هل انتهى دور جامعة الدول العربية؟

أمام هذا الكم من التحديات التي تواجه أمتنا العربية، وهذا الغياب الواضح للجامعة العربية منذ تسعينات القرن الماضي يبرز سؤال بمنتهى الوضوح هل انتهى دور الجامعة؟ أم أن هناك امكانية لبعثها وإحياء دورها؟
قبل الدخول مباشرة في صلب الموضوع ومحاولة الاجابة عليه، من المفيد الإشارة إلى أن ثقافتنا العربية تجنح نحو الفرقة والخصام وهي مسألة يجب أخذها لفهم الخلاف العربي وتعطل مؤسساته،
كنتاج لرغبة الزعامة لدينا، فالوعي العربي يقوم على فكرة تمجيد الفرد أكثر من تمجيد المؤسسة، هذا الفهم وهذه النظره تجعل الصراع على القيادة صراعًا على الرمزية والهيبة وليست على أساس البرامج والكفاءة، فكل طرف يرى نفسه الأجدر مما يولد تنافسًا حادًا بدلاً من التعاون.
إن جذور هذه الظاهرة ترتبط بكون المجتمع العربي كان قائمًا على القبيلة والولاء للشخص وليس للمؤسسات، ويمكننا أن نضيف بأن الواقع الاقتصادي القائم على الخدمات والزراعة والصناعة التحويلية وضعف القطاع الصناعي الكبير يجعل من الذاتية هي الطاغية، وتتعزز الفردانية.
وبالعودة إلى موضوع الجامعة والبحث في أسباب تعثرها، يقودنا إلى نشأة الجامعة وعوامل تشكلها، عدة عوامل أبرزها أن فكرة العروبة والإحساس المشترك بالانتماء القومي شكلت الرافعة لخلق أطار مشترك، وفي الآن ذاته خلق حالة من التوازن بين حلم الوحدة وواقع التجزئة، وفي تلك الفترة كانت تتشكل الارهاصات لبروز حركات التحرر، الامر الذي خلق الحاجة لتجميع القوى لمواجهة النفوذ الأجنبي، ومن هنا جاءت الفكرة التي تبنتها مصر في عهد مصطفى النحاس، وبدعم من بريطانيا لإنشاء إطار جامع للعرب ولا يشكل تهديدًا للنفوذ الغربي.
ينفرد النظام العربي عن غيره من النظم الإقليمية، بهذه الخاصية “الانتماء إلى العقيدة العربية”، وهي خاصية مهمة معنويًا وسياسيًا تميز التفاعلات بين دول الجامعة وليس مجرد علاقات بين دول ذات سيادة، لأن هذه السيادة ليست مطلقة بل ويمكن اعتبارها سيادة مؤقتة بحكم ظاهرة التجزئة من ناحية والفعل الدافع للوحدة من ناحية أخرى.
إلا أن هذه الصورة وبفعل النزعات ال قطر ية التي أخذت على عاتقها تدعيم القطرة والتحلل من العمل المشترك بالإضافة إلى التدخل الأجنبي، كان يخلق نوع من التصادم بين فكرة العروبة كقوة لازمة للتماسك في مواجهة قوى تعطيل ما هو مشترك.
كان لمعاهدة كامب ديفيد الضربة الأولى والأقسى ضد النظام العربي، الذي ما أن استفاق منها لتأتي الضربة الأشد المتمثلة باحتلال العراق للكويت وما أثاره من أسئلة العروبة واحترام السيادة للدول الأعضاء.
ما بعد ذلك جاءت الهرولة نحو التطبيع مع العدو الاسرائيلي، وما تسبب في خلق انقسام عربي عربي بين مؤيد للتطبيع ومعارض له، بين مؤيد للتدخل الأجنبي ورافض له.
منذ تلك الفترة أصبح النظام العربي رهين التبعية، وجاء ما يعرف بالربيع العربي تعرية كاملة لمفهوم التضامن العربي، بل تحولت دول عربية ألى أدوات في أيدي الأجنبي لتدمير دول عربية أخرى.
إن جذر أزمة الجامعة وقابليتها للشلل والتفسخ، تعود إلى الأساس القُطري الذي انطلقت منه من خلال تركيزها على سيادة الدول العربية لا على الوحدة العربية.
كانت الجامعة إطاراً للتنسيق وليست إطاراً للتوحيد، وكان كل نظام عربي له أولوياته، الأمر الذي عمق الغياب للإرادة السياسية المشتركة.
يكفي أن نشاهد كيف وقفت الجامعة جامدة مشلولة لا تقوى على الفعل تجاع ما تعرضت له ولا تزال غزة ولبنان من عدوان صهيوني، لم يتجاوز رد فعلها أكثر من بيان، هذا العجز كان في حقيقته يطرح سؤال عن إمكانية اصلاحها وجدوى وجودها.
اعتقد أن محاولة الإصلاح لا بد منها قبل التحلل من امكانية الإصلاح والبحث عن بدائل.
أولى مرتكزات الإصلاح هي توسيع دائرة مفهوم الأمن القومي من المفهوم العسكري إلى الاقتصادي والغذائي والمائي.
– تعديل الميثاق بحيث تؤخد القرارات بالأغلبية.
– دعم القضية الفلسطينية واعتمادها قضية قومية جامعة.
– تحييد الخلافات الأيدولوجية والتركيز على المصالح المشتركة.
– وضع استراتيجية دفاعية حقيقية.
– مشروع تكامل اقتصادي وسوق عربية مشتركة.
نحن أمام تحولات إقليمية مهمة تتمثل بدخول قوى إقليمية غير عربية إلى قلب المنطقة جعل العرب يفقدون دورهم كمركز ثقل، الأمر الذي يجعل من التفكير بتطوير الجامعة أو بخلق إطار إقليمي جديد.