ندوة بعنوان “ما زلنا نقاوم” بمناسبة الذكرى الـ 53 لاستشهاد القائد المعلم غسان كنفاني

تحت شعار “ما زلنا نقـ.ـاوم” نظمت دائرة الثقافة والإعلام الحزبي في حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي ورشة حوارية، ضمن فعاليات إحياء الذكرى الـ 53 لاستشـ.ـهاد القائد الكاتب والأديب المفكر العضوي غسان كنفاني الذي لا يزال قلمه حاضراً حتى اليوم يُرعب الأعـ.ـداء ويُلهم أجيالاً من المناضلين والمقاومـ.ـين..
واستهل الحضور الجلسة بالوقوف دقيقة صمت وفاءً وإجلالاً واعتزازاً بشهداء الأردن وفلسطين والأمة العربية، وثم انطلقت أعمال الورشة الحوارية التي حملت عنوان “غسان والواقع الحالي… كيف نواجه الخطاب المضاد” وشارك فيها نائب الأمين العام في حزب الوحدة الشعبية الرفيق د. عصام الخواجا، والكاتب د. محمد عبد القادر، وأدار الحوار مسؤول دائرة الثقافة والإعلام الحزبي، الرفيق د. موسى العزب والذي بدأ حديثه قائلاً “اليوم نحن نقف في حضرة الشهيد، الكاتب، الأديب، والقائد السياسي غسان كنفاني؛ الذي لم تقتصر موهبته على الأدب والسياسة، بل امتدت إلى الفن التشكيلي وكتابة المسرحيات”.
وأشار إلى أهمية استحضار ذكرى كنفاني في هذا التوقيت تحديداً حيث يتعرض الشعب الفلسطيني في غزة للدمار والإبادة الجماعية والتهجير القسري، ويعيش أبناء الضفة الغربية مختلف أشكال القمع والتنكيل من قبل العدو الصهيوني، وأضاف “نحن نعيش بكل جوارحنا وإحساسنا مع شعبنا في فلسطين، في غزة التي تواجه اليوم التدمير والتجويع والإبادة، وفي الضفة التي تعاني من القمع والاضطهاد”.
وحول رمزية المناسبة، أوضح العزب أن الهدف من الجلسة لم يكن مجرد إحياء ذكرى استشهاد كنفاني، بل ربط إرثه النضالي بسياق المقاومة الراهنة “رغبنا أن نربط بين الذكرى الثالثة والخمسين لاستشهاد غسان كنفاني، وبين ما يجري اليوم في فلسطين، لأن غسان هو عنوان للمقاومة، للصمود، لحركة الشعب نحو التحرر والانعتاق”.
وتابع مشدداً على عمق حضور كنفاني في الذاكرة الجماعية رغم مرور أكثر من نصف قرن على استشهاده “بعد 53 عاماً، لا يزال غسان حاضراً فينا، وهذه الأصالة والتجذّر تعكس مدى التصاقه بالشعب، بالمخيم، بالقضية؛ وقدرته على تحويل الكلمة إلى سلاح بيد المقاوم، وقنديل ونور ووعي بيد المثقف، ليصبح المثقف ثوري مشتبك مع قضايا شعبه، وقد أثبت غسان من خلال نشاطه الفكري والأدبي والسياسي بأن الطريق إلى العروبة يبدأ من الوطن، وأن الطريق إلى الأممية يمر أيضاً من بوابة الانتماء الوطني، وهذا لا يختلف عليه اثنان، لا في الساحة الفلسطينية ولا في الساحة العربية”.







وتحت عنوان “غسان كنفاني ووصاياه في زمن غزة وفي كل زمن”، افتتح د. محمد عبد القادر مداخلته وقال في مستهل حديثه “لو قلت إن غسان كنفاني يعني المقاومة، والمقاومة تعني غسان كنفاني، أعتقد أنني أكون قد أنهيت المحاضرة وأديت الرسالة”.
وفي ظل حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة، تساءل عبد القادر: هل يمكن أن نتعلم من تجربة غسان كنفاني؟ وطرح رؤية جدلية تقوم على التقاء ثلاثة خطوط: حياة غسان، أدبه، وتاريخ الشعب الفلسطيني، واعتبر أن غسان جسد هذه الخطوط الثلاثة، مما يجعله ممثلاً صادقاً لتجربة الشعب الفلسطيني على المستويات الثقافية، الأدبية، والسياسية.
وأكد عبد القادر أن غسان استطاع أن يختصر الهوية الوطنية في شخصه وأدبه، مشيراً إلى أن هذا لا ينطبق عليه وحده، بل أيضاً على رموز مثل الشهيد الأسير وليد دقة، والأمين العام للجبهة الشعبية القائد أحمد سعدات ومروان وعبد الله البرغوثي ممن جسّدوا سيرة شعبهم في حياتهم ونضالهم.
كما شدد على أن كنفاني اعتبر الإبداع شكلا من أشكال المقاومة، قائلاً “كثيرون يكتبون عن فلسطين، لكن إذا لم يكن العمل الأدبي يحمل قيمة حقيقية، فلن يمر للقارئ الفلسطيني أو العربي”، ودعا إلى إعادة قراءة القصص القصيرة لكنفاني، مؤكداً أنها تكشف عمق موهبته وقدرته على التعبير عن قضايا شعبه.
وتوقف عبد القادر عند قضية الغزو الثقافي والإعلامي، معتبراً أن غسان كان من أوائل من نبّه إلى خطورته، حيث رأى أن الاحتلال لا يُواجه فقط بالبندقية، بل أيضاً بالوعي، وأن “ثقافة المقاومة لا بد أن تصل إلى كل الأجيال”، وبين كيف ركز كنفاني في أعماله على نقد التبعية الثقافية، ومقاومة الصورة الغربية المفروضة كطريق وحيد للتقدم، “إن الغرب ومعه الكيان الصهيوني يحاولان فرض نفسيهما كمعبر إجباري أمام أي تطور ثقافي أو سياسي عربي”
وفي هذا السياق، تناول عبد القادر ما اعتبره كنفاني شكلاً من أشكال المقاومة الأخلاقية والثقافية، كما ورد في قصة “الأعمى والأطرش” التي تنتقد الخضوع للخرافة، أو في قصص أخرى تفضح الفساد والارتزاق وأضاف أن كنفاني تطرّق بوضوح إلى دور الإعلام الفاسد في تضليل الناس، مستشهداً بمقالاته حول قضايا جرى فيها تلاعب بالوعي الجماهيري، مثل حادثة الاغتصاب في جنوب لبنان، أو اللقاء التلفزيوني بين طلاب فلسطينيين وصهاينة، حيث تساءل غسان: “هل تم إعداد هؤلاء الشباب لمواجهة مواقف من هذا النوع؟ وهل نملك مناعة فكرية تجاه أدوات الاختراق الثقافي؟”.
واختتم د. عبد القادر مداخلته بسلسلة من الأسئلة التأملية التي تلخص حضور غسان المتجدد: “هل ساعدنا غسان على فهم أنفسنا وواجباتنا وثقافتنا وتاريخنا وأصدقائنا وأعدائنا؟ هل أمدّنا بالقوة بالشجاعة للتضحية إلى درجة الشهادة، وكان نموذجاً؟ هل زودنا بالوعي الإنساني النبيل، بالثقافة التقدمية؟ هل أحببنا أوطاننا من خلاله أكثر؟ هل فتح عيوننا على العالم من حولنا؟ هل عمق إدراكنا لجماليات الأدب المقاوم والفن المقاوم؟ هل كان صاحب رؤية تستشرف المستقبل؟ هل كان ضمير الشعب وصوته وبصيرته؟ إذا كان الجواب نعم، فلا شك أن غسان يساوي المقاومة بالرمز والاستعارة”.
إلى ذلك جاءت مداخلة نائب الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية الرفيق د. عصام الخواجا، تحت عنوان “كيف نواجه الإعلام المضاد”..
وقال الخواجا “إنه في حضرة غسان كنفاني، تبدو كل الكلمات عاجزة عن الإحاطة بعمق هذا الإرث الثقافي والسياسي، فرغم استشهاده في عمر مبكر لم يتجاوز السادسة والثلاثين، تحول غسان إلى محفز دائم على العمل والعطاء والأمل، وأضاف أن كنفاني أثبت أن لا شيء مستحيل، وأن كل لحظة يمكن تحويلها إلى فرصة للمقاومة، حيث لم يقدّم فقط أدباً ملتزماً، بل جسد مفهوم المقاومة الشاملة التي لا تقتصر على البندقية، بل تمتد لتشمل الثقافة، والفكر، والفن، والسياسة، والإعلام”.
ورأى الخواجا أن من أبرز إسهامات كنفاني الفكرية، دراسته الهامة في تحليل الأدب الصهيوني والتي تبين بوضوح كيف استُخدمت الثقافة والإعلام في بناء المشروع الصهيوني منذ بداياته، مشيراً إلى ما كتبه غسان حين قال إن “الإعلام الصهيوني كان ولا يزال بنداً رئيسياً في التخطيط العام للحركة الصهيونية”.
وأضاف الخواجا أن هذا الإعلام لم يكن مكملاً للعمل السياسي والاستيطاني، بل ركيزة مركزية فيه، مستدلاً على ذلك بإدراجه كبند أساسي في المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897، حين تقرر “نشر الروح القومية بين اليهود”، بما يعني تحويل الإعلام إلى أداة لخلق هوية جماعية وهمية وتجنيد الرأي العام العالمي.
وأشار إلى أن غسان كان من أوائل من كشفوا أن المشروع الصهيوني لم يحتاج إلى وزارة إعلام رسمية، لأن وظيفة الترويج موزعة على كل مؤسسات الدولة الصهيونية، وقال الخواجا إن “كل وزارة، وكل هيئة، من الخارجية إلى النقابات، ومن الجامعات إلى الجاليات، مارست دوراً إعلامياً لخدمة المشروع”، حتى بات المغتصب الصهيوني نفسه أداة لنقل الرسالة الصهيونية إلى الخارج.
وأضاف ” كان هناك استخدام منهجي وليس عشوائي لموضوع المؤتمرات، الندوات، الورشات الدراسية والبحثية، الرحلات، إرسال المحاضرين إلى مختلف الأماكن والدول والجامعات من أجل الترويج بالأهداف السياسية الصهيونية خارجياً، ومن المهم جداً إدراك أن الرسالة الإعلامية التي كانت توجه للجماهير للعرب لم يكن الهدف منها كسب الرأي العام العربي لصالح مشروع الكيان الصهيوني، وإنما كان يسعى إلى زرع اليأس في نفوس العرب وكي الوعي المتعلق بإمكانية هزيمة كيان العدو الصهيوني وإزالته من الوجود وتعطيل قدرة الأمة العربية على الصمود والمقاومة والاستمرار في معركة تحرير فلسطين”.
وربط الخواجا هذه الاستراتيجية بالحاجة الفلسطينية لإعلام مقاوم لا يكتفي برد الفعل، بل يبادر إلى تفكيك الخطاب الصهيوني وكشف زيفه، وقال “نحن نملك الحقيقة، ولدينا التاريخ، لكن المطلوب هو إعادة تقديم الرواية الفلسطينية بلغة العصر ووسائله”، وأكد أن من أولويات المواجهة الإعلامية فضح النشأة الاستعمارية للمشروع الصهيوني، وإبراز مسؤولية الاستعمار البريطاني عن تمكين هذا المشروع، إلى جانب توثيق مجازر النكبة ومشاهد التطهير العرقي وتحويلها إلى محتوى إعلامي دائم التداول.
وأشار الخواجا إلى أهمية استثمار قرارات الأمم المتحدة، رغم محدوديتها، مثل استمرار عمل الأونروا الذي يشكّل اعترافاً أممياً بحق اللاجئين الفلسطينيين، وأضاف أن على الإعلام المقاوم أيضاً أن يفضح الأكاذيب التوراتية التي روجت لفكرة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، وأن يُظهر التناقض بين دعاية “الديمقراطية الصهيونية” والواقع الدموي القائم على القتل والإبادة.
وتابع قائلاً إن كنفاني قد نبه إلى خطورة المصطلحات التي يستخدمها الإعلام الصهيوني، مثل استبدال “احتلال” بـ”نزاع”، و”مقاومة” بـ”إرهاب”، و”عدوان” بـ”دفاع عن النفس”، مؤكداً أن هذه المصطلحات ليست بريئة، بل أدوات لتزييف الوعي، وأضاف أن مسؤولية الإعلام الفلسطيني والعربي تكمن في تفكيك هذه المفاهيم، واستبدالها بلغة تعيد تعريف الصراع في سياقه الحقيقي، كصراع تحرري ضد استعمار استيطاني وكيان غاصب إرهابي.
وأنهى الدكتور الخواجا مداخلته بقوله إن “غسان كنفاني لم يكن مجرد كاتب، بل مفكر استراتيجي سابق لزمنه، ومدرسة قائمة بذاتها في مقاومة المشروع الصهيوني بأدوات الثقافة والفكر والإعلام، لا بالسلاح وحده، وإن مداخلته النقدية حول الإعلام الصهيوني وتفكيكه تظل حتى اليوم مرجعاً أساسياً لا غنى عنها في فهم طبيعة هذه المعركة الإعلامية الممتدة، ومعنى أن تكون مثقفاً مقاوماً”.
وبدوره اختتم الرفيق د. موسى العزب، مسؤول دائرة الثقافة والإعلام الحزبي، أعمال الورشة بتأكيده على الحضور الطاغي لغسان كنفاني في وجدان الشعب العربي عامة، والفلسطيني واللبناني بشكل خاص، قائلاً “غسان لم يكن فقط شخصية اعتبارية بين النخب السياسية والتنظيمية، بل كان حالة جامعة بين الشعبين اللبناني والفلسطيني، تمتد إلى الأفق العربي، ولقد شكّل، بأدبه ومواقفه، رمزاً يتجاوز اللحظة الوطنية إلى الحلم الجمعي للأمة”.
واستحضر العزب واقعة حدثت بعد أيام قليلة من استشهاد كنفاني، لتدلل على مكانته العميقة في الوجدان الفلسطيني، حيث قال: “بعد استشهاد غسان بثلاثة أيام، حضر كمال ناصر، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية آنذاك، إلى مقر مجلة (فلسطين الثورة)، وقد بدا عليه الغضب الشديد حين رأى صورة الشهيد أبو علي إياد تحتل واجهة الغلاف، بينما صورة غسان كنفاني وُضعت بحجم أصغر، وخاطب العاملين قائلًا (هل تعرفون من خسرتم؟ هل لديكم الوعي الكافي لتقدير أهمية هذا الرجل في الثقافة والإعلام الفلسطيني؟ هذا الرجل كان يُفترض أن يتولى رئاسة تحرير المجلة، لكنه آثر أن ينجح بتجربة الهدف، والتي ما زالت حاضرة إلى اليوم)”.
وأشار العزب إلى أهمية الانتباه للمصطلحات الإعلامية المستخدمة في الخطاب الصهيوني، مؤكدًا ضرورة تفكيكها وعدم تكرارها دون وعي، وقال: “الإعلام الصهيوني يستخدم تعبير (حدث أمني) لوصف عمليات المقاومة، بما يوحي بأنها مجرد اعتداء على سيادتهم الوهمية، ونحن مطالبون باستخدام المصطلحات الصحيحة: (عملية فدائية)، (مقاومة)… فالمعركة مع العدو هي أيضاً معركة مصطلحات ووعي”.
وختم د. العزب كلمته بالإشارة إلى مقالة كتبها القائد الشهيد أبو علي مصطفى في الذكرى الثالثة والعشرين لاستشهاد غسان كنفاني، والتي ستُنشر قريباً في جريدة نداء الوطن، داعياً المهتمين إلى قراءتها لما تحمله من أهمية فكرية وتوثيقية، ثم فُتح باب النقاش والمداخلات أمام الحضور.