مكافأة إسرائيلية للسودان على.. «اعتداله»!
كشفت صحيفة «هآرتس» الاسرائيلية عن أحد أبعاد التغييرات السياسية الجارية في المنطقة مؤخراً والتي تُبشّر بخريطة تحالفات جديدة. فالسودان الذي انتقل مؤخراً إلى محور الاعتدال، حظي بنوع من التشجيع من إسرائيل التي طالبت أوروبا والولايات المتحدة بمكافأته على انتقاله إلى المحور المُعادي لإيران. وقالت الصحيفة، نقلاً عن مسؤولين في تل أبيب، إن إسرائيل طلبت من هذه الدول تحسين علاقاتها مع السودان وتقديم مبادرات حسن نية تجاهه.
وبحسب «هآرتس»، فإن مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية توم شانون، زار تل أبيب واجتمع الأسبوع الماضي مع عدد من كبار المسؤولين في وزارة الخارجية وديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية. وبين من اجتمع معهم شانون، كان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والمدير العام لوزارة الخارجية دوري غولد. وقد كُرّس جزءٌ كبيرٌ من النقاش للدور الإسرائيلي في أفريقيا، الذي شهد نشاطاً ملحوظاً في الآونة الأخيرة.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين كبار في الخارجية الإسرائيلية قولهم إنهم شدّدوا أمام شانون على الحاجة لتحسين العلاقات الأميركية مع السودان. وجاء هذا التشديد على خلفية الإيمان في إسرائيل بأن حكومة السودان قطعت قبل عام علاقاتها مع إيران، وأن تهريب السلاح من السودان إلى قطاع غزة توقّف، وأن السودانيين اقتربوا من محور الاعتدال العربي برئاسة السعودية.
وأضاف المسؤولون الإسرائيليون أن إحدى الرسائل التي تمّ إيصالها لشانون هي أنه محظور تجاهل الخطوات الإيجابية التي أقدم السودان عليها وأن بادرة حسن نيات من جانب أميركا تجاه حكومة الخرطوم قد تكون مُجدية. ومعروف أن الحكومة السودانية تسعى لأن تُخرجها الإدارة الأميركية من قائمة الدول الداعمة للإرهاب. وأوضح المسؤولون في الخارجية الإسرائيلية للأميركيين أنهم يفهمون أن واشنطن لن ترفع المقاطعة التي فرضتها على الرئيس السوداني عمر البشير، ولكن تعزيز الحوار مع الآخرين في الحكومة السودانية سيكون إيجابياً.
معروف أن البشير مُتّهم بارتكاب جرائم حرب أثناء معارك دارفور، وقرّرت المحكمة الجنائية الدولية أنه «مشتبه فيه بالمسؤولية عن إصدار أوامر مقصودة بمهاجمة قطاعات معينة من السكان المدنيين في دارفور، والقتل والإبادة، والاغتصاب والتعذيب واقتلاع الناس بالقوة من أماكنهم والسطو على أملاكهم».
وبموازاة الاتصالات في الشأن السوداني مع الإدارة الأميركية، أجرت إسرائيل في العام الأخير مُحادثات مُشابهة مع فرنسا، إيطاليا ودول أوروبية أخرى. وحسب مصدر إسرائيلي، فإن ديبلوماسيين إسرائيليين طلبوا من مُحاوريهم الأوروبيين مساعدة السودان في مواجهة الدين الخارجي الهائل الذي ترزح تحت أعبائه، والذي يقترب من 50 مليار دولار ودراسة إمكانية شطب جزء من الديون، كما سبق وجرى مع دول أخرى في العالم تُعاني من أوضاع اقتصادية صعبة. وأوضحت إسرائيل لهذه الدول أن انهيار الاقتصاد السوداني قد يضعضع الاستقرار أكثر في هذا الجزء من أفريقيا ويقود إلى تعاظم عمليات الإرهاب.
وبحسب القانون الإسرائيلي، فإن السودان ليس مُصنّفاً كدولة مُعادية، ولكن بين الدولتين علاقة عداء طويلة ولم تقم أبداً أي علاقات ديبلوماسية. وحسب القانون السوداني، فإن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم المحظور على المواطنين السودانيين زيارتها. وقد استضاف السودان على مرّ العقود قيادة حركة «حماس»، وكان حليفاً عسكرياً وسياسياً لإيران و «حزب الله». واستخدم الإيرانيون، وفق «هآرتس»، السودان كقاعدة لتهريب الأسلحة إلى قطاع غزة، بل أنشأوا قرب الخرطوم معملاً لإنتاج الصواريخ البعيدة المدى لمصلحة حركتي «حماس» و «الجهاد الإسلامي». وقد نفّذت إسرائيل في الفترة ما بين العامين 2008 و2014 سلسلة هجمات جويّة على الأراضي السودانية استهدفت قوافل سلاح كانت في طريقها إلى قطاع غزة.
ومنذ العام 2014، بدأ السودان بتخريب علاقاته مع إيران على خلفية ضغوط سعودية. وطرد السودان المُلحق الثقافي الإيراني من الخرطوم، كما أُغلق المركز الثقافي الإيراني هناك. وبعد ذلك، انضمّ السودان إلى الائتلاف الذي أنشأته السعودية لمحاربة الحوثيين في اليمن. وفي كانون الثاني من هذا العام، قطع السودان علاقاته الديبلوماسية مع إيران إثر مهاجمة السفارة السعودية في طهران.
وبموازاة الابتعاد عن إيران، أُثير سجال عام حول تطبيع العلاقات مع إسرائيل في السودان مؤخراً. وقد جرى قسم من هذا السجال في إطار «لجنة الحوار الوطني السوداني»، التي تضمّ مُمثّلين عن كل الأحزاب والتيارات في الدولة. وفي النقاش حول العلاقات الخارجية للدولة، أيدت سلسلة من قادة الأحزاب إمكانية تغيير المُقاربة تجاه إسرائيل وتطبيع العلاقات معها في إطار التقارب مع واشنطن، ومحاولة رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان. وعلّق وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور على النقاش علناً، قائلاً إنه ينبغي إعادة النظر في التطبيع مع إسرائيل. ولكن بعد ذلك أصدرت وزارة الخارجية نفياً لهذا الكلام، موضحة أنه تمّ إخراج الكلام عن سياقه.