وجوب تعليم الفلسفة والمنطق في المدرسة والجامعة (2/ 3) / حسني عايش
قصدت بالمقالة السابقة التي نشرتها “الغد” في الأسبوع الماضي، القول أو التمهيد بأن التراث الإسلامي والكلامي كبير، وأن فلاسفة وفقهاء مسلمين كثرا ألفوا بلغة فلسفية؛ أي إنهم استخدموا المفاهيم والمصطلحات والعبارات الفلسفية الإغريقية والفلسفية الفقهية في مؤلفاتهم، وأنه لا يمكن لمسلم مثقف أن يفهمها وهو يجهل هذه اللغة، مما يوجب تعليم الفلسفة والمنطق في المدرسة والجامعة، وأن نعلمهما المحافظة عليه وإلا ضاع.
مجرد نص من كتاب “تهافت الفلاسفة” للإمام الغزالي:
“اختلف الفلاسفة في قدم العالم، فالذي استقر عليه رأي جماهيرهم المتقدمين والمتأخرين القول بقدمه وأنه لم يزل موجوداً مع الله تعالى ومعلولاً له ومساوقاً له غير متأخر عنه بالزمان مساوقة المعلول للعلة ومساوقة النور للشمس، وأن تقدم الباري عليه كتقدم العلة على المعلول وهو تقدم بالذات والرتبة لا بالزمان”.
“… بم تنكرون على من يقول: إن العالم حادث بإرادة قديمة، اقتضت وجوده في الوقت الذي وجد فيه، وأن يستمر العدم إلى الغاية التي استمر إليها، وأن يبتدئ الوجود من حيث ابتدأ، وأن الوجود قبله لم يكن مراداً فلم يحدث لذلك وأنه في وقته الذي حدث فيه مراد بالإرادة القديمة فحدث لذلك، فما المانع لهذا الاعتقاد وما المحيل له؟!”.
“فقالوا: إن الله لا يعلم إلا نفسه، فهو العاقل، وهو العقل وهو المعقول، والكل واحد…”.
ومن الأمثلة من كتاب “تهافت التهافت” لابن رشد:
“قلت: هذا القول هو قول في أعلى مراتب الجدل، وليس هو واصلاً موصل البراهين؟ لأن مقدماته هي عامة –أي ليست محمولاتها صفات ذاتية لموضوعاتها- والعامة قريبة من المشتركة ومقدمات البراهين هي من الأمور الجوهرية المناسبة”.
“قلت: هذا قول سفسطائي، وذلك أنه لم يمكنه أن يقول بجواز تراخي فعل المفعول، عن فعل الفاعل له وعزمه على الفعل، إذا كان الفاعل فاعلاً مختاراً، قال بجواز تراخيه عن إرادة الفاعل، وتراخي المفعول عن إرادة الفاعل جائز…”.
ومن أطروحته الخاصة بفصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال، نقتبس ما يلي لابن رشد: “في حكم دراسة الفلسفة، فإن الغرض من هذا القول أن نفحص، على جهة النظر الشرعي، هل النظر في الفلسفة وعلوم المنطق مباح بالشرع؟ أم محظور؟ أم مأمور به إما على جهة الندب، وإما على جهة الوجوب؟ فنقول: إن كان فعل الفلسفة ليس شيئاً أكثر من النظر في الموجودات، واعتبارها، من جهة دلالتها على الصانع، أعني من جهة ما هي مصنوعات، فإنّ الموجودات إنما تدلّ على الصانع بمعرفة صنعتها، وأنّه كلما كانت المعرفة بصنعتها أتمّ، كانت المعرفة بالصانع أتمّ”.
“وإذا تقرّر أن الشرع قد أوجب النظر بالعقل في الموجودات، واعتبارها، وكان الاعتبار ليس شيئاً أكثر من: استنباط المجهول من المعلوم، واستخراجه منه، وهذا هو القياس، أو بالقياس، فواجب أن نجعل نظرنا في الموجودات بالقياس العقلي”. وهكذا.
كان يعتقد الذين سارعوا إلى إلغاء تعليم الفلسفة والمنطق من المدرسة والجامعة، أنهم يحافظون على الدين، فأنتجوا متطرفين وإرهابيين بدلاً من ذلك، لا يفهمون الدين ولا يفكرون، فاستدرجهم دعاة التطرف والإرهاب واستثاروهم دينياً، وأشعلوهم جسدياً.