مؤرخ وموثق. وهنالك عشرات الآلاف من المصريين الذين تعلموا على حساب السعودية وتعلموا الوهابية وأصبحوا معلمين ووعاظ ودعاة، لينشروا هذا الخطاب.
في الأردن، بدأت هذه الظاهرة بشكل علني عندما شكل وصفي التل الحكومة وأحضر إسحاق الفرحان وزيراً للتربية والتعليم وهذا ليس سراً، وزارة التربية والتعليم كلها تم أخونتها، والمناهج التي نعاني منها الآن، هي نتاج سنوات من هذا الفكر، وإننا في الخمسينات والستينات لم نكن هكذا حيث كانت الحركة الوطنية هي السائدة.
الآن، مع ظهور داعش والنصرة في سورية، أصبحنا نرى انضمام آلاف الأردنيين لها، إضافة إلى الآلاف من الذين يتبنون هذا الفكر ويعيشون بيننا. هنالك خطر حقيقي على المجتمع، وخير مثال على ذلك قضية المناهج وما نقرؤه على وسائل التواصل الاجتماعي وعملية حرق الكتب، هل هنالك أحد يحرق كتب ونحن في القرن 21 ؟!!