ندوة أزمة اليسار العربي .. واقع وآفاق
أقامت دائرة الثقافة والتثقيف الحزبي / في حزب الوحدة الشعبية ، ندوة حوارية تحت عنوان :
أزمة اليسار العربي .. واقع وآفاق
تحدث فيها الرفيق الدكتور سعيد ذياب أمين عام حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الاردني.
والرفيق نضال مضية، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الاردني.
وأدارها د. عارف حمو عضو الدائرة.
كلمة الدكتور في ندوة أزمة اليسار العربي.. واقع وافاق
الحديث عن أزمة اليسار والاقرار بها وما يواجهه اليسار من انكسار وتراجع لا يعني بحال من الاحوال التماهي مع ما ساد في تسعينات القرن من مقولة (نهاية التاريخ) وتصوير ذلك بانتصار الراسمالية ونظامها.
فالتاريخ البشري كان ولا يزال سلسلة من الصراعات والثورات بين المضطهَدين والمضطهِدين.
وشكلت ثورة العبيد (سبارتاكوس) (73 _ 71 ق.م) ضد الامبراطورية وثورة الزنج والثورة العباسية دليل على السياق العام للتاريخ البشري أي أنه ليس سياقا ساكناً.
ضمن هذه الرؤية نتناول موضوع أزمة اليسار الاردني ونطرح الاسئلة التالية:
متى بدأت أزمة اليسار؟؟
كيف تجلت أزمة اليسار؟
لماذا اسباب اليسار؟؟
سبل النهوض لليسار؟؟
بداية الأزمة:
كان لانهيار المعسكر الاشتراكي الفعل الأكبر لازمة اليسار، بل كان بمثابة الإشهار لتلك الأزمة.
ترافق ذلك مع صعود الاسلام السياسي والذي يمكن اعتباره سبباً ونتيجة لأزمة اليسار، هناك مسألتين كيف انعكس الإنهيار على اليسار؟
وكيف تعامل اليسار مع النظرية بحيث قاده التعامل إلى الأزمة؟
لم يستطع الذين حملوا راية ثورة اكتوبر لتحقيق أول دولة اشتراكية في التاريخ، من تحقيق الاهداف التي من أجلها قامت الثورة ولم يستطيعوا تحقيق القيم الانسانية التي عبرت عنها افكار ماركس، حيث ضعف الحضور لقيم الحريات وحقوق الانسان والديمقراطية مع الرؤية الاشتراكية.
واستندت الفلسفة: الكل أهم من الجزء اولوية المجتمع على الفرد اخفاق تلك التجربة بالموائمة بين ال(نحن) وال(أنا).
منذ بداية التجربة تم تجاوز المبدأ الماركسي القائم على اساس ربط الاجر بالانتاجية سواء في الزراعة أوالصناعة.
هذه النظرة انعكست على احزاب اليسار حيث قاد إلى تحجيم مبالغ فيه بدور الفرد لصالح الحزب الأمر الذي قاد إلى اضعاف روح المبادرة مما ساهم في جمود حالة المبادرة للاحزاب كذلك كشف تغير عجز ملايين من اعضاء الحزب الشيوعي السبعين من الدفاع عن التجربة.
سمات الأزمة:
بات اليسار يعيش حالة من الجمود في الخطاب السياسي وتفشى في داخله مظاهر اليمينية وراحت تتحكم في الظلم والفعلة السياسية.
لم يعد قادراً على تشكيل حالة جماهيرية وبات دوره محدوداً إن لم نقل هامشياً.
غادر اليسار مرحلة التأثير بعد أن غادر دائرة الفعل والممارسة النضالية، أصبح غير قادر على التكيف مع التغيرات الداخلية الدولية.
أسباب الأزمة:
أعتقد أن ظهور أحزاب اليسار لم يكن نتاج للصراعات الاجتماعية والنضالات الداخلية، بل أن الفكر الاشتراكي كان وافداً ومن خارج منطقتنا وأن الثورة البلشفية لعبت دوراً اساسياً في تأسيس الاحزاب.
كان لدور الاقليات الاثنية والدينية في تلقي الفكر التقدمي كبيراً على طبيعة النشأة، الأمر الذي قاد إلى نوع من التصادم مع الحركات القومية وفك الارتباط مع اليسار والمسألة القومية.
البنية الطبقية:
اليسار يمثل العمل والفلاحين والمهمشين في المجتمع، لكن المفارقة أن وجودهه في الريف محدوداً وفي اوساط العمال ووجود العمال فيه كان ولا يزال محدوداً جداً، وتغلب هذه الاحزاب بحضوره في ابناء المدن الطلاب وبعض شرائح المثقفين.
هذه البنية الطبقية أثرت مع الخطاب السياسي ودرجة جذرية بحيث تسلل الخطاب الليبرالي بديلاً عن التركيز على الخطاب الطبقي.
علينا كذلك الاعتراف بحالة التأرجح الايديولوجي التي عاشها اليسار، الأمر الذي قاد إلى أزمات فكرية وتعدد الانشقاقات واتساع حالات الترك.
عدم التركيز والاهتمام ببناء هوية مستقلة معتمدة لليسار.
في ظل صعود الاسلام السياسي لم يقم اليسار بالتصدي الايديولوجي لتيار الاخوان وتبيان عجزه عن تحقيق العدالة والمساواة للناس.
وعلى المستوى الداخلي لليسار لم يستطع بناء منظومة قيمية أرقى مما هو سائد في المجتمع وبالتالي أفقده القدرة على لعب دور في احداث التغيير وتقديم النموذج.
اليسار امتاز بالتبعية للمركز وهذا قاد إلى نوع من الكسل واتكال الاحزاب التي اعفت نفسها من طرح قضايا بشكل صائب، لذلك جاء انهيار الاتحاد السوفيتي بمثابة القضاء على منبع الفكرة و إلى المزيد من الأزمة.
سبل النهوض:
أعتقد أن الأمر لا يجوز أن يبقى عند حدود تأكيد الأزمة وتشخيصها بل من الضروري كذلك السعي لاحداث حالة نهوض جزئي يمكن اليسار من مغادرة هذا الحال.
توفير الفرصة كي تتسلم القيادات اليسارية الحقيقية والنظيفة للقيام بثورة تنظيمية داخل الاحزاب والوقوف على مكامن الضعف لتجاوزها.
اشاعة الاجواء الديمقراطية داخل احزاب اليسار لاحداث تغيير في الطبيعة الطبقية للاحزاب ووحدة اليسار وابراز اليسار وهوية اليسار.
ربط النضال التحرري من الهيمنة والتبعية بالنضال الديمقراطي في مواجهة سيطرت قوى الليبرالية الجديدة والتركيز على حاجات الناس الاساسية: التقدمية السياسية، العدالة الاجتماعية، حق التعلم والصحة.
بناء سياسة تراعي مصالح الكادحين في عموم الوطن العربي وخلق علاقة بينهما.
التركيز على الديمقراطية العلمانية الحرية الاجتماعية.
استهل الرفيق نضال مضية مداخلته ، بالإقرار بأن هناك في الواقع أزمة تطال اليسار بشكل عام مثلما تطال النظام الرأسمالي في المركز والأطراف .
ونقصد باليسار هنا، اليسار الذي يتخذ من النهج المادي الجدلي مرجعية نظرية له، وأضاف بأن الأزمة متعددة الأبعاد، وتشمل السياسية والتنظيمية والفكرية والممارسة العملية. وقد تعمقت هذه الازمة بعد هزيمة حزيران على وجه الدقة وبروز التيار الاسلامي السياسي، سيما وأن الاحزاب الدينية تستند إلى نفس القاعدة الاجتماعية.
وقد تعمقت الازمة النظرية الفكرية بعد انهيار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفييتي وانتهاء منظومة الدول الاشتراكية التي كانت تشكل سندا ومرجعية لقوى اليسار وحركات التحرر بعد أن كانت هذه المنظومة تتبنى مقولة نموذج التطور (اللارأسمالي أو التوجه الاشتراكي) على الدولة الوطنية (الشعبوية) بتعبير سمير أمين.
وقد اعتنق هذه التجربة، عدد من الدول العربية الوطنية، حيث تم إجراء إصلاح زراعي وأعادة توزيع لملكيته، وإقامة تصنيع تقوده الدولة عبر شركات عامة تهيمن على القطاعات الأساسية وانفاق كبير للدولة على التعليم والصحة.
تجارب انطلقت من تجنب الانطلاق من شروط السوق الرأسمالي “الحر” بل من فكرة حماية المواطن من هذا “السوق” مع تطبيق سياسات حمائية مثل تثبيت أسعار الغذاء والمحاصيل والمواد الاستهلاكية الاساسية، مع منع السوق الداخلي من الهيمنة على قطاعات حيوية في المجتمع، واخضاعها لآلياته: مثل الماء والكهرباء والتعليم، مع هيمنة بروز الحزب الواحد.
ومع تثبيتنا للحاجة الموضوعية لوجود اليسار وتصديه لدوره ومهامه، إلا أن اليسار اليوم يعاني من الانقسامات والتشتت وغياب القيادة الفاعلة، والخطاب المناسب
، وانعكاس ذلك على صلاته بالجماهير الشعبية، وإلتباس مشروعه ودوره بأن يكون محرك ووقود للحراكات الشعبية التي بقيت مغيبة تحت سيطرة التيارات السياسية الاسلامية والليبرالية، مع تحول اليسار ليكون ديكورا للسلطة القائمة وأسيرا للشارع.
ورغم سلبية الحالة الآنية لليسار، إلا أنه يبقى يشكل ضرورة على الصعيدين النظري والعملي، خاصة وأن النظام الراسمالي العالمي قد وصل إلى نهاية مساره التاريخي وبات عاجزا عن تقديم أي حلول ايجابية للأزمات المستفحلة.
هنا تبز اهمية اجراء مراجعات جذرية واضحة تقوم على مرجعيات فكرية واضحة وفهم علمي للواقع المعاش، مع قراءة إيجابية التاريخ والتراث، وتقديم خطاب جريء وواضح.