هدية الحكومة للعمال رفع أسعار / جهاد المنسي
لا أعرف تحديدا حتى اليوم طريقة تسعير المشتقات النفطية، ورغم استماعي لآلية التسعير مرارا وتكرارا، إلا أن الطريقة لم تكن مقنعة لي ولا للكثيرين غيري، وتواصل استغرابي من طريقة التسعير، خاصة أنني أرى شهريا أن الحكومة عندما تنخفض أسعار النفط عالميا يطرأ انخفاض طفيف على المحروقات بين قرش وتعريفة فقط، ولو ارتفعت أسعار النفط فإن رفع المحروقات يكون في حده الأدنى قرشين ويزيد.
قبل أيام سألت أحد أعضاء لجنة التسعير عن أخبار التسعيرة الجديدة، وإن كان الرفع كبيرا أم لا؟!، طبعا أجاب أن الرفع كبير ومؤلم، وهو ما حصل، فارتفعت الأسعار بين 4.5 % و17 %، وهي أرقام كبيرة جدا ومرتفعة ولا تتناسب مع القدرة الشرائية للناس، وخاصة أن رفع المحروقات ترافق مع رفع أسعار الكهرباء للمرة الرابعة منذ بداية العام، ما يعني أن الحكومة في كل شهر ترفع أسعار الكهرباء.
عضو لجنة التسعير الذي وقفت معه هنيهة وتبادلت معه أطراف الكلام، أخبرني بمعلومات صادمة ومؤلمة وتضع علامات استفهام غير متناهية حول طريقة تعامل الحكومة مع مواطنيها، فقد قال إن القضية ليست في أسعار المشتقات النفطية، وأن الزيادة المرئية التي تحصل ليست هي موضع الخلاف، ولكن المفاجأة تكمن في حجم الضرائب المفروضة على المحروقات، وهنا قال إن الحكومة تفرض نسبة تفوق 55 % من الضرائب على بعض المشتقات النفطية!.
الحكومة في أول أيار (مايو)؛ عيد العمال العالمي وبدل أن تذهب لافتتاح مصانع، وزيادة رواتب، وتعزيز قدرة القطاع الزراعي، ووضع الخطط المناسبة لتطوير الإنتاج وتعزيز قيم الصناعة والزراعة، ورفع الحد الأدنى للأجور، وتطوير منظومة التأمين الصحي، كهدية للعمال في عيدهم، أبت أن تفعل ذلك، وقررت أن تكون هديتها للعمال مختلفة، فرفعت أسعار المحروقات والكهرباء، وبدل تكريم العمال وتقديم خطط كفيلة بالحفاظ عليهم، ووضع حلول مقنعة ومناسبة تتضمن دعم الطبقة العاملة والفقيرة وتعزيز الطبقة الوسطى التي ذابت، بدل ذلك، أقدمت حكومتنا على وجبة رفع أسعار جديدة من دون أن يرف لها جفن.
ليس هذا فحسب، بل إنها تخبرنا في اللحظة ذاتها بأنها ستسير في إجراءاتها الاقتصادية التي تعتبرها إصلاحية من دون أن تقول لنا متى ستنتهي تلك الإجراءات ومتى سنرى نحن الشعب المسكين متلقي الصدمات نهاية لسلسلة الرفع تلك، ومتى سنشعر بصدق ما تقوله الحكومة عن مستقبل مختلف، أم أن الحديث عن انتهاء سلسلة الرفع بمثابة أوهام وإبر مخدرة عكفت الحكومات المتعاقبة على تخديرنا بها نحن الأردنيين؟!.
بجد، بت أشعر أن كثرة الكلام عن الموضوع ذاته وعن أثر ما تقوم به الحكومة من إجراءات اقتصادية قاسية على الطبقة الفقيرة ومنها العمال والمتوسطة التي ذابت، بات كلاما غير مجدٍ إطلاقا، فالحكومة كما حكومات سابقة لا تستمع لما يقال، وتتعامل مع الأمر بأذن من طين وأخرى من عجين من دون اكتراث لنا ولفقرنا وجوعنا وعوزنا ومن دون نظرة واقعية للتبدلات الاجتماعية التي باتت ترافق المجتمع الأردني، ومنها انتشار ظاهرة المخدرات؛ إذ بتنا نسمع يوميا عن كشف كميات منها، وكذلك ارتفاع وتيرة ظاهرة السطو، والانتحار وخلافه من ظواهر مقلقة للمجتمع يتوجب أخذها بعين الاعتبار ، بيد أن الحكومة للأسف، “مطنشة” والاعتبار الوحيد الذي تأخذه هو ما يقوله الصندوق والبنك الدوليان، وأي اعتبار غير ذلك ثانوي بنظر الحكومات.
ببساطة الحكومات المتعاقبة قيدتنا بالصندوق الدولي، وبات هو المتحكم بنا وبمستقبلنا، ولذا باتت كلمة كل عام وأنتم بخير للعمال في عيدهم هي أكثر ما يقال وكفى، من دون أن نفكر أن نقدم لأولئك الذين يكدحون يوميا ويواصلون البناء هدية أو إنجازا، حتى إن حكومتنا لم تأخذ ببالها تلك الطبقة المعدومة، ولم يرف لها جفن وهي تقرر رفع الأسعار في يوم العمال ذاته!.
نقلا عن الغد