نداء الوطن تفتح ملف قانون الضمان الاجتماعي وتعديلاته، ضعف الحركة العمالية سمح بالتغول الحكومي على “ذخائر” العمال واستنزافها ومخاوف حقيقية على مستقبل صناديق الضمان
- جرار: الحكومة من خلال قانون الضمان اقتطعت من راتب العامل وقوت أولاده لتغطي العجز لديها الناتج عن فشل استثماراتها
- عوض: رغم شموله بالقانون، إلا أن حجم تغول لوبيات شركات التأمين الصحي حال دون تطبيق التأمين الصحي
- الصبيحي: كافة التعديلات التي تضمّنها قانون الضمان الجديد تصبّ في مصلحة المشتركين والمتقاعدين
رغم مرور ما يقارب العامين على إقرار قانون الضمان الاجتماعي، إلا أن التعديلات التي تم إقرارها في هذا القانون لا تزال مثار جدل ونقاش حول جدواها، خاصة أنها تضمنت زيادة الاقتطاع من العمال وأصحاب العمل بنسبة تصل إلى 3% على مدى أربع سنوات.
ويعتبر ملف الضمان الاجتماعي، الملف الاجتماعي الأهم؛ فهو يمس كل عامل وعاملة. وإذا ما علمنا بأن مظلة الضمان تضم ما يزيد على المليون ومائة ألف مشترك، فلنا أن نتوقع حجم أهمية هذا الملف. وفي كل مرة تجري تعديلات أو يتم طرح مشروع قانون جديد أو معدل لقانون الضمان الاجتماعي، فإنه يصبح مثار جدل الرأي العام الأردني وشغله الشاغل.
نداء الوطن فتحت ملف قانون الضمان الاجتماعي، في خطوة نأمل أن تسهم في تسليط الضوء على هذا القانون وما طرأ عليه من تعديلات، إضافة إلى المنافع والمضار التي جناها العامل والعاملة جراء هذه التعديلات.
غياب صوت العامل:
على الرغم من قيام الحكومة بتقديم ثلاثة تعديلات على قانون الضمان الاجتماعي، في أقل من خمس سنوات (منها قانونان مؤقتان في ظل غياب مجلس النواب آنذاك)، إلا أنها استطاعت تمرير هذه القوانين دون معارضة جدية أو رؤية عمالية متكاملة. ويعود ذلك كون الحركة العمالية “الرسمية” ممثلة بالاتحاد العام للنقابات العمالية تهيمن عليه الحكومة، وهو أقرب للتوجهات الحكومية منه إلى تطلعات العمال.
ويتمثل العمال في مجلس إدارة الضمان الاجتماعي (أعلى هرم المؤسسة والجهة التي تقوم بوضع السياسات العامة للمؤسسة) بأربعة أعضاء يسميهم الاتحاد العام للنقابات العمالية. وقد تم في قانون الــ 2014، إجراء تعديلات على تركيبة المجلس، وذلك بإضافة عضو خامس يمثل العمال، وتتم تسميته من النقابات المهنية (انظر جدول رقم 1)، من أصل 15 عضواً، أي أن ممثلي العمال أصبحوا يشكلون ثُلث عضوية المجلس.
ويؤكد الناشط النقابي العمالي الأستاذ جمال جرار، وأحد المشاركين في الحوارات النيابية لقانون الضمان لعام 2014، أنه حاول مع زملائه النقابيين العماليين إخراج مؤسسة الضمان من هيمنة القرار الحكومي عليها في مشروع القانون، حيث طالبوا بضرورة أن يكون رئيس مجلس إدارة الضمان مستقلاً عن الحكومة، ويتم تسميته من قبل الملك مباشرة، بحيث لا يكون للحكومة سلطة عليه، إلا أنهم فشلوا في ذلك، مع تأكيده على أن التعديلات التي تمت على مجلس الإدارة أسهمت – إلى حد ما- في توسيع رقعة المشاركة العمالية في اتخاذ القرار.
ولفت جرار إلى أن الحكومات في كل دول العالم تساهم في إيرادات مؤسسة الضمان الاجتماعي، لأن الحماية الاجتماعية هي مسؤولية الدول بالأساس، ومؤسسة الضمان الاجتماعي هي الذراع للدولة في حماية مواطنيها، لذلك يفترض أن تساهم الحكومات في إيرادات وموازنات مؤسسة الضمان.
ويضيف جرار في حديثه لنا: نحن نختلف عن دول العالم المتقدمة، فالحكومة الأردنية لا تساهم بفلس واحد لمؤسسة الضمان الاجتماعي، في مقابل سيطرة حكومية تامة على مفاصل القرار داخل المؤسسة.
ويتفق الأستاذ أحمد عوض مدير المرصد العمالي مع ما ذهب إليه جرار، مشيراً إلى وجود منظورين للضمان الاجتماعي: منظور ليبرالي ويروج له صندوق النقد الدولي، وهو يعتبر أن هنالك مدخلات ومخرجات ويجب أن تقوم الإيرادات بتغطية النفقات، وإذا تقلصت يجب رفع الاشتراكات.
والمنظور الاشتراكي: وهو الذي يرى وجوب أن يكون للدولة دور إضافة لدور إدارة الضمان، وهو أن يتم وضع مخصصات في موازنتها السنوية لدعم الضمان وهو سائد في دول أوروبا حالياً نتيجة نضالات الحركة العمالية هناك. ويكمل عوض بأن المنظور الليبرالي هو الذي تتبعه الحكومة الأردنية، راضخة لشروط وتوجهات صندوق النقد الدولي.
لماذا قانون الــ 2014 ؟!
أظهرت دراسة اكتوارية سابقة أجرتها مؤسسة الضمان في عام 2007، تراجع المركز المالي للمؤسسة وإلى استنزاف أموال الضمان، بسبب الإقبال المتزايد على راتب التقاعد المبكر وفق تصريحات رسمية. حيث قامت المؤسسة على إثر هذه الدراسة، بإعادة النظر بالتقاعد المبكر وفق تعديلات القانون المؤقت لعام 2009 (انظر الجدول).
فيما خرجت الدراسة الإكتوارية التي أعدتها مؤسسة الضمان الاجتماعي عام 2012، إلى أن المؤسسة ستصل إلى نقطة التعادل أي تَساوي مقدار الرواتب الشهرية مع اقتطاعات الضمان الاجتماعي من العاملين، في الأعوام 2022 أو 2023. وعلى إثر ذلك، قامت الحكومة بتقديم مشروع قانون الضمان الاجتماعي للعام 2014، والذي أقره مجلس الأمة لاحقاً.
إلا أن الأستاذ موسى الصبيحي الناطق باسم المؤسسة، أشار في حديثه لنداء الوطن، إلى أن كافة التعديلات التي تضمّنها قانون الضمان الجديد، تصبّ في مصلحة المشتركين والمتقاعدين بشكل كبير. إلا أنه عاد للتأكيد على أن أحد أهداف هذا القانون هو تحقيق ديمومة الضمان.
استثمارات “غير مثمرة”:
غير أن النقابي جمال جرار يؤكد على أن هذا القانون جاء في جزء منه لتعويض خسائر صندوق الاستثمار التابع للمؤسسة. ويصف جرار مؤسسة الضمان في الأردن بأنها فتية حيث استمرت بتحصيل إيرادات منذ نشأتها ولغاية التسعينيات، دون صرف رواتب تقاعد. وأن هذه الإيرادات لو تم استثمارها بشكل جيد لجلبت المليارات للمؤسسة.
ويلفت جرار إلى أن أحد تقارير الوحدة الاستثمارية أشار إلى أن هذه الوحدة لم تستطع تحقيق سوى 120 مليون دينار كأرباح عن فترة أربع سنوات، وهي الفترة الممتدة ما بين عام 2009 إلى عام 2012. علماً بأن موجودات الوحدة آنذاك تجاوزت الـ 6 مليارات دينار أردني. أي أن نسبة النمو لم تتجاوز الـ 0.5% سنوياً، ما يدلل على ضعف الاستثمار ووجود خسائر كبيرة في بعض مشاريع الوحدة. وهو مؤشر على أنه لا يوجد استثمار صحيح، وإلى وجود نسبة خسائر هائلة في مشاريع فاشلة.
ويدير صندوق الاستثمار مجلس الاستثمار، حيث ينص قانون الضمان على أن هذا المجلس يتكون من وزير العمل ورئيس صندوق الاستثمار ( يتم تعيينه من قبل مجلس الوزراء)، والمدير العام للضمان الاجتماعي، و 2 يختارهما المجلس من بين أعضائه واحد عن العمال والثاني عن أصحاب العمل + 5 من خارج من المؤسسة يتم تعيينهم من قبل مجلس الوزراء ومن أصحاب الخبرة. أي أن الحكومة تسيطر على قرار الصندوق بشكل كامل، ما يتيح لها استخدام هذه الأموال دون مساءلة أو محاسبة. فعلى سبيل المثال، تقوم الحكومة بالاقتراض من صندوق الاستثمار حيث وصل مجموع القروض التي منحها الصندوق للحكومة في إحدى السنوات (95) مليون دينار. إضافة إلى الخسائر التي تكبدها الصندوق لمشاريع فاشلة تم شراؤها نتيجة توجيهات حكومية.
ويشير الناشط العمالي جمال جرار إلى أنهم كانوا قد طلبوا من مجلس النواب أن يكون هنالك هيئة رقابة تشرف وتراقب صندوق الاستثمار وتكون مرتبطة بمجلس الأمة. إلا أن القانون الذي تم إقراره اكتفى بأن تقوم مؤسسة الضمان بتزويد مجلس الوزراء ومجلس النواب والأعيان بتقارير رُبعية عن النشاطات والتقدم في الخطط فقط لاغير دون وجود رقابة على الصندوق ونشاطاته.
فيما يرى الأستاذ موسى الصبيحي الناطق باسم مؤسسة الضمان، بأن تقديم التقارير هو خطوة ونقلة نوعية في قانون الضمان، لافتاً إلى أن المؤسسة تقوم بإصدار تقرير سنوي عن مجمل نشاطاتها المالية ويتم نشره على الموقع الإلكتروني للمؤسسة.
رفع اشتراكات تأمين الشيخوخة 3% والتضييق على الإعالات وحسبة راتب التقاعد
الفشل في إدارة أموال الوحدة الاستثمارية أدى إلى التسارع في وضع الضوابط على الرواتب والتأمينات، حيث شهدت التعديلات التي تمت في قانوني 2010 المؤقت و2014 الكثير من التقييدات – سنرد على ذكرها لاحقاً في هذا التقرير- سواء من ناحية التقاعد المبكر أو حسبة راتب التقاعد أو الإعالات.
غير أن الأبرز في قانون الــ 2014 كان في الزيادة على اقتطاعات الضمان الاجتماعي، حيث أقر القانون زيادة الاشتراك بنسبة 3% على أربع سنوات ابتداءً من العام الحالي 2015، بحيث يتحمل العامل ثُلث الزيادة (بمعدل 0.25% سنوياً لتصبح 1%) ويتحمل صاحب العمل الثُلثين (0.75% سنوياً لتصبح 2%).
ويرى الناطق باسم مؤسسة الضمان الاجتماعي موسى الصبيحي، بأن هذه الزيادة جاءت نتيجة قيام القانون بتوسيع الخدمات للمنتفعين وخاصة من ناحية إعادة العمل بالتقاعد المبكر، والسماح بالجمع بين العمل والتقاعد المبكر وفق شروط معينة إضافة إلى زيادة علاوات الإعالة. فيما يلفت مدير المرصد العمالي الأستاذ أحمد عوض إلى أن اتفاقاً تم بين النواب والأعيان، كان كالتالي: أن يتم الزيادة على اقتطاعات الضمان بنسبة 3% على أربع سنوات، مقابل إدراج التأمين الصحي في الضمان، إلا أنه تم في آخر لحظة التراجع عن شمول التأمين الصحي وجعله مرتبطاً بقرار مجلس الوزراء، وهذا يدلل على حجم تغول لوبيات شركات التأمين الصحي التي حالت دون تطبيق التأمين الصحي.
ويختلف الأستاذ جمال جرار مع رؤية الصبيحي إلى قانون الضمان بتعديلاته الأخيرة، حيث يلفت إلى أن الزيادة التي تمت على تأمين العجز والشيخوخة والوفاة لم يقابلها مزايا حقيقية، وإنما على العكس فقد تم تقليص بعض الامتيازات. فأصبح احتساب الراتب التقاعدي يتم وفق معدل آخر 36 شهر وليس 24 شهر كما كان معمول به سابقاً، وهذا يؤدي بالضرورة إلى تقليص الراتب التقاعدي.
كما يلفت جرار إلى الضوابط على الرواتب المرتفعة والتي يرى أنها أمر إيجابي، حيث تم وضع حد أعلى للرواتب التقاعدية بــ 3000 دينار مربوطة بنسبة التضخم، حيث في السابق لم يكن هناك ضوابط.
ويرى جرار – بعكس الصبيحي- بأن علاوة الإعالات تم تقليصها وفق القانون الجديد، حيث يلفت إلى أنه على الرغم من زيادة نسبة الإعالة للشخص الأول من 10% إلى 12%، وللشخص الثاني والثالث من 5% إلى 6%، إلا أنه تم تحديد سقف أعلى لهذه العلاوة بحيث لا تتجاوز الــ 150 دينار عن كامل العائلة (ثلاثة أشخاص بحد أقصى). فيما كانت سابقاً في قانون الــ 2001 مفتوحة وبدون سقف أعلى. أي أنه وفقاً لجرار، فإن مؤسسة الضمان “أخذت من راتبك وقوت أولادك لتغطي العجز لديها”.
التقاعد المبكر: تخبط القرار الحكومي
خضع التقاعد المبكر وآلياته، للسياسات الحكومية بعيداً عن مصلحة مؤسسة الضمان والعامل. فقد قامت المؤسسة بفتح التقاعد المبكر على مصراعيه وبشروط ميسرة في بداية الألفية الثالثة بالتزامن مع قيام الحكومة بخصخصة الشركات الكبرى. ويلفت أحمد عوض إلى أن إقرار التقاعد المبكر تم في الــ 2001 وذلك للتسهيل على أصحاب الشركات الكبرى التي تم خصخصتها تسريح العمال الذين يشكلون عبئاً عليهم.
وكانت نتيجة رضوخ الضمان لهذا التوجه الحكومي أن تحمّل صندوق الضمان عبئاً كبيراً على ميزانيته، ما أدى إلى إصدار تعديلات على القانون في العام 2010، عملت على تقليص مجالات التقاعد المبكر، حيث تم اشتراط أن يكون عمر المتقاعد 50 سنة وأن يكون لديه 25 سنة اشتراك بالضمان. (انظر الجدول)
ويرى عوض بأن ظاهرة التقاعد المبكر هي ظاهرة سلبية ويجب حصرها في حالتين فقط: المهن الخطيرة كالمناجم والبناء والكهرباء ..الخ، والسيدات، لافتاً إلى أن علاج ظاهرة التقاعد المبكر تكمن في إعادة النظر في سياسات الأجور باتجاه زيادتها ما يقلل من حجم التقاعد المبكر.
كما سمح القانون الجديد للضمان (قانون الــ 2014) بالسماح بالعمل للمتقاعد المبكر ضمن شروط محددة. إلا أن النقابي العمالي جمال جرار رأى بأن هذه الشروط الجديدة هي شروط أقرب للتعجيزية، وفي المحصلة فإن المتقاعد المبكر سيكتشف أن لا جدوى مالية حقيقية من الجمع بين العمل والتقاعد المبكر نظراً لحجم الخصومات التي ستقع على راتب التقاعد في حال عمله. أي وكما يقول جرار: “معناه أجلس في البيت أوفر لي من العمل لأني أخسر، إلا إذا أخذت راتب عالي جداً”.
تأمينات معطّلة: البطالة والتأمين الصحي
على الرغم من أن قانون الضمان الاجتماعي لعام 2010 نص في المادة الثالثة منه على أن تأمينات الضمان الاجتماعي تشمل التأمين الصحي والتعطل عن العمل، إلا أن القانون أناط تنفيذ هذه الجزئية بمجلس الوزراء.
ووفقاً للأستاذ أحمد عوض فلا يوجد حتى اللحظة أية نوايا حكومية لإنفاذ التأمين الصحي لمستفيدي الضمان، معتبراً إياه اختلالاً كبيراً في منظومة الضمان الاجتماعي في الأردن وفيها تمييز بين العاملين في القطاع الحكومي والعسكري من جهة، والقطاع الخاص من جهة أخرى، وهي أحد أهم الأسباب التي تدفع بالمواطنين التوجه للقطاع العام.
كما لفت عوض إلى أن قانون العمل لا يجبر صاحب العمل في القطاع الخاص على توفير التأمين الصحي للعاملين. وأكد على أنه إذا ما حسبنا المكرمات الملكية للتأمين الصحي والإنفاق الصحي غير مباشر، فإنها كافية لتغطية كلفة التأمين الصحي لمشتركي الضمان.
وفيما يتعلق بالتعطل عن العمل، والذي تم إدراجه في القانون حديثاً، فهو لا يرقى بأي حال من الأحوال إلى مفهوم التأمين ضد البطالة المعمول به في دول العالم المتقدمة، وفق عوض الذي أكد أن هذا النظام (إعانات البطالة) مشوّه ولا يلبي الحدود الدنيا من الضمان.
فالتعطل عن العمل يقتصر على فترة محدودة جداً (ستة أشهر بحد أقصى)، ولا يتم فيه دفع كامل الراتب (يتم دفع 75% من الراتب في الثلاثة أشهر الأولى، و 50% من الراتب في الثلاثة أشهر الثانية على أن لا يتجاوز الــ 500 دينار)، وعلى العامل إرجاع هذه الرواتب عند عودته للعمل، كما أن أموال هذا التأمين يتم استيفاؤها من العامل حيث ينص القانون على اقتطاع نسبة 1% من راتب المشترك و 0.5% من صاحب العمل كاقتطاعات لتأمين التعطل عن العمل.
وفيما يرى الأستاذ موسى الصبيحي الناطق باسم مؤسسة الضمان الاجتماعي أن تأمين التعطل عن العمل هو ميزة أخرى لقانون الضمان، وحماية للعامل من التعطل عن العمل، يؤكد الناشط النقابي العمالي جمال جرار أنه لا يوجد حتى الآن في قانون الضمان الاجتماعي تأمين حقيقي ضد البطالة، وأن ما بين أيدينا هو تأمين بدل التعطل، حيث يتفق مع الأستاذ عوض في توصيفه بأنه صورة مشوهة للتأمين ضد البطالة.
ويشير جرار إلى أن هذا التأمين ما هو إلا “حصّالة”، تدفع فيها نسبة من أجرك، ويعطونك مبالغ من رصيدك في هذه الحصالة، وبالتالي لا دور حقيقي للضمان في هذه المظلة التأمينية.
إصابات العمل: تعقيدات تحرم العامل المصاب حقوقه
لا يكتفي قانون الضمان الاجتماعي بتوفير العلاج والرعاية الكاملة للمشترك في حال إصابته أثناء العمل أو في طريق الذهاب أو العودة للعمل، بل ينص القانون على دفع بدل اليومي بمقدار 75% من أجر العامل طيلة فترة الإجازة المرضية. إلا أن القانون يشترط على صاحب العمل التبليغ عن الإصابة خلال 14 يوماً كحد أقصى.
ويشير مدير المرصد العمالي أحمد عوض إلى أن جزءً كبيراً من المؤسسات لا تبلغ عن إصابات العمل التي تحدث داخل مؤسساتها، كونها يتم تغريمها في حال ازدياد حالات إصابات العمل ويتم تغريمها أحياناً ليصل إلى دفع 4% بدلاً من 2%(قيمة الاقتطاع الشهري عن تأمين إصابات العمل)، وهذه إحدى الإشكاليات وهي تهرب تأميني عالي.
فيما يلفت الأستاذ جمال جرار إلى اشتراط القانون الالتزام بتعليمات العمل وشروط السلامة والصحة المهنية كشرط لتغطية إصابة العمل، مشيراً إلى أن معظم المؤسسات الخاصة لا تتقيد بشروط وسلامة الصحة المهنية، وبالتالي يُحرم العامل من حقه في تأمين إصابة العمل نتيجة هذا الشرط.
وفي الوقت الذي يفرض قانون العمل ونظام الخدمة المدنية دفع كامل الراتب خلال الإجازة المرضية، فإن قانون الضمان الاجتماعي يكتفي بدفع 75% من الراتب فقط لاغير.
تأمين الأمومة: مصلحة مرأة أم تغطية عجز مالي
يرى الأستاذ موسى الصبيحي الناطق باسم مؤسسة الضمان أن تأمين الأمومة الذي تم استحداثه مؤخراً سيساهم بشكل كبير في تشجيع أصحاب العمل على توظيف المرأة، حيث يقوم الضمان من خلال هذا التأمين بتغطية إجازة الأمومة كاملة للموظفة المشتركة بالضمان.
وينص القانون على اقتطاع نسبة 0.75% من أجور المؤمن عليهم ويتم تحصيلها من المنشأة وليس من العامل لغايات تأمين الأمومة، حيث يوفر هذا التأمين إجازة أمومة للموظفة 70 يوماً مدفوعة الأجر.
ويرى الأستاذ جمال جرار أن هذا التأمين تم استحداثه لتغطية عجز صندوق الضمان الاجتماعي، ولإيجاد رافد جديد لمؤسسة الضمان الاجتماعي، لافتاً إلى أن الحركة العمالية تحفظت على هذا التأمين بهذه الطريقة. ويشير جرار إلى أن مؤسسة الضمان تقتطع نسبة 0.75% من صاحب العمل 75% عن أجور كافة العاملين، فيما يستفيد من التأمين السيدات المتزوجات فقط، وليس كل المتزوجات بل المنجبات منهن واللواتي لا تتعدى نسبتهن الـ 5%.
ولا ينكر الناطق باسم الضمان الصبيحي أن صندوق تأمين الأمومة يحقق فائضاً يتم تحويله لرفد باقي الصناديق، معتبراً أن هذا أمر طبيعي في عمل الضمان الاجتماعي، لافتاً إلى أن الاقتطاع يتم فقط على القطاع الخاص، كون موظفات القطاع العام يتم تغطيتهن من خلال نظام الخدمة المدنية.
ويشير النقابي جرار إلى أن الضمان الاجتماعي يشترط أن يكون مضى ستة أشهر على اشتراك العاملة في الضمان الاجتماعي قبل الولادة كي تعطى حقوق إجازة الأمومة. فيما كان قانون العمل يفرض على صاحب العمل إعطاء إجازة الأمومة للمرأة بغض النظر عن عدد أشهر عملها.
العمال أسرى ضعف الحركة العمالية
في المحصلة، تعتبر مؤسسة الضمان مؤسسة العمال التي تُؤمّن لهم ولأولادهم مستقبلهم. وعلى الرغم من الإنجازات التي تم تحقيقها من خلال هذه المؤسسة، إلا أنه في ظل الهيمنة الحكومية على هذه المؤسسة وفي ظل غياب الرقابة الحقيقية عليها، فإن خطراً حقيقياً يواجه أموال هؤلاء العمال. وما قانون الـ 2014 ومن قبله الـ 2010، إلا دليلاً قاطعاً على حجم الإشكاليات التي يواجهها هذا الصندوق.
ويبدو أن الحكومة تتعاطى مع ملف الضمان الاجتماعي بارتياح كبير خاصة في ظل غياب حركة عمالية حقيقية تستطيع أن تعبر عن مصالح العمال داخل مؤسسة الضمان الاجتماعي وأن تشكل أداة ضغط حقيقية على الحكومة لمنعها وكف يدها عن التلاعب بأموال العمال.
ولا يمكن بأي حال من الأحوال ضمان مسقبل العمال والمنتفعين بالضمان إلا إذا استطاعت القوى والفعاليات النقابية العمالية استنهاض نفسها وخلق حركة عمالية وطنية قادرة على التعبير عن مصالح العمال، وعلى رأسها حقهم في توفير تأمين اجتماعي بعيداً عن اشتراطات ومقاييس صندوق النقد والبنك الدوليين.