مقالات

منحنى لافر Laffer Curve وجباية الضرائب في الأردن / د.إبراهيم علوش

من المعروف أن العبء الضريبي على المواطن الأردني هو الأعلى في الوطن العربي، ومن أعلى المعدلات في العالم. ويدفع المواطن الأردني حوالي مئة ضريبة، وتشكل ضريبة المبيعات (16%) مركز الثقل في الإيرادات الضريبية الأردنية. وحسب نشرة وزارة المالية الأردنية لشهر كانون أول 2016، بلغت الإيرادات الحكومية في الأشهر الـ11 الأولى لعام 2016 أكثر من ستة مليارات من الدنانير، بلغت العائدات الضريبية منها حوالي أربعة مليارات، وبلغت الضرائب على السلع والخدمات منها أكثر من 2،6 مليار دينار.

المقصود إذن بأن العبء الضريبي على المواطن الأردني هو الأعلى بمعنى أن ضريبة المبيعات والرسوم والضرائب الخاصة، التي تعتمد عليها الدولة في الجباية أكثر من غيرها، هي ضريبة تناقصية، أي أن عبئها يقع على الأقل دخلاً، مقارنة بالضريبة على الدخل وأرباح الشركات التي شهدت بدورها ارتفاعاً بنسبة 11% في العام 2016 عن العام الذي سبقه، فيما ازدادت حصيلة ضريبة المبيعات في العام 2016 بنسبة 5،4 %، بسبب جملة من الارتفاعات الضريبية خلال العام الفائت، وثمة توجه لزيادة الضرائب والرسوم المختلفة من جديد في مستهل العام 2017.

وفيما نما الاقتصاد الوطني في الأشهر الـ11 الأولى من عام 2016 بمعدل 2% بالأسعار الثابتة، وبمعدل 3،2 بالأسعار الجارية، أي من دون أخذ التضخم بعين الاعتبار، فإن المعدلات الضريبية، كما رأينا أعلاه، ازدادت أكثر بكثير من نمو الدخل الوطني، وهو ما يطرح على بساط البحث مشكلة منحنى لافر Laffer Curve الموجود في الصورة المرافقة.

فكرة منحنى لافر بسيطة جداً وهي أن رفع المعدلات الضريبية فوق حد معين يؤدي إلى تخفيض، لا إلى زيادة، الإيرادات الضريبية للدولة. فإذا افترضنا وجود العائد الضريبي للدولة بالمليارات على المحور العامودي، والمعدل الضريبي كنسبة مئوية من دخل المواطن على المحور الأفقي، مثلاً 10 بالمئة، أو 35 بالمئة، إلخ… فإن ثمة نقطة مثلى يصبح رفع المعدل الضريبي أكثر منها وبالاً على العائد الضريبي نفسه لأن ارتفاع العائد الضريبي فوق حد معين يهدد عوائد العمل والاستثمار. مثلاً، في المنحنى أعلاه، نلاحظ أن فرض معدل ضريبي مساوي لمئة بالمئة يؤدي لعائد ضريبي يساوي صفراً. أي أن أحداً لن يعمل أو يستثمر إذا كان كل ما يجنيه سوف يذهب للدولة…

الاختبارات القياسية لفرضية منحنى لافر جاءت بنتائج مختلطة وغير حاسمة لعدة أسباب، منها أن رفع المعدل الضريبي إذا ترافق مع زيادة موازية في الخدمات الحكومية فإنه قد لا يضعف حوافز العمل والاستثمار لأن المواطن يكون قد حصل على عائد الضريبة التي يدفعها من خلال السلع والخدمات العامة (نموذج بعض دول أوروبا الشمالية مثلاً)… ومنها أن رفع المعدل الضريبي إبان ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي لكبح جماح التضخم مثلاً قد يكون تأثيره إيجابياً على الاقتصاد الكلي… ومنها أن تحديد المعدل الضريبي الذي يحقق أعلى عائد ضريبي ممكن قد يختلف باختلاف الدولة وظروف الزمان والمكان.

لكن في حالة الاقتصاد الأردني نستطيع أن نقول بكل ثقة أن زيادة المعدل الضريبي: 1) لا تترافق مع زيادة في كمية ونوعية السلع والخدمات العامة، 2) لا تترافق مع زيادة في النمو الاقتصادي الحقيقي، لا بل تزيد عنه كثيراً، مما يسبب تأثيراً إنكماشياً على الاقتصاد بالضرورة، أي أن زيادة المعدل الضريبي تقلص الكعكة التي تعتزم الدولة استئصال حصة أكبر منها، 3) تأتي على خلفية معدل ضريبي مرتفع أصلاً، ومتصاعد، مما يوحي أن الدولة ربما تكون قد بلغت حدها الأقصى في تحصيل الإيرادات وقد لا تستطيع زيادة حجم إيراداتها إلا بتقليص معدل النمو الاقتصادي.

نلاحظ أن التأثير السلبي للضريبة على حجم الاقتصاد في زمن الأزمة سبق أن تطرق له ابن خلدون، كما تطرق له من قبله سيدنا علي بن أبي طالب في الرسالة 53 من نهج البلاغة في رسالته للوالي الأشتر النخعي في مصر:

وَلْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الاْرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلاَبِ الْخَرَاجِ، لأنَّ ذلِكَ لاَ يُدْرَكُ إِلاَّ بَالْعِمَارَةِ، وَمَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَة أَخْرَبَ الْبِلاَدَ، وَأَهْلَكَ الْعِبَادَ، وَلَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلاَّ قَلِيلاً.

(الخراج طبعاً هو أهم اشكال الضريبة وقتها، والعمارة هي تعبير آخر للنمو الاقتصادي… بمعنى تعمير الأرض)

ويتابع: فَإِنْ شَكَوْا ثِقَلاً أَوْ عِلَّةً، أَوِ انْقِطَاعَ شِرْب أَوْ بَالَّة، أَوْ إِحَالَةَ أَرْض اغْتَمَرَهَا غَرَقٌ، أَوْ أَجْحَفَ بِهَا عَطَشٌ، خَفَّفْتَ عَنْهُمْ بِما تَرْجُو أَنْ يصْلُحَ بِهِ أَمْرُهُمْ، وَلاَ يَثْقُلَنَّ عَلَيْكَ شَيْءٌ خَفَّفْتَ بِهِ الْمَؤُونَةَ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُ ذُخْرٌ يَعُودُونَ بِهِ عَلَيْكَ فِي عِمَارَةِ بِلادِكَ..

(أي إذا حدث قحط أو فيضان، عليك أيها الوالي أن تخفف عنهم عبء ضريبة الخراج، ولا تتأفف من ذلك، لأن ما تخفف به عنهم سيعود إليك عندما يؤدي إلى تحقيق النمو الاقتصادي.)

… إلا إذا كان المطلوب هو تخريب البلاد وإهلاك العباد وتفكيك الاقتصاد… فذلك قصة أخرى، ذات أبعاد أخرى. وسوف يستمر المواطن بالقيام ما بوسعه ليعيش، ولسوف تستمر الضرائب غير المباشرة بالانقضاض على الطبقة الوسطى وإفقار الطبقات الشعبية، ولكنها لن تحل مشكلة الاقتصاد، أو مشكلة عجز الموازنة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى