هل سيصب الصراع بين “التاكسي الأصفر” والتطبيقات الذكية، في مصلحة المواطن؟!
في ظل ضعف وسائل النقل العمومية، وسوء تنظيم قطاع النقل بشكل عام، يلجأ المواطن الأردني إلى سيارات النقل الخاص (التاكسي الأصفر). إلا أن دخول شركات النقل التكنولوجية الدولية التي تستخدم التطبيقات الذكية ككريم وأوبر، إلى السوق الأردني، أعاد إلى الواجهة إشكاليات النقل في الأردن، وعادت مشاكل النقل لتطفو على السطح مرة أخرى، مع تزايد الصراع بين سائقي ومالكي التاكسي الأصفر من جهة، وشركات التطبيقات الذكية من جهة أخرى.
سائقو التاكسي الأصفر اعتبروا التطبيقات الذكية استهدافاً لهم في لقمة عيشهم، فيما شركات التطبيقات الذكية تؤكد على أن قطاع النقل لا يجوز أن يكون حكراً على سائقي التكسي الأصفر خاصة في النمو السكاني الذي لم يتناسب مع الأعداد المحدودة للسيارات الصفراء. فيما المواطن، وجد في أوير وكريم وسيلة نقل تخلصه من سوء مسلكيات بعض سائقي التكسي ومزاجيتهم في التعامل مع المواطنين.
جودة الخدمة في مقابل الحق القانوني
مشكلة التاكسي الأصفر و شركات نقل الركاب باستخدام التطبيقات الذكية ما زالت تراوح مكانها منذ اكثر من عام، و لكن بوتيرة عاليّة جداً مؤخراً، ذلك لأن المسألة لم تنحصر في حيز التنافس غير العادل او العكس، لا، بل تعدت ذلك الى وجود قاعدة شعبية لا بأس بها تستخدم التطبيقات الذكيّة بتنقلاتها و تفضلها على السيارة الصفراء، و بالمقابل “الأصفر” التاريخي الذي قاد اعتصام ما سميّ بـ “الثورة الصفراء” دفاعاً عن قوت المواطن و رفضاً لرفع اسعار المحروقات يرزح منذ سنين تحت نير قوانين ظالمة بحقه و منع متواصل للإعتراف به ضمن قانون العمل الأردني(…)
السائق سليمان السرياني، عضو الهيئة الإدارية في النقابة المستقلة لسائقي العمومي، يؤكد لـ نداء الوطن ” نحن لسنا ضد هذه الشركات، و لكن نحن مع تنظيمها، فتطبيقات (أوبر) و (كريم) مخالفة لقانون السير الأردني، كونها تعمل بالصفة الخصوصية لنقل الركاب”.
السرياني: نحن لسنا ضد هذه الشركات، و لكن نحن مع تنظيمها، فتطبيقات (أوبر) و (كريم) مخالفة لقانون السير الأردني، كونها تعمل بالصفة الخصوصية لنقل الركابوحول سلوكيات بعض سائقي “الأصفر” ومزاجيتهم في التعاطي مع المواطنين، يؤكد السرياني أن النقابة ” تقدمت للحكومة بطلب وضع شروط لمزاولة المهنة، ليتسنى لنا تقديم أفضل مستوى من الخدمة، و لكن تم رفض الطلب، مما فاقم المسألة و أصبحت الشركات غير المرخصة تتربع على أكثر من ٥٠٪ من قوت سائقي الأصفر، و انعكست سلوكيات البعض على كل مقدمي الخدمة”.
الطالب الجامعي أحمد السلال يؤكد في حديثه لـ نداء الوطن “بشكل شخصي، حيث اعتبر نفسي من أكثر مستخدمي التاكسي سابقاً، والتطبيقات حديثاً، أعتقد أن سلوكيات سائقي التاكسي الأصفر من عدم تشغيل العداد وعدم احترام الراكب وحالة السيارات، شكلت العامل الأكبر في التحول لاستخدام التطبيقات الذكية،(ما في حدا بحب ينضحك عليه)” وذلك في معرض رده على أسباب تفضيله لـ “كريم وأوبر” على التاكسي الأصفر.
فيما ترى الآنسة وعد النمري الموظفة بإحدى شركات القطاع الخاص في حديثها لـ نداء الوطن أن ” غياب شبكة مواصلات حديثة هي المشكلة الاساسية، فأنا لن استطيع الوصول الى العمل بالوقت المناسب من خلال المواصلات العامة، ذلك لعدم وجود اوقات محددة لتحرك الحافلات مثلاً! عدا عن حجم المضايقات التي يمكن ان يتعرض لها الشخص، و تحديداً الفتيات، لذلك اعتقد بأن سبب التوجه للتاكسي او للتطبيقات الذكية هو تفاديّاً لإضاعة الوقت و الجهد و لشراء راحة البال و لسهولة الوصول لها بأي وقت “
التطبيقات الذكية:محاربة البطالة دون ضمان اجتماعي
رئيس هيئة تنظيم النقل البري صلاح اللوزي، صرح لوسائل الإعلام قبل أسابيع أن الحكومة قامت مؤخرا بوضع شروط وتعليمات لتنظيم عمل شركتي “أوبر” و”كريم” كان على رأسها تسجيل الشركتين بالأردن بشكل رسمي، وأن يكون لهما مقر وعنوان واضح، ومعرفة العاملين لديها، والقائمين بأعمال الشركتين، إضافة إلى أن الشروط فرضت على الشركتين رسوم التسجيل والترخيص، الى جانب أن التعرفة لهذه الخدمة يجب أن تكون مرتفعة عن تعرفة التاكسي الأصفر، بحيث يصبح هنالك حداً للمنافسة غير العادلة بين هذه الشركات والتاكسي الأصفر.
ويرى صهيب نصرالله، وهو سائق سيارة خاصة يعمل مع إحدى شركات التطبيقات الذكية أن “شركات النقل بالتطبيقات الذكية ساهمت بكل تأكيد بالتخفيف على الشباب العاطل عن العمل، فالكثير من اصدقائي يستأجرون السيارات ويعملون عليها، و البعض الآخر يعمل على مركبته الخاصة”.
فيما يشكك السائق والناشط النقابي سليمان السرياني بحل تطبيقات النقل الذكية مشكلة البطالة المتفشية بين الشباب، حيث يشير إلى أن ” السواد الأعظم ممن يعملون لدى هذه الشركات لديهم وظائف أساسية، و عملهم مع هذه الشركات يأتي في خانة ثانوية لتحسين اوضاعهم الاقتصادية، بالتالي المسألة لا تحل مشكلة البطالة، بقدر ما تفاقم الفروقات الاجتماعية بين الناس”.
سائقو “الأصفر” والمهن غير المنظمة
يتجاوز عدد من يحملون رخصة القيادة العمومية الربع مليون مواطن أردني و يعملون تحت ما يسمى بالمهن غير المنظمة، ولا يحق لهم الانخراط تحت مظلة قانون العمل الأردني. هذه النقطة أثارتها النقابة المستقلة لسائقي العمومي، حيث طالبت بتعديل قانون العمل الأردني، ليتسنى لمقدمي المهنة الاستفادة من الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي و ما الى ذلك من خدمات.
ويرى الناشط السرياني في حديثه لـ نداء الوطن أن “مهنة السائق العمومي المصنفة كمهنة غير منظمة حسب قانون العمل الأردني، غير مُعترف بها سوى لمن عمل بهذه المهنة بموجب عقد عمل كما في شركات النقل الكبيرة، و بموجب ذلك فإن كل سائقي العمومي لا يحق لهم الانتساب للنقابة العامة للنقل البري و الميكانيك، ولا يحق لهم الانخراط ضمن منظومة الضمان الاجتماعي الإلزامي.”
الطالب الجامعي احمد السلال يؤكد لـ نداء الوطن أن ” إدراج سائقي العمومي ضمن الضمان الاجتماعي أساس من أساسيات المجتمع، فالعاملون في هذا المجال كعمل أساسي من حقهم التسجيل في الضمان خصوصاً أن هذا العمل يصنف من الأعمال ذات هامش الخطر بالتزامن مع حوادث الطرقات المتزايدة” و تتفق مع ذلك الاستاذة النمري و تؤكد انها مع قوننة كافة اشكال العمل و المهن، خاصةً ما اذا كان مقدمو الخدمة يشكلون نسبة كبيرة من المجتمع – كسائقي الأصفر والتطبيقات الذكية- ليتسنى لهم الاستفادة من الضمان الاجتماعي و التأمين الصحي، و تعتقد النمري بوجوب تطوير قانون العمل و جعله اكثر مرونة ليستوعب التطورات المتسارعة التي تظهر على الساحة.
ما يزال معمعان الأزمة بين التاكسي الأصفر و شركات التطبيقات الذكية قائماً، بل تجاوز ذلك لإقدام سائقي الأصفر لتسليم مقدمي الخدمة عبر التطبيقات الذكية لشرطة السير، ذلك بعد ان فشلت كل محاولات الحكومة لحل المشكلة تماما. يبقى الإحتقان بين “الأصفر” من جهة و “أوبر” و “كريم” من جهة اخرى هو سيّد الموقف، في ظل تصريحات حكومية كثيرة لا تتعدى حيّز الفشل و عدم القدرة على ضبط الخدمة.
الناظر بعمق للمشكلة ما بين شركات التطبيقات الذكيّة والتاكسي الأصفر، والتكلفة العالية لكليهما نسبياً، تظهر لديه الحالة المتردية التي تعاني منها شبكة المواصلات العامة والتي كانت يجب أن تكون الخيار الاساسي للمواطن الأردني في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها.