نقابة الأطباء، بين المأزق وطريق الإنقاذ/ د.عصام الخواجا
مارست الهيئة العامة حقها كما واجبها، حسب قانون النقابة، بانتخاب نقيب ومجلس، ولم يكن تفويض الهيئة العامة لهم من خلال الاقتراع، يعطيهم الصلاحية تحت أي ظرف من الظروف بالتخلي عن واجباتهم، والتخلي عن المسؤولية كان فيه إهداراً للثقة التي مُنحت لهم، فتفويض الصلاحيات ديمقراطياً عبر صناديق الإقتراع والانتخابات النزيهة هو أرقى درجات التكليف، ويكتسب هذا التفويض الديمقراطي أهمية قصوى عندما نَمُر جميعاً في ظروف إستثنائية كالتي نعيش. الاتفاق على هذه النقطة مُهم، فهو نقد ضروري لزملاء أعزاء بالمعنى الشخصي والمهني، لكنهم بالمعنى النقابي وفي العرف الديمقراطي أخفقوا، فاستقالتهم كانت بملئ إرادتهم، رُغم النصائح التي وجهت لهم بالتراجع عنها، وكان ذلك ممكناً، خلال نافذة من الوقت تَبِعت إعلان نيتهم الجماعية بالاستقالة، وسبقت ترسيم الاستقالة من خلال كتب فردية يشترطها نص قانون النقابة لتصبح استقالاتهم نافذة، إلا أنهم أصروا على المضي بها إلى النهاية.
هُم بذلك، تركوا من فوضهم بصلاحيات “سيادية” لقيادة النقابة في مَهَبْ تدخل الحكومة، التي كانت تتربص للسطو على القرار النقابي واستخدام قانون الدفاع ذريعة لعدم عقد انتخابات تكميلية من خلال استخدام المادة ٧٥ من قانون النقابة، وتحقيق مآربها بحل مجلس النقابة وتشكيل لجنة برئاسة الوزير لها صلاحيات المجلس في تسيير شؤونها. وحسب علمنا، ليس في نص القانون تحديداً لسقفٍ زمني لقيام هذه اللجنة بالصلاحيات المخولة لها، ما يعني أن عقد الانتخابات سيكون بعيداً.
ما حصل هو تعبير عن فشل، وقصور، وعدم قدرة، وغياب إدراك من زملاء أعزاء، لخطورة ما أقدمو عليه. هذا في أبسط وأوضح جوانب التفسير لهذه الخطوة، ونعتقد أن من يستقيل في مثل هذه الظروف هو بمثابة تنحي واعتزال للعمل النقابي.
هنا لا بد من التنويه لقضية جوهرية لا يكتمل بدونها المشهد النقابي، فعجز المجلس وفشله، يقابله فشل النقيب في إدارة عمل المجلس كهيئة خلال عامها الأول، وعجز كلاهما عن إيجاد حلول للملفات الأساسية التي رشحوا أنفسهم للتصدي لها، وعلى رأسها معضلة صندوق التقاعد، واستعصاء تشغيل وتعيين أكثر من ١٦٠٠ طبيب عاطل عن العمل، وتبخر الوعود بتحقيق مطالب أطباء وزارة الصحة المقيمون والاختصاصيون.
أما بعد، فالهيئة العامة وعضويتها، فما زال الدمُ يجري في عروقها، وفيها من النشطاء الذين يمكنهم تمثيل التوجهات والكتل والتيارات النقابية المختلفة، ويقع على عاتقهم، من الآن فصاعداً واجب العمل بنقطة برنامجية مركزية واحدة: “إنقاذ نقابة الأطباء وإستعادة سيادة الهيئة العامة على مقاليدها”. نحن الآن أمام أولوية مشتركة، يمكن أن تُجمع عليها مختلف أو غالبية التيارات النقابية، فقَدَرُ نصوص القانون ليست سيفاً مسلطاً، والهيئة العامة تستطيع أن تفرض “سقفاً زمنياً ضيقاً ينتهي بعقد انتخابات جديدة للمجلس والنقيب” ، لذلك يصبح المطلب الرئيسي “عقد الانتخابات في أقرب فرصة”، وأن تكون مهمة هذه اللجنة المكلفة بممارسة صلاحيات مجلس النقابة برئاسة الوزير هي “التحضير لإجراء الانتخابات في أقرب وقت”.
أعتقد أن هذه هي مهمتنا المباشرة والمحددة، وانجازها يحتاج لمشاركة واسعة من كل من هو حريص على استقلالية العمل النقابي المهني، وعدم وقوعه تحت هيمنة السلطة التنفيذية.