مقالات

مقاطعة العدو رياضيًّا، ما بين عزل “اسرائيل” وصفعة لمروجي التطبيع

اشتدّ الحديث مؤخرًا عن ماهية مناهضة التطبيع الرياضي، أو مقاطعة العدو رياضيًّا، حيث تزامن ذلك مع انطلاق أولمبياد طوكيو2020، فقد شهدت ولا تزال تلك البطولة انسحابات من المشاركة لرياضيين عرب لاعتبارات وطنيّة وأخلاقيّة ترفض مواجهة مشاركين يمثلون العدو الصهيوني.

لقد افتتح لاعب الجودو الجزائري فتحي نورين، بطل الألعاب الافريقية لهذا العام، أولى الانسحابات بعد أن اوقعته القرعة مع لاعب يمثل الكيان الصهيوني، وسرعان ما لحق به اللاعب السوداني محمد عبد اللطيف ليعلن انسحابه من المشاركة رفضًا لملاقاة لاعب “إسرائيلي”، فيما جاء انسحاب اللاعب اللبناني عبدالله منياتو، من بطولة العالم للفنون القتالية التي أقيمت في العاصمة البلغاريّة، بعد أن اوقعته القرعة مع لاعب أيضًا يمثل الكيان الصهيوني، لتُسطِّر تلك المواقف المُشرِّفة أسمى معاني التضحيّة، بتقديم العام على الخاص، أي تقديم الوازع الأخلاقي والوطني على حساب الهدف الخاص الذي يسعى إليه أي رياضي يشارك في المحافل الدوليّة، وهو تحقيق الفوز أو تحقيق مراتب متقدمة.

ومع أن لاعبة الجودو السعودية واللجنة المشرفة عليها تهاني القحطاني، ضربتا عُرض الحائِط كل النداءات والدعوات التي وجّهت إليها بطلب الانسحاب وعدم ملاقاة لاعبة “اسرائيلية”، واختارت اللعب “بروح رياضية عالية”، ولم تكتفِ بذلك بل كرّرت معانقة غريمتها الرياضيّة ثلاث مرات بعد أن خسرت خسارة ساحقة، فضلًا عن تبجحها بأن ما فعلته كان عن قناعة تامة ولن تندم عليه.

مقاطعة العدو
تهاني القحطاني

إن المتتبع لردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي، يجد وبما لا يدع مجالًا للشكّ بأن الأغلبية الساحقة من مجتمعاتنا العربية عبّرت عن تأييدها اللامتناهي للمنسحبين، في حين أخذ بعض “روّاد التواصل الاجتماعي” المؤيدين موفقًا تبريريًّا دافعوا فيه دفاعًا ركيكًا عن اللاعبة السعودية، لم يصل هذا الدفاع ليجعل من القضية محطّ جدل.

إقرأ أيضاً: التطبيع الإعلامي؛ معايير ومحددات!

صحيح أن اللاعبة السعودية خرقت معايير مقاطعة العدو، ولكن لم يمنع ذلك صحيفة “يدعوت احرنوت” الصهيونية من كتابة افتتاحية خاصة قالت فيها: أن ما جرى من انسحابات الرياضيين العرب من مواجهة لاعبين “اسرائيليين” مؤشر خطير على إفلاس التطبيع مع الدول العربية، لربما جاء هذا التصريح ليؤكد أن ما يفعله العدو هو توظيف ما يخدم حلمه أو هدفه المتمثل بإزالة الحاجز النفسي والعدائي المفروض عليه، وليؤكد كذلك ما حذّرت منه حركات المقاطعة من استغلال العدو لكافة الجوانب، الرياضيّة، الفنيّة، الثقافيّة، إلخ.. في خدمة هذا الهدف أو ذاك الحلم.

ختامًا، إذا أردنا أن ننطلق من أن الرياضة والتي لا خلاف على أنها مرتبطة بالجانب الأخلاقي، ولأن الرياضة منهجٌ للقيم والأخلاق الرفيعة، فإن ذلك لا يستوي مع القبول بالتعامل مع العدو، لأن أساس الموقف من العدو هو أخلاقي بالدرجة الأولى، وبالتالي التعامل معه سينسف ذلك الأساس، ومن جانب آخر، وهو أن التعامل مع العدو الصهيوني، سيساهم في في تحقيق ما يسعى إليه، وهو الاعتراف ليس بوجوده فقط وإنما بـ “مشروعية” وجوده.

بواسطة
محمد العبسي
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى