واحة الديمقراطية الصهيونية أصبحت سراباً
تلعب التقسيمات السياسية والاجتماعية والأيديولوجية والعرقية دوراً كبيراً داخل ما يسمى “المجتمع الإسرائيلي”، وبعد أن كانت العلمانية هي التي تحكم أصبح الحكم يحتاج إلى حزب ديني أو حزب يميني متطرف برغم التمثيل الضعيف لكي يثبت حزباً كبيراً في السلطة.
لقد أجبر الإسرائيليون على تقديم التنازلات فيما بينهم من أجل صناعة الديمقراطية وذلك كونهم مهاجرون من دول عديدة في العالم لجأوا إلى فلسطين فجمعهم عامل الخوف والدفاع عن النفس ليحمي كل طرف منهم الطرف الآخر لأنه يحميه أيضاً وإلا تعرضوا للفناء.
إنهم حتى الآن لم يصلوا إلى تعريف موحد من هو اليهودي، مما يرسخ حالة الانقسام الداخلي بينهم، إن هذا الواقع الاجتماعي عكس نفسه على الواقع السياسي وفي صناديق الاقتراع لاختيار أعضاء الكنيست الذين يشرّعون القوانين، ولكن الديمقراطية ليست التصويت واختيار النواب، رغم أن قانون الانتخاب خلق من “إسرائيل” واحة الديمقراطية في المنطقة، وساعد على ذلك انتشار الديكتاتوريات في الوطن العربي.
ولكن كلما تجذّرت الأيديولوجيات في هذا “المجتمع” كانت نتائج الانتخابات وصول المزيد من أصحاب الأفكار المتناقضة إلى الكنيست، وصدور قوانين تتناقض مع الديمقراطية التي أجبروا عليها بسبب الهجرة واللجوء والخوف وضرورة الحماية، وبالتالي بدأت تنجح قوانين تلغي روح الديمقراطية وتعيد روح التقسيم، كما كان هناك مشاريع قوانين لم تنجح ولكنها أثارت الروح العنصرية التي تلغي الديمقراطية.
وإلا ما معنى إثارة مشروع قانون المنظمات غير الحكومية وغيرها من التدابير ضد منظمات حقوق الإنسان مثل “بيتسليم” سوى أن هذه المنظمة تدافع عن حقوق الإنسان الفلسطيني، وهذا يتعارض مع سياسة حكومة الليكود التي يرأسها ناتنياهو.
وكذلك منظمة “كاسري حاجز الصمت” التي تضامن معها عدد من الجنرالات بنشرهم مقالات في الصحف يعبّرون فيها عن معارضتهم السياسية للحكومة.
إن هجمة الحكومة على هاتين المؤسستين لحقوق الإنسان، تعني شيئاً واحداً، هو أن حريات الإسرائيليين أصبحت في خطر، وأن “واحة الديمقراطية” ستصبح قاحلة بلا ديمقراطية، فهذا القانون هو مؤشر على انخفاض الديمقراطية في “إسرائيل”.
وقانون آخر يؤكد على أن بوصلة الديمقراطية تنحرف، وهو قانون معاقبة أعضاء الكنيست، والذي استهدف الأعضاء العرب في الكنيست الذين لا تكون مواقفهم مشابهة للأغلبية، وهذا القانون وإن كان عنصرياً من حيث المبدأ، إلا أنه يترجم كتم أصوات المعارضة السياسية العربية داخل الكنيست، وهو مقدمة لكتم أصوات المعارضة السياسية للحكومة من الأحزاب الأخرى الصهيونية في المدى الأبعد، ولذلك يعتبر تشريعاً يصب في خانة خنق الديمقراطية.
أما قانون معاقبة راشقي الحجارة من الأطفال الفلسطينيين ومشروع قانون الإعدام (المرفوض دولياً) ضد الأسرى الفلسطينيين، هو تكريس للهجمة الإسرائيلية ودليل آخر على تصاعد الفاشية والعنصرية، خاصة وأن الإعدام بدون قانون يمارس على أرض الواقع بقتل الأطفال بدم بارد من قبل جنود الاحتلال ميدانياً.
نستنتج من هذه المبادرات والقوانين التي تصدر عن الكنيست أنها عنصرية ومخالفة للقوانين الدولية، وهي انحراف عن بوصلة الديمقراطية التي يدّعيها الكيان الصهيوني، مما يجعل ادعائها بأنها واحة الديمقراطية أصبح باطلاً، لأن منبع قوانين الكنيست قد أصبح تحت سيطرة أغلبية داعشية صهيونية تتناقض مع الديمقراطية.