لآخر المستجدات تابعنا على قناة تلغرام

تابعنا
أخبار محلية

هل “فرملت” أحداث ذيبان الجنوح الحكومي نحو رفع الأسعار؟!

لم يخطر ببال حكومة هاني الملقي سيناريو أسوأ مما حدث في ذيبان لتبدأ به عهدها. فالحكومة التي لم يكد يمضي على تشكيلها أكثر من ثلاثة أسابيع بدأتها باتفاقية جديدة مع صندوق النقد الدولي ورفع لأسعار السلع والمحروقات، كانت تعتقد أن الأرض ممهدة لها لتنفيذ الاتفاقية بكل سهولة ويسر، وتنفيذ حزمة إجراءات عجزت سابقتها عن تنفيذها، اصطدمت بخيمة ذيبان التي يبدو أنها أعادت حسابات الملقي وطاقمه الاقتصادي.

ذيبان: شرارة حراك قديم متجدد
لم يكن يدور في خُلد أحد أن تنطلق شرارة الحراك الشعبي في الأردن من ذيبان، ففي الوقت الذي كان يؤمن الجميع بأن عدوى الثورة التونسية والمصرية ستنتقل إلى الأردن، كان الرهان على إحدى المدن الرئيسية كعمان أو اربد أو الكرك، ولكن الانطلاقة كانت من ذيبان التي يعمل معظم أهلها في الأجهزة الأمنية وفق الناشط الحراكي فؤاد قبيلات.
وكما كانت ذيبان شرارة الحراك الشعبي الذي انطلق في بداية الــ 2011 واستمر لأكثر من عامين، فإنها أضحت كذلك المدينة التي كسرت حالة “الركود الحراكي” المستمر منذ الانتخابات النيابية عام 2013. حيث لعبت خيمة المعطلين عن العمل دوراً كبيراً في تأجيج الشارع وإعادة أجواء بدايات الحراك إلى ذاكرة الأردنيين.
هذه الخيمة تم نصبها في الثلث الأول من شهر أيار الماضي من قبل أربعة شباب يحملون درجة البكالوريوس ويعانون من البطالة، سرعان ما اتسعت دائرة المنضمين لها لتصل إلى 25 مواطناً من ضمنهم ثلاثة عشر يحملون درجة البكالوريوس وبعضهم مضى على تخرجه عشر سنوات.
مع مرور الوقت أصبحت الخيمة مركز جذب لأهالي ذيبان، واكتسب القائمون عليها تعاطف أهلهم في ذيبان خاصة مع قيام المتعطلين عن العمل بأعمال تطوعية في اعتصامهم من مثل دهان الأرصفة وتنظيف الشوارع وغيرها من الأعمال التطوعية. كما ساهم تجاهل الحكومة لمطالب المعتصمين والتي تقتصر على توظيفهم، في تعزيز حضور الخيمة ولفت أنظار الإعلام لها.

تخبط حكومي: أمن خشن، فناعم، فخشن
لم تكد تمضي أيام معدودة على أداء حكومة الدكتور هاني الملقي اليمين الدستورية خلفاً لحكومة النسور، حتى كشفت الحكومة عن برنامجها الاقتصادي والمهمة الرئيسية التي ستقوم بها. فقد قامت الحكومة بتوقيع اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي في بداية حزيران، رافقه سلسلة رفوعات جديدة لعدد من السلع وضرائب إضافية على المحروقات، وتأكيدات برفع قريب للكهرباء والمياه مع بداية العام القادم.
حكومة الملقي أرادت أن تخلو مهمتها من أية منغصات، معتبرة أن المواطنين أصبحوا أكثر تقبلاً لهذه القرارات في ظل ما يحيط بالأردن من دمار وخراب، وفي ظل اعتياد المواطنين على تنفيس غضبهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي. لذلك رأت هذه الحكومة أن إزالة خيمة المتعطلين عن العمل أصبح أمراً ملحاً، خاصة وأن الإعلام المحلي بدأ يسلط الضوء عليها، ما ينذر بانتقال عدواها إلى مناطق أخرى، وهو الأمر الذي يعني إعاقة تنفيذ اتفاقية صندوق النقد الدولي.
وفي الخامس عشر من حزيران، صدر القرار بهدم الخيمة واعتقال المعتصمين، ولكن ما إن نفذت الأجهزة الأمنية قرار الهدم بالقوة مستخدمة الغاز المسيل للدموع لتفريق المعتصمين، واعتقال عدد من المشاركين في الخيمة، حتى ثارت ثائرة أهالي ذيبان، فسارع المحافظ للقاء المعتصمين بعد إطلاق سراح المعتقلين، وبعد فشل اللقاء، عاد المتعطلون عن العمل لنصب خيمتهم مرة أخرى، ولكن هذه المرة بزخم أكبر وفي ظل تركيز إعلامي محلي وعربي. كما تحولت الخيمة إلى مزار، حيث توافدت إلى الخيمة وفود من الناشطين في الحراك الشعبي والعمال والمعلمين، وأضحت أخبار “خيمة ذيبان” تتصدر وسائل الإعلام.
وهج خيمة المعتصمين أعاد الحكومة للتفكير بخيار “الأمن الخشن” مرة أخرى، وذلك بالتزامن مع تعنّت حكومي بعدم توظيف المعتصمين، وإصرار المتعطلين على حقهم في توفير وظيفة توفر لهم الحياة الكريمة. فكان التحشيد الأمني الكبير وجلب عشرات العربات التابعة للدرك إلى ذيبان، ليتم فض خيمة المعتصمين مرة أخرى وبشكل أكثر عنفاً من المرة الأولى، إلا أن حجم القوة المستخدمة في فض الاعتصام أثارت أهالي ذيبان، ما أدى إلى تحول المشهد إلى مناوشات ليلية بين الأهالي من جهة، والأجهزة الأمنية من جهة أخرى، استمرت لأكثر من ثلاثة أيام، وأدت إلى حدوث إصابات من الطرفين.
وبعد شدٍّ وجذب، تم تطويق القضية وعقد اتفاق بين ممثلين عن المعتصمين وبين الحكومة، تم بموجبه فض الخيمة ووإطلاق سراح المعتقلين وتقديم وعود بتشغيل المتعطلين عن العمل.
وما كاد يمضي أسبوعان على الاتفاق، حتى عاد المحافظ لاعتقال ثلاثة من المعتصمين، وتحويلهم إلى سجن ماركا، لتعود ذيبان إلى المربع الأول: تواجد كثيف للدرك.. اعتصامات على دوار ذيبان.. نصب الخيمة.. فض الخيمة بالقوة.. اعتصامات واحتجاجات ليلية.. امتداد الاحتجاجات إلى قرى الحمايدة كافة.. المزيد من الغاز المسيل للدموع والاعتقالات.. الخ.

الرسالة وصلت:أكبر من قضية عشرة متعطلين عن العمل
لماذا لم تقم الحكومة بتعيين المتعطلين عن العمل منذ البداية وإغلاق ملف أحداث ذيبان كاملاً دون حاجة إلى كل هذا التصعيد الذي جرّ البلاد كلها إلى حالة من التأزيم كانت في غنىً عنها؟!
الحكومة تعي تماماً أن أحداث ذيبان أكبر من قضية متعطلين عن العمل يبحثون عن حقهم في وظيفة هنا أو هناك، وأخطر من خيمة لجأ مواطنون لنصبها في محاولة لتسليط الضوء على قضيتهم العادلة. فالملقي وحكومته يعون تماماً أن ما يحدث في ذيبان هو نتاج نهج اقتصادي خصخص مقدرات وطن بأكمله، واعتمد وصفات صندوق النقد الدولي في زيادة الفقر والطبالة ورفعها إلى مستويات غير مسبوقة. لذلك فإن التحرك والاحتجاج لم يكن سوى مسألة وقت، أما المكان فإن لم يحدث في ذيبان فإن معان والكرك وإربد والطفيلة والزرقاء وكافة مدن الأردن كانت مهيأة لهكذا حدث.
الملقي الذي اعتقد أن طريق تنفيذه اتفاقيات صندوق النقد مفروشة بالورود، جاءت أحداث ذيبان لتُعيد له حساباته، ويبدو أن عجلة “الرفع” قد تم فرملتها قليلاً بانتظار جلسات حكومية – أمنية لإعادة تقييم الوضع، خاصة أن القرارات الأكثر وجعاً لم يتم إصدارها بعد، وعلى رأسها رفع أسعار الخبز.
وتبقى الكرة الآن في ملعب القوى السياسية التي عليها أن تبني على أحداث ذيبان ليتحول هذا الاحتجاج الشعبي العفوي إلى برنامج وطني اقتصادي لمواجهة سياسات الحكومة الاقتصادية ووقف تنفيذ اتفاقية صندوق النقد الدولي.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى