هل يغيب الدور المهني للنقابات المهنية وتتحول إلى أداة في يد الحكومة؟!
بعد التراجع الكبير لدورها الوطني وغيابها عن الحراك منذ انطلاقته
“وعلى ضوء هذه الاتفاقية، فإن النقابات الصحية مجتمعة، تلتزم بعدم إعطاء أي غطاء نقابي لأي نشاط لا ينسجم مع بنود هذا الاتفاق، وتثمن جهود الوزارة في سعيها لتحسين بيئة العمل لجميع كوادرها ماديًا ومعنويًا”.
من اتفاقية وزارة الصحة مع نقباء النقابات الصحية حول ملف أطباء الإقامة
لم تكن الاتفاقية التي وقعها نقباء النقابات الصحية الأربعة والمتعلقة بملف أطباء الإقامة، خارجة عن سياق التناغم الحكومي -النقابي، إلا أنه جاء صادمًا، لوصول هذا التناغم حد استخدام الحكومة لهذه النقابات للتصدي للاحتجاجات المهنية والمطلبية، بعد أن كان هذا التناغم مقتصرًا على تغييب الدور الوطني الفاعل للنقابات المهنية.
تغييب الدور الوطني للنقابات المهنية
لم يكن غريبًا إلغاء أو رفض النقابات المهنية، لإقامة فعاليات تتعلق بالقضايا الوطنية في الآونة الأخيرة، ولم يكن هذا الرفض محصورًا من قبل نقباء من تيار معين. الواضح أن النقابات المهنية منذ أكثر من عشرة سنوات، وهي تشهد تراجعًا كبيرًا في دورها، تمثل ابتداءً بغيابها عن الحراك الشعبي الذي انطلق في بدايات الـ2011، مرورًا بتعطيل الملتقى الوطني للأحزاب والنقابات المهنية، وانتهاءً برفض المشاركة في احتجاجت هبة أيار وحراك الرابع.
نقيب أطباء الأسنان الأسبق الدكتور سعيد أبو ميزر، أكد على أن هذا التراجع في الدور الوطني للنقابات المهنية، نتاج مرحلة طويلة تم الإعداد لها منذ القرن الماضي والعقود التي مرت علينا.
وعزى أبو ميزر أسباب ذلك، باختلال الموازين لصالح مشروع الارتهان الوطني لبرامج صندوق النقد الدولي وقوانين معاهدة السلام المشؤومة وفك الارتباط مع الأراضي المحتلة (الضفة الغربية) مرورا ببرامج بيع مقدرات الوطن وزيادة المديونية ووصولا الى قوانين ضريبة الدخل وقانون الانتخابات والاجتماعات العامة وغيرها.
ويرى الدكتور أبو ميزر في حديثه لـ نداءالوطن أنه خلال هذه العقود ونتيجة تنظيم السياسات الإعلامية والتربوية والجامعية والتقييد على فكرة الأحزاب السياسية والتضييق الأمني والمشاكل الإقليمية التي عكست انقسامات شاقوليه وعرضية في الصف الوطني وتراجع الحركة الوطنية الأردنية وبالتالي النخب المتعلمة والمثقفة في النقابات المهنية مما عمق الهوة بين التيارات الإسلامية والقومية واليسارية وهذا أدى الى تحالفات بعض أقسامها وشروخها مع نتاج مخرجات برامج الأجهزة الحكومية والأمنية التي تعمل عليها لسنوات طويلة لتشكيل ظاهرة في العمل النقابي واصبح الانحياز للرؤى والتطبيقات الحكومية اكثر من أي وقت مضى و اصبح التنسيق والعمل المشترك مع هذه الأجهزة الحكومية والامنيه الأكثر تأثيرا من التنسيق مع مختلف الفعاليات الوطنية الأخرى على الساحة وخاصة في ظل انهيار تنسيق أحزاب المعارضة او التيارات الإسلامية والقومية واليسارية .
في ما يرى عضو مجلس نقابة الأطباء السابق عن القائمة الخضراء الدكتور نضال مرقة أن دور النقابات قد تراجع نتيجة وجود نقابيين ليس لهم هم وطني ويحكمهم في كثير من الأحيان المصالح الشخصية وكذلك رضا الحكومه أملا في حصولهم على موقع حكومي ما.
ويلفت مرقة في حديثه لـ نداء الوطن إلى أن الحكومات المتعاقبة قد استطاعت تدجين عدد من النقابيين وأولهم نقباء الحركة الاسلاميه فهم لم يشاركوا في اي نشاط له علاقه بمطالب الشعب الكثيرة، عدا عن موافقتهم على العديد من القوانين الاقتصادية الجائرة التي تمس حياه المواطن وخاصة الفئة الفقيرة.
الدكتور فؤاد حبش مسؤول الدائرة المهنية في حزب الوحدة الشعبية وعضو المكتب السياسي للحزب، أشار إلى أنه لا يمكن ولا يجوز أن يكون تراجع الدور الوطني للنقابات المهنية أمراً واقعاً، فالتجريف السياسي الذي تعرضت له النقابات المهنية خلال السنوات الماضية كان السبب الرئيسي في تراجع النقابات المهنية عن دورها الوطني لكنني على قناعة وايمان مطلق أن هذا الوضع لن يستمر طويلاً لأن الهيئات العامة للنقابات هي جزء اساسي من جماهيرنا الاردنية التي يغلب عليها الحس الوطني والعروبي وهي جماهير حية وتدافع ببسالة عن قضايانا الوطنيه والقوميه وتتصدى بحزم لأي انحراف يطرأ على الخط الوطني العام. ورفض التطبيع مع الكيان الصهيوني الذي أقرته كافة الهيئات العامه في جميع النقابات المهنية ما هو إلا مثال حي على أصالة زملاءنا المهنيين ووعيهم الوطني.
النقابات المهنية بين تركيبة الهيئات العامة والتدخل الحكومي
يرى الدكتور نضال مرقة أننا بتنا نلحظ في الآونة الأخيرة، تدخل علنيًا من قبل الحكومه وبعض الأجهزة، وبشكل سافر في انتخابات النقابات المهنية من أجل إنجاح نقيب ضمن مواصفات معينة،. ويلفت مرقة إلى ضعف الانتماء السياسي للكثير من أعضاء الهيئات العامة، وما يعانيه الكثير منهم من بطالة أو تدني الرواتب أو حتى عدم القدرة على العيش الكريم، أدى هذا كله الى عزوف الكثير منهم عن التفكير بالهم الوطني والانشغال بتوفير لقمة العيش.
ويستطرد مرقة “من الصعوبة بمكان أن يفكر الشخص بالهم الوطني طالما هو عاجز عن توفير الحد الأدنى للمعيشة. ويبدو أن الحكومه مستمرة في سياسة إفقار الناس وانتشار الفساد في كل مرافق الحكومة ودون وجود نية لإيقافه أو حتى الحد منه حيث أن الفساد أصبح مؤسسة يقودها عدد كبير من المتنفذين. أعتقد أنه من المهم عدم إيصال نقباء مستوزرين أو أصحاب أجندات خاصة، وهذا ممكن إذا تكاتفت كل القوى السياسيه والتقدميه والوطنية”.
ويعتبر الدكتور سعيد أبو ميزر أن تركيبة الهيئة العامة ومزاجها هي تركيبة شرائحية بمعنى أنها تمثل شريحة الطبقة الوسطى حيث أنها نقابات مهنية تتحرك بفعل عاملين: مبدئي ومصلحي. وهذه التركيبة الاجتماعية والثقافية….. الخ تأثرت وتتأثر بالظروف السابق ذكرها، و انقسمت إلى فئات محبطة وفئات متفاعلة إيجابا وبدرجات وتفاوتت بين القبول بالأمر الواقع أو ساعية لتحسينه ضمن إمكانياتهم ولكن يبقى هذا الواقع متطورا تنيجة المساس بالجانب المصلحي حيث ان السياسات كافة ومنها الاقتصادية قد بدأت تحرق وتهدد في لقمة العيش نتيجة زيادة الفقر والبطالة والظروف الإقليمية بما يؤثر سلبا على الطبقة الوسطى هذه، وهذا ما لمسناه في الاستجابات والتفاعلات التي أدت الى سقوط حكومة هاني الملقي ولكن الانكفاء بعد ذلك جاء نتيجة تراجع القيادات النقابية وهنا لا اخص بالذكر النقباء فقط، بل أعضاء المجالس ورؤساء اللجان الفرعية والداخلية في النقابات المهنية كافة، ولكن التأثير الأكبر هو من فعل النقباء ابتداء، فهم قيادة العمل النقابي وهم الأكثر حضورا وتأثيرا على الهيئات العامة لنقاباتهم وفي المجتمع وبشكل عام وكذلك غياب تفاعل هؤلاء النقباء مع الأحزاب الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني المختلفة والحراكات الشعبية مما أدى الى انفكاك العلاقة مع التيارات الوطنية والقومية واليسارية والإسلامية للتصدي معا للسياسات الحكومية الجائرة بحق المواطنين او ما يتعرض له الأردن من هجمة مبرمجة من الخارج وأعوانه في الداخل الأردني لفرض التجويع والفقر، لتقبل حلول السياسية للقضية المركزية الأردنية والعربية من صفقة القرن إلى الانعتاق من فكر المقاومة للحلول الأمريكية والصهيونية لكل المسارات القومية إقليميا.
تراجع الدور المهني للنقابات المهنية
يستبعد الدكتور فؤاد حبش أن تتخلى النقابات المهنية عن دورها المهني والوطني، أو أن تتحول إلى أداة في يد السلطة في المدى المنظور وهذه القناعة ناتجة عن فهم القوانين والأنظمة الداخلية النافذه في النقابات المهنية، وضمن ما هو سائد حالياً لا مستقبل لنقابي يتخلى عن دوره الوطني أو المهني.
لكنه يستطرد، “أما إذا تدخلت الحكومة في القوانين والأنظمة النقابية المعمول بها حالياً وفرضت تعديلات تحد من صلاحيات الهيئات العامة فمن الممكن إحداث خلل في فعالية النقابات وحضورها المهني والوطني. وأتمنى أن لا يحصل مثل هذه التدخلات أبدأ وعلينا أن نكون متنبهين دائماً لمنع تدخل جهات خارجية في شؤون النقابة وقوانينها”.
ويختلف الدكتور سعيد أبو ميزر مع الدكتور حبش، ويلفت إلى أن الوضع النقابي المهني لم يسبق له أن كان في مثل هذا الحال، فقد شهد الواقع تراجع وانفلات في أوضاع المهن كافة وفقدان للضوابط النقابية في كثير من المفاصل واما بيان نقباء النقابات الصحية الأخير في الالتفاف على مطالب الأطباء وحقوقهم الا تعبير عن استقواء بالحكومة ضد مطالب الأطباء العادلة، وكذالك قبول قانون المساءلة الطبية بدون تحديد وتعريف لماهية الخطأ الطبي ضمن ضوابط واضحة وغيرها من الأنظمة الاعتمادية التي تدخل النقابات الصحية في تأزيم العلاقة في هذه المهن وبين أعضائها والمجتمع وكذالك قانون ضريبة الدخل ونظام الفوتره وغيرها.
وحذر أبو ميزر من عدم تصدي النقابات المهنية وبشكل جماعي ومن خلال مجلس النقباء او مجلس النقابات المهنية مجتمعين او من خلال الهيئات العامة، ستشهد المزيد من التراجع عن الدور المهني المناط بالنقابات المهنية أصلا منذ تأسيس النقابات و اصبح الانفلات كبيرا لدرجة ان عدد كبير من النقابيين المهنيين اصبح الان يطالب مثل طلب الحكومة في الماضي بعد الإلزامية للاشتراك في النقابات وهذا ما سيهدم النقابات من داخلها وهذا هو الخطر الأكبر.