هل بالإمكان إلغاءالهيئات المستقلة؟؟
عندما انخرط النظام الحاكم في الأردن في سياسة الانفتاح الاقتصادي، وتبنى نظرية اقتصاد السوق كان لا بد له من الالتزام بكل متطلبات ذلك، ومن هذه المتطلبات سياسة الخصخصة، وتقليص دور الدولة في الاقتصاد الوطني ومنح هذا الاقتصاد للقطاع الخاص، مع تعميق هذا الدور وتسريع دمج الاقتصاد الأردني بالاقتصاد الرأسمالي العالمي.
ولكي يكمل هذا المسار ويقنع هيئات التمويل الدولي بأنه حريص جداً على الالتزام بالنهج الاقتصادي الجديد، اتجه لتشكيل روافد رقابية للوزارات بذريعة تعميق الاصلاح الاقتصادي فكانت فكرة الهيئات والمجالس والسلطات المستقلة، وادعت الحكومة بأن من شأن ذلك تحفيز الاقتصاد ومراقبة الورزارات وتخفيف العبء عنها.
لقد جرى كل ذلك بمساعدة وتخطيط التيار الليبرالي المهيمن على السياسة الاقتصادية والمرتبط بمؤسسات رأسمالية دولية، وبالرغم من الاعتراضات من قبل اقتصاديين شككلوا بجدوى هذه الهيئات والاشارة بأنها ستفرغ الوزارات من مهامها، وتهمشها وربما تتحول إلى مرتع للفساد إلا أن الحكومة لم تأبه بكل الاصوات المعارضة، وباشرت بتأسيس الهيئات المستقلة حتى بلغ عددها (57) مؤسسة وبلغ عدد الموظفين فيها أكثر من (25) ألف مستخدم غالبيتهم تم تعيينهم بالواسطة ومن اقارب ومريدي الوزراء.
والبعض الأخر من المقربين صناع القرار ووفق التقارير الرسمية، وشبه الرسمية، بلغ حجم انفاق الهيئات المستقلة ما يزيد على (1.5) مليار دينار سنوياً وبلغ حجم الايرادات (1.388) مليار دينار وسجلت عجزاً مقداره (112) مليون دينار.
ولقد قدمت الحكومة دعماً لهذه الهيئات بلغ (155) مليون دينار منها (120) مليون دينار نفقات جارية و (35) مليون دينار نفقات رأسمالية والحقيقة لم تكن كافة الهيئات تعاني من العجز المالي فقد حقق بعضها ارباحاً لكنها لم تسد العجز المتأتي من فشل واخفاق الهيئات الاخرى، إذ بلغ عدد الهيئات التي سجلت عجزاً مالياً (22) مؤسسة وجهت إليها بنود الدعم من الموازنة ولقد تم توجيه الدعم إلى (22) مؤسسة تتبع وزارة الاوقاف استحوذت (4) مؤسسات على (76%) من مجمل الدعم ما يقارب (118) مليون دينار وبالطبع كانت عملية تغطية هذا العجز الذي سجلته المؤسسات المستقلة يأتي من خلال الاقتراض الداخلي والخارجي، أي أن الهيئات المستقلة شكلت عبئاً على الموازنة من خلال اضافة عجوزاتها إلى عجز الموازنة ومن جهة اخرى توجه العبء إلى المديونية العامة التي بلغت نسبتها إلى الناتج المحلي الاجمالي ما يقارب (96%) وبالاضافة إلى ما أوجدته هذه الهيئات من مظاهر بيروقراطية، وفساد ورواتب عالية جداً فإنها لم تساهم قط لا في تحفيز الاقتصاد الذي كما هو معروف لا يزال يعاني من التباطؤ والركود حيث تراجعت معدلات النمو الاقتصادي وبلغت العام الماضي (1.9%) وارتفعت (0.1%) فقط خلال الربع الاول من هذا العام قياساً بنفس الفترة العام الماضي.
ولا تسهيل للخدمات أو تجاوز الروتين، أو زيادة نسبة التشغيل حيث اصبحت معدلات البطالة (18.5%) كما لم تساعد في الاصلاح الاقتصادي كما ادعت الحكومة لقد بنت الحكومة امالها على هذه الهيئات في المساعدة على زيادة حجم الاستثمار، إلا أن النتائج جاءت عكسية، فالاستثمار تراجع حجمه، ولم تجد الحكومة حلاً للتعقيدات التي يعاني منها الاستثمار، ولا حلولاً لما تعكسه مركزية القرارات والاجراءات الاخرى الطاردة للاستثمار.
ما العمل امام هذه الازمة الخطرة على الاقتصاد في الحقيقة لم يجد أي متتبع لتاريخ تأسيس هذه الهيئات ونحن منهم من يؤيد بقاء هذه الهيئات فالجدل الدائر حولها هو بين مطالب بالغائها تماماً وبين مطالب برمجها لكن هناك اجماع على أن هذه الهيئات اصبحت واحدة من اصعب التحديات التي يواجهها الاقتصاد الأردني.
والحكومة من جهتها مقتنعة بعدم جدوى تلك الهيئات مثلما هي حتماً مقتنعة بعدم جدوى السياسات الاقتصادية التي تتبناها لكن الأمر لم يعد في يد الحكومة ولا التحالف الطبقي الذي تنفذ الحكومة سياساته الفاشلة فهذا التحالف هو مجرد رهينة في يد صندوق النقد الدولي ويأتمر بأوامره، وينفذ تعليماته سواء في رفع اسعار السلع والخدمات أو في فرض المزيد من الضرائب التي اثقلت كاهل المواطنين والحقت ضرراً بالغاً بالاقتصاد الاردني وعمقت من أزماته مثل الفقر والبطالة، والمديونية والعجز المالي وتراجع حجم الصادرات.
لذلك حاولت الحكومة أن تتحايل على الاحتجاجات وسخط المواطنين على استمرار الحكومة في تبني الهيئات المستقلة فاقدمت على دمج (8) هيئات في محاولة لامتصاص نقمة الشعب الاردني إلا أنها في نفس الوقت اخذت تسعى إلى تأسيس هيئات جديدة متل هيئة خاصة بالسياحة العلاجية وحسب مصادر اعلامية فإن الحكومة بصدد دراسة مقترح لانشاء هيئة تسمى (هيئة المياه) والمبرر أن هذه الهيئة ممولة من قبل (USAID) الامريكية و (GIZ) وكالة التنمية الالمانية والحقيقة أن احتياج الشعب الاردني على هذه الهيئات ليس مرتبطاً فقط بالتمويل وانما في محتوى هذه الهيئات واهدافها وما ترمي اليه انها في الحقيقة جزء من الآلة التي تدير العملية الاقتصادية في الاردن ولذلك، فإن المطلوب هو الضغط حتى تتخلى الحكومة عن كامل النهج السياسي والاقتصادي وعندها تتساقط كل تبعات هذا النهج.