مقالات

من لوزان .. ايران تنتصر…راسم عبيدات

 

من لوزان في سويسرا، جاء الإعلان عن وضع الخطوط العريضة والرئيسية للتفاهم حول برنامج ايران النووي،ومما لا شك فيه انه باعتراف الجميع من القادة المفاوضين ايرانيين وأمريكان واوروبيين غربيين،فإن هذا الاتفاق حدث تاريخي بكل المعايير والمقاييس،وهذا الاتفاق بعد التصديق عليه بشكل نهائي في حزيران القادم،اذا لم تظهر أية عقبات او تطورات او مفاجئات، سيشكل نقط تحول في المنطقة،ليس لجهة الإعتراف بايران كقوة إقليمية لها مصالح ونفوذ في المنطقة،بل اعتراف صريح وواضح بأن ايران بصمودها وثباتها على مواقفها من القضايا الإقليمية والدولية وخيارها،نجحت في الدخول الى نادي الكبار في العالم،وهي تتصدر حلفاً يمتد من طهران حتى عدن الآن.

هذا الحلف سيفرض شروطه ومعادلاته في المنطقة، والفرحة العارمة التي سادت الكثير من دول العالم،بتوقيع هذا الإتفاق الذي وصفه الرئيس الأمريكي بالتاريخي ووزير خارجيته كيري بالعظيم،حقاً إنه تاريخي وعظيم،فهو يؤكد على حق ايران في إمتلاك التكنولوجيا النووية،ويبقي على قدراتها النووية،في حدود الإستخدام للأنشطة والإستخدامات السلمية النووية،وكذلك فهو يرفع العقوبات الإقتصادية والمالية بحق ايران والمرتبطة ببرنامجها النووي،وهذا يعني تحرير للإقتصاد الإيراني من القيود الكبيرة التي أثقلت كاهله،وكذلك الإنتاج النفطي سيتضاعف الى أكثر من ثلاثة أضعاف،وهذا يعني تنشيط وتفعيل وترميم الكثير من المؤسسات الاقتصادية والمالية الايرانية التي تضررت نتيجة هذا الحظر والعقوبات الأمريكية والغربية على ايران.

ايران بتوقيعها على الإتفاق التاريخي أثبتت للعرب العاربة والمستعربة،وكل المنهارين منهم،بأن سياسة الإستجداء والإستعطاف والتعامل الدوني مع الغرب والأمريكان،لن تقود إلا الى المزيد من الذل والمهانة وعدم الإحترام،فأمريكا ومؤسساتها تتعامل مع العرب بدونية،رغم أن الإقتصاد الأمريكي ينتعش بمليارات العرب المضخوخة الى مصارفهم ومؤسساتهم المالية،والمستثمرة في بلادهم،واسرائيل المنتعش اقتصادها بالأموال الأمريكية،تعربد وتمارس البلطجة،ورئيس وزرائها نتنياهو يذل الرئيس الأمريكي في عقر داره .

نعم طهران أثبتت لمشيخات النفط والكاز العربية وغيرهم من العربان،بأن الطريق الى واشنطن،لن تمر عبر تل ابيب،وكذلك اثبتت دول صغيرة بحجم كوبا وفنزويلا صحة هذه المقولة،فهي رغم حصارها والتآمر الأمريكي عليها،فهي لم تركع ولم تتخل عن مبادئها ومواقفها وثوابتها،ولم ترتعد قياداتها او تجبن،بل في وقت كانت فيه العربان ترتعد خوفا في ملابسها الداخلية كان الرئيس الفنزويلي الراحل الكبير تشافيز يقوم بزيارة الرئيس الشهيد صدام حسين في العراق،رغم الحظر والعقوبات الدولية،وكذلك قام بطرد سفير اسرائيل، وقال بانها دولة ارهابية على خلفية حروبها العدوانية على شعبنا الفلسطيني وقطاع غزة.

الفرحة العارمة تعم دول العالم بهذا الإتفاق،ولكن هذا الإتفاق لا يلقى الترحاب والقبول في اسرائيل ومشيخات النفط العربية وبالذات السعودية،فإسرائيل حاولت بشتى الطرق منع توقيع هذا الإتفاق،الذي وصفه رئيس وزرائها نتنياهو بتغريدة له على موقع التواصل الإجتماعي “تويتر” بأنه “أسوأ مما توقعنا”،ونتنياهو لم يترك مناسبة او محفلاً،إلا وحرض فيه على ايران،بأنها دولة تريد تدميراسرائيل وهي تصدر الإرهاب الى سوريا والعراق ولبنان ومصر واليمن وفلسطين..الخ،وفي سبيل ذلك مارست التخريب في المنشأت النووية الإيرانية،واغتالت علماء نوويين ايرانيين،وهددت اكثر من مرة بأنها ستذهب منفردة لتدمير المنشأت النووية الإيرانية،ورئيس جهاز موسادها واجهزة مخابراتها نسقت ورتبت واجتمعت مع نظيرتها في بعض الدول العربية لهذا الغرض. أما السعودية فهي الأخرى سلكت كل الطرق ومارست شتى الضغوط والإبتزاز وقدمت الرشاوي ووعدت بالمليارات،مقابل منع توقيع الإتفاق الإيراني- الأمريكي الخاص بالبرنامج النووي الإيراني،فقد حاولت رشوة الروس بمليارات الدولارات وبمشاريع اقتصادية ضخمة،كما كانت تحرّض فرنسا وتدفع لها الملايين من أجل أن تتصلب في المحادثات الدولية 5+1 . ولجأت المملكة إلى الحرد في المؤسسات الدولية، حين تخلت عن مقعدها غير الدائم في هيئة الأمم المتحدة العام الماضي، كما اعتذرت عن إلقاء كلمتها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، عندما اكتشفت أنّ أميركا بدأت محادثات مع إيران حول برنامجها النووي من دون علمها بوساطة عمانية.

الموقف الإسرائيلي وحده يرسم بوصلة ووجهة الموقف من الاتفاق، «يوم حداد في إسرائيل» تقول المواقع الإسرائيلية، وتضيف إنه علامة فشل تاريخي لكلّ من إسرائيل والسعودية ستكون أثمانه باهظة عليهما.

تدرك أميركا تدرك جيداً أنّ السعودية وإسرائيل هما من تشوشان وتحرضان، في شكل أساسي، على الإتفاق الأمريكي- الإيراني بشأن برنامج ايران النووي. وقد جاءت الأحداث الأخيرة في اليمن لتمنح الأميركيين فرصة لتسويق هذا الاتفاق وتجاوز الاعتراضات السعودية ـ الإسرائيلية عليه، حيث أنّ ضجيج وصخب التدخل السعودي في اليمن، سيطغى على توقيع الاتفاق مع ايران، لذلك أعطت واشنطن الضوء الأخضر للسعودية لشنّ عملية عسكرية ضدّ الحوثيين،فالمعلومات المتوفرة تشير إلى أنّ قرار شنّ «عاصفة الحزم» السعودية على اليمن،كان سابقاً لزحف الحوثيين على عدن،وفي هذا الإطار، قال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير إنّ هذه العملية هي نتاج محادثات سعودية أميركية ممتدة لشهور سابقة، وهذا ما اتضح من خلال الإعلان عن « عاصفة الحزم» السعودية من واشنطن.

شنت السعودية هذه الحرب العدوانية لخشيتها من خسارة دورها الإقليمي أكثر من خشيتها امتلاك ايران للقنبلة النووية،فهي تعرف جيداً أنّ هذه القنبلة هي فقط من أجل خلق توازن رعب وحماية مصالح إيران ودورها ونفوذها في المنطقة،وليس من أجل استخدامها، وهي بفعل البترودولار قادرة، وبموافقة أميركية على شراء قنبلة نووية جاهزة من حليفتها باكستان.

أما بالنسبة إلى إسرائيل، فهي تخشى، إلى حدّ الهوس، امتلاك أي دولة في المنطقة سلاحاً نووياً،يهدّد دورها ونفوذها، أو يشكل خطراً وجودياً عليها. لذلك فهي تعتبر أنّ منع امتلاك إيران لهذا السلاح ضمانة لاستمرار تفردها وهيمنتها وسيطرتها على المنطقة، ولكي تهضم الاتفاق الإيراني مع أميركا والغرب فهي في حاجة إلى جائزة ترضية أميركية، جائزة ستدفع من الحقوق الوطنية الفلسطينية، حيث ستغضّ واشنطن الطرف عن مواصلة إسرائيل توسعها الاستيطاني في الضفة الغربية وتهويدها للقدس، مع بقاء المفاوضات دائرة لعشر سنوات مقبلة أخرى، وما بين تقديم مبادرة أميركية وأخرى أوروبية، تكون إسرائيل قد أجهزت ليس على القدس وحسب، بل الضفة الغربية أيضاً، وقضت على آمال الفلسطينيين بإقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، عاصمتها القدس.

حدث تاريخي سيلقي بظلاله على كامل المنطقة، بعد التوقيع بشكل نهائي في حزيران القادم، تخله بموجبه ايران،نادي الكبار،وتتشكل تحالفات ومعادلات جديدة في المنطقة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى