آراء ومقالاتمقالات

نادي الصناعات الدوائية الكبرى.. يفرض قانون اللقاح على العالم!

في مثل هذه الظروف الحرجة، تتصاعد أصوات السخط والاستياء في كثير من دول العالم، رفضا لحالة التسارع غير المسبوق لللامساواة العالمية، والتي تترجم حاليا في منع وصول اللقاح، أو تقنين وصوله، واحتكار إنتاجه.

وتشكوا جمعيات خيرية ومنظمات مدنية في الدول الغربية، من أن دول المجموعة السبع، قد طلبت 1.5 مليار جرعة من اللقاح اكثر مما تحتاجه فعليا لتغطية سكانها بالكامل، الامر الذي يعيق من قدرة المبادرات الدولية على شراء وتوريد الامدادات الكافية لمحتاجيها.

هذه المسألة الساخنة والحيوية مطروحة على مستوى الاردن بقوة، بتأثيراتها السلبية على انتظام أجندة التطعيم ضد كوفيد 19، ودرجة الوعي بأهميته، مثلما هي مطروحه على مستوى الإنسانية بشكل عام، حيث يطالب الجميع بالاسراع في توصيل اللقاح لأوسع نطاق وإلى كل المواقع بدون -تمييز للون البشرة أو الديانة أو العمر- لمواجهة المرض والموت، وتردي الحالة البيئية والاجتماعية والاقتصادية، ويصبح من مصلحة الجميع أن تضمن البلدان الأكثر ثراءً توزيع امدادات اللقاحات في العالم بشكل اكثر عدلاً وإنصافًا وانتظامًا.

عندما نظمت مجموعة الدول الغنية السبع اجتماعها في نهاية شباط، أمِل البعض بأن هذه المجموعة الثرية بصدد الاستيقاظ من إغمائة الضمير، والتوجه إلى مشاركة عالمية منصفة للقاحات، بعد أن أظهرت الارقام أنه قد تم اعطاء حتى الآن اكثر من 193 مليون جرعة من اللقاحات على المستوى العالمي، في حين لم تتلق 130 دولة بالإثناء ولو جرعة واحدة، وفيما حصلت 50 دولة من الاغنى في العالم على 70% من الجرعات المعطية، كان نصيب 50 دولة من الاكثر فقرا فقط 5.3% من عدد الجرعات، وعندما طرح احد الرؤساء المشاركين في الاجتماع فكرة إرسال ما يصل إلى 5% من لقاحاتهم إلى البلدان الأكثر فقرًا، سارعت الولايات المتحدة إلى رفض إرسال حتى هذا الفتات، متنكرين لوعودهم التي كرروها عند بداية انتشار الوباء، ومخالفين بذلك القانون الدولي والطبي الانساني، الداعي إلى التحرك الفوري لمساعدة شخص في حالة الخطر تحت طائلة الملاحقة القانونية.

وللإمعان بالجرم، توصد منظمة التجارة العالمية أبوابها أمام نداءات الضمير العالمي الذي يطالب بتعليق الملكية الفكرية، لتمكين عدد اكبر من الدول من إنتاج اللقاحات بكميات كافية لسد النقص العالمي، ورفضت المنظمة مؤخرا طلبا من الهند وجنوب افريقيا للسماح لهما بتصنيعه محلياً، كما رفضت نداءً موجهًا من رؤساء دول سابقين من بينهم رؤساء البرازيل والاكوادور؛ (لولا وكوريا)، ونائب رئيس اللجنة الاستشارية لحقوق الانسان، وعدد كبير من البرلمانات، والنقابات الطبية والعمالية، والجمعيات الدولية، يطالب بحرية الوصول إلى براءة إختراع اللقاح وتصنيعه محليًا. وقد أكدت الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي هذا الرفض، وأحبطت الآمال بانقاذ مئات آلاف الناس حول العالم.. وفوق ذلك راحت تقلل من معايير فعالية اللقاحات الروسية والصينية، وتشكك بالنوايا السياسية للدولتين من وراء قيامهما بتوزيع اللقاحات على بعض الدول أو بيعه بأسعار رمزية.

يسود مراكز الصناعات الدوائية الكبرى حالة من الجشع والتمييز والعنصرية المقيتة في مجال اللقاحات، وسط تمترس هذه المراكز خلف احتكار “حقوقها” في الترخيص، وترفض مبدأ التضامن، وتتنكر منظمة التجارة العالمية لكل نداءات توطيد قاعدة سليمة وعادلة لتنظيم العلاقات الدولية، رغم انه حتى الان بلغت ارباح بيع اللقاحات 40 مليار دولار، ويبلغ هامش فوائد لقاح فايزر حوالي 30%، مع أن معظم الابحاث التي أفضت لانتاج هذا اللقاح، جاءت من عدة مختبرات، ومحصلة تجارب شارك بإجرائها عدد كبير من الدول حول العالم.

ما تعتبره الدول السبع خيارات صحيحة لحماية مواطنيها، قد يتبخر سريعا مع ظهور تحورات جديدة للفايروس، كما يقدر العلماء بأن هذه الخيارات الأنانية ستكون خطأً فادحاً، فكلما ازداد انتقال العدوى، سيكون من المرجح ظهور متحورات وسلالات جديدة قد لا تكون اللقاحات الحالية فعالة ضدها، كما أنه من الصعوبة بمكان حصر هذه السلالات داخل حدود اي بلد رغم التشدد في قيود السفر، ولا خيار أمام الجميع سوى مواجهة الوباء بتعاون دولي حقيقي، ومشاركة اللقاحات بإنصاف وعدالة، ومصارحة الشعوب بحجم هذه التحديات، وذلك من اجل النجاة الجماعية.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى