موازنة كسيحة وليدة اقتصاد مشلول
لدى خروجها من كواليس الحكومة، وتسرّب بعض مؤشراتها التي حملت في ثناياها ما ينبئ بعام أسود، اعتقد البعض أن مشروع قانون الموازنة العامة للعام (2017) سوف لن يمر، وسيعترض عليه، أو يعمل على تعديله حتى أولئك النواب الذين جاءوا من زواريب وأزقة التفافية، فيما النواب الذين ما زال عندهم بعض الحس الوطني فلن يسمحوا بتمرير هذه الموازنة وعلى ذلك، فإن الموازنة ستخرج من تحت قبة البرلمان على الأقل معدلة خالية من الضرائب الجديدةـ ونظيفة من قرارات رفع الأسعار، وفيها ما يعطي العاطلين عن العمل شيئاً من الأمل. وبالفعل، شهد مجلس النواب نقاشات ساخنة، وضمت على اجتماعات المجلس أجواء في غاية التوتر والمشادات، ليظهر بالأخير أن الموازنة تم إقرارها بأغلبية الثلثين، صحيح أن ثلاثين نائباً اعترضوا على قانون الموازنة، لكن اعتراضاتهم أدرجت تحت بند (التحفظ).
الموازنة التي أقرت بلغ حجمها (12.6) مليار دينار بزيادة قدرها (900) مليون دينار عن موازنة (2016) وكما في كل مرة أعلنت الحكومة أنها ستكون موازنة تقشفية، أي سوف يتم ترشيد النفقات الحكومية وهو كلام مرسل كما تعودنا أن نراه في نهاية كل عام.
أما الزيادة، وإن كانت زيادة متواضعة وهزيلة قياساً بموازنات حتى دول فقيرة فهي مؤشر على أن الحكومة تزمع ترحيل القضايا العالقة.
المرتكزات التي صيغت الموازنة على أساسها مقلقة وتدعو إلى التشاؤم إذ ما زالت وستظل في المستقبل مرهونة لتعليمات الدائنين، ومثقلة بتحديات وأزمات ليس لها حلول مثل الدين العام، وعجز الموازنة، وعجز الحساب الجاري، وتراجع الصادرات، فيما متطلباتها تدعو المواطنين إلى الاستعداد لأشهر وربما سنوات قادمة سوداء قاتمة.
وبعكس ما كان المواطن يحلم أن يتم تخفيف الضريبة، أظهرت الموازنة، أن الإيرادات المحلية تحتاج إلى مبلغ (450) مليون دينار وهذا يحتاج إلى فرض ضرائب جديدة، ضريبة المبيعات وهي ضريبة غير مباشرة سترفع إلى (16%)، وضريبة على البنزين، ورفع أسعار المحروقات ستفرض ضريبة (70) فلس على كل لتر بنزين، وزيادة أسعار الكهرباء والمياه، ورفع رسوم جواز السفر من (20) دينار إلى (40) دينار. وبالمناسبة، فإن رفع أسعار المشتقات النفطية سوف يؤدي إلى رفع أسعار أكثر من (150) سلعة وخدمة. أما ضريبة المبيعات فغالباً ما تتحملها الطبقات الفقيرة ويتعدى نصيبها من الضريبة (78%) بينما شريحة الطبقة الثرية فلن تتأثر بنتائج هذه الضريبة، وهي إلى جانب ذلك معفية من ضريبة الدخل. أما رجال الأعمال والبرجوازية الصناعية والمستثمرون فيجري إعفاء الأرباح الرأسمالية، وأرباح الأسهم، وصناديق الاستثمار والمتاجرة بالعقارات والسندات، وكذلك أرباح الاستثمارات الأجنبية، ومعروف أن هذه الأصول هي في أيدي هذه الفئات الرأسمالية.
وكأن الموازنة صيغت على مقاس مصالح هؤلاء الرأسماليين، وضد مصالح الفئات الشعبية الأخرى مثل العمال وذوي الدخل المحدود والفقراء والعاطلين عن العمل، وهؤلاء بازدياد مستمر بسبب تراجع معدلات التنمية، وغياب المشاريع الجديدة، وإفلاس المشاريع القائمة. لقد سجلت أرقام البطالة أعلى مستوى لها منذ (2008)، ووصل عدد العاطلين عن العمل عام (2015) ما يزيد عن (209.600) آلاف بزيادة قدرها (36) ألف معطّل عن العمل باعتراف البنك المركزي، فيما ارتفعت معدلات البطالة إلى حوالي (16%) من مجمل القوى العاملة.
أما بالنسبة لعجز الموازنة، فنحن نسمع منذ سنوات طويلة من صندوق النقد الدولي أن هدفه هو تخفيض نسبة العجز، وإذ به يتحول إلى عجز هيكلي ويبلغ في الموازنة الجديدة (1.250) مليار دينار، ومع ذلك يظل صندوق النقد على استعداد لمزيد من القروض للأردن حتى تجاوزت المديونية العامة (38) مليار دولار. لماذا كل هذا الكرم؟ أليس في ذلك زيادة الضغوط على الموازنة، وزيادة العجز؟؟ لماذا لا تفكر الحكومة بأسباب وأهداف هذا “الكرم الحاتمي”؟؟
تنتظر الأردنيين أيام صعبة، وسنوات عجاف إذا لم يبادر النظام الطبقي الحاكم إلى مراجعة سياسته الاقتصادية والمالية والنقدية ويتحلى بالإرداة والشجاعة لاتخاذ القرار الصعب في الإقلاع عن تبعيته الاقتصادية، فالعالم يتجه إلى التغيير وأمريكا حامية النظام مقبلة على عزلة ودول الاتحاد الأوروبي في طريقها للتفكك والإفلاس.
والمنطقة مقبلة على تغييرات جيوسياسية واقتصادية، والأردن لا يزال يتشبث باقتصاد السوق والسوق الحرة ويبني آماله على القروض والمنح ومساعدات الدول الغربية والخليجية، فهل يصحو ويدير وجهه إلى شعبه؟