نظام تمويل الأحزاب…. أم نظام العصا و الجزرة
- ذياب:إن العقلية التي تحكم وزارة الشؤون السياسية و البرلمانية عقلية أقرب للعقلية الأمنية منها الى العقلية السياسية؛ لذلك رفضت كل آراء الأحزاب وأدارت ظهرها لها.
- اطميزه: كان الأجدر بالحكومة أن تسمي هذا النظام بنظام تشجيع المشاركة بالانتخابات النيابية والبلدية واللامركزية لأنه ربط أكثر من ٨٥٪ من مواده بالمشاركة الانتخابية
صدر في الواحد و الثلاثين من تشرين أول لهذا العام نظام المساهمة بتمويل الأحزاب؛ بعد سلسلة من اللقاءات الثنائية الحكومية- الحزبية، و التي كان الهدف منها استمزاج الأحزاب حول أهم البنود التي حملها مشروع النظام، ليتسنى للحكومة ا لأخذ بملاحظات ا لأحزاب قبل صدور النظام.
بداية؛ لا بد من التأكيد أن الدعم المالي للأحزاب السياسية ، هو حق و ليس منّة من أحد، حيث تتلقى معظم الأحزاب حول العالم مثل هذا الدعم من خزينة الدولة، لما لهذا الدعم من دور في تنمية الحياة السياسية و توفير بيئة صحية لمشاركة الجميع في الحياة السياسية، من خلال الإنخراط في/تأسيس الأحزاب السياسية. في لقاءات الأحزاب مع الفريق الوزاري، قدمت الأحزاب جملة من الملاحظات و المقترحات للوصول إلى نظام يرضي كافة الأطراف، و تجدر الإشارة أن أحزاب الإئتلاف القومي و اليساري قدمت مقترحات مشتركة فيما بينها، نتيجة مجموعة من الحوارات.
الرفيق فرج اطميزه، الأمين العام للحزب الشيوعي ا لأ ردني، أكد أنه ليس بالغريب أن تفتح الحكومة باباً للحوار حول قضية ما، وهذا ما قامت به في حواراتها مع الأحزاب السياسية حول نظام الدعم ا لمالي للأحزاب، حيث سمعت الحكومة العديد من الملاحظات على هذا ا لمشروع قبل إقراره وطرحت الأحزاب البدائل للعديد من بنوده، و سمعنا كلاما منطقيا من ديوان التشريع الذي أكد لنا موقفه الرافض للعديد من بنود هذا
المشروع، ولكن على طريقة أنتم تقولون ما تريدون ونحن نفعل ما نريد، وهذا ما حدث فعلاً حين ضربت الحكومة بعرض الحائط كل الملاحظات والمقترحات من قبل الأحزاب السياسية في البلاد.
الدكتور علي الخوالدة، أمين عام وزارة الشؤون السياسية و البرلمانية، ربط في كثير من لقاءاته موضوع تشجيع الشباب على ا لمشاركة السياسية، و استنهاض الحياة الحزبية، مع الدعم ا لمالي للأحزاب،في إشارة إلى أن مشكلة الحياة السياسية والحزبية في الأردن هي”مالّية“. وفي ذات الوقت، تضع الوزارة مهمة تشجيع الشباب على المشاركة السياسية، على عاتق منظمات ا لمجتمع ا لمدني المدعومة أمريكيا و أوروبيا، متجاهلة أن هذه ا لمهمة هي مهمة ا لأحزاب السياسية الأردنية، ذات البرامج الوطنية.
في سياق متصل، يرى ا لأمين العام للحزب الشيوعي الأردني، أنه كان الأجدر بالحكومة أن تسمي هذا النظام بنظام تشجيع المشاركة بالانتخابات النيابية والبلدية واللامركزية لأنه ربط اكثر من ٨٥٪ من مواده بالمشاركة الانتخابية، مع العلم بأن هذا الربط غير دستوري و تعد على حرية الحزب السياسي في اتخاذ قراره السياسي السيادي با لمشاركة أو عدمها، حيث ان هذا ا لأمر مرتبط بالأوضاع السياسية آنذاك؛ وعلى ضوئها يأخذ الحزب قرار ا لمشاركة أو المقاطعة وكلاهما موقفا سياسيا يجب أن يحترم.
يسوق المسؤول الحكومي للنظام الجديد، من خلال دعوات لضرورة وجود أحزاب فاعلة و قوية تستحق التمويل، و ليس مجرد احزاب مرخصة ليس لها أي فعل سياسي حقيقي. من هنا يمكن النظر إلى طبيعة تعاطي الحكومة مع الحياة السياسية في البلاد، فلا يخفى على أحد بأن السواد الأعظم مما يقارب الخمسين حزب سياسي، تم الإيعاز بتأسيسها من مراكز قوى داخل الدولة، لهدف ضرب الأحزاب العقائدية الوطنية و تشويه صورتها في ا لمجتمع.
الدكتور سعيد ذياب، الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية، يرى أن قراءة النظام المالي الجديد يجب أن تتم من خلال التوقف أمام السياق العام للسياسة الحكومية التي اتسمت حتى هذه اللحظة بتهميش الأحزاب والسعي لإقصائها، والتضييق عليها من خلال ممارسة الضغوط على عضويتها بالاعتقال او التهديد به والتهديد بلقمة عيشهم. من خلال قراءة بنود هذا النظام سنكتشف أولاً جعل ذلك الدعم مشروطا بطلبات الحكومة، فمثلاً إن مقاطعة ا لانتخابات – رغم انه حق كفله الدستور- يؤدى إلى وقف الدعم؛ أي أن الدعم المالي محاولة لتكييف الأحزاب وفق الرؤية الرسمية.
تشرعن وزارة الشؤون السياسية و البرلمانية لنظام التمويل الجديد، من خلال التمثيل بجملة من أنظمة و قوانين التمويل في بلاد أوروبية و عربية، لتخلص إلى الشكل المشوه للنظام الجديد.
الوزارة تتناسى مسألة الحريات العامة، و المعتقلين السياسيين في السجون الأردنية، ومحكمة أمن الدولة، وغيرها الكثير من الخروقات و التجاوزات، كل هذا لم يخطر ببال الوزارة مقارنته مع الأوضاع في البلاد الأوروبية و الغربية.
يؤكد الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية، أن وزارة الشؤون السياسية و البرلمانية اختارت الدرب الخاطئ من خلال إسراعها بإقرار النظام المالي، فكان الأولى بها أن تعطي الاولية لتعديل قانون الإنتخاب، فهو المدخل لحياة حزبية نشطة و فاعلة؛ قانون انتخاب يعتمد التمثيل النسبي و الدائرة ا لمغلقة، و مغادرة كل أشكال الصوت الواحد للأبد و بشكل نهائي. أكدت الأحزاب مراراً أنها لا تريد دعماً وفق نظام بل وفق قانون انتخاب، و بالتالي تحرير الأحزاب من تحكم الحكومات و محاولتها الهيمنة من خلال الدعم، لكن وزارة الشؤون السياسية و البرلمانية تنكرت للحوار الذي تم، و لملاحظات الأحزاب، و أصرت على مشروعها، و الذي يعني تجريد الأحزاب من عناصر الفعل و الحركة. إن العقلية التي تحكم وزارة الشؤون السياسية و البرلمانية عقلية أقرب للعقلية الأمنية منها الى العقلية السياسية؛ لذلك رفضت كل آراء الأحزاب وأدارت ظهرها لها.
نظام التمويل الجديد لا يذهب لإستدراج بعض الأحزاب ”المشاكسة“ للمشاركة الجبرية بالإنتخابات فقط، بل يربط – في سابقة خطيرة- تلقي الدعم المالي للمؤتمر الوطني العام بدعوة مندوب لجنة شؤون ا لأحزاب لحضور أعمال ا لمؤتمر، لتُحكم الوزارة بهذا البند فكيّ الكماشة على ا لأحزاب، و تسلب سيادتها و استقلاليتها في نقاش أوضاعها الداخلية و إقرار رؤاها و توجهاتها العامة.
يؤكد الأستاذ فرج اطميزة و الدكتورة سعيد ذياب، على أن الأحزاب باتت أمام مرحلة جديدة،عليها التوجه بموجبها بشكل جدي للاعتماد على الذات إذا كان يراد لهذا الدعم ان يستعمل وسيلة للامساك بقرار الأحزاب، حيث لا شك أن إقرار هذا النظام يعتبر ضربة موجعة للحياة الحزبية في البلاد فهو يهدف إلى تقويض الحياة الحزبية ودفع الأحزاب إلى تقليص نشاطاتها الوطنية و المطلبية والسياسية التي ترتكز على محاور عدة لا شك ان الانتخابات أحدها، وليس جلها. و انطلاقا من الإجماع الحزبي لرفض هذا النظام، فإنه من المتوقع وا لمرجح أن تقوم الأحزاب بمواجهة قانونية وسياسية لهذا النظام وإلزام الحكومة على سحبه، فالأحزاب ونحن في الائتلاف القومي واليساري والأحزاب الأخرى أدركت مخاطر هذا النظام وأنه موجه لضرب الحياة الحزبية لا أكثر.
ختاماً؛ يرى مراقبون أن نظام تمويل الأحزاب بشكله الجديد، يأتي جزء من الإملاءات و الإشتراطات التي يفرضها صندوق النقد و البنك الدوليين على ا لأردن، تحت بند (تقليص النفقات الحكومية) هذا من جهة، و من جهة أخرى لتعطيل دور القوى الوطنية بمواجهة مجموعة من الصفقات الغربية ا لمشبوهة الساعية لتفتيت ا لمنطقة و فرض وقائع جديدة.