مقالات

مع الاستعجال.. ومع الأحزاب أيضًا / ماجد توبة

رسالة واضحة حاولت إدارة الهيئة المستقلة للانتخابات إيصالها في لقاء مع كتاب صحفيين الأسبوع الماضي، مفادها ضرورة الإسراع بالحسم في موضوع تعديل قانون الانتخاب من عدمه، بغض النظر عن نوع ومدى التعديلات الممكنة، فيما بدت الهيئة ورئيسها د. خالد الكلالدة حريصين على النأي رسميا بالهيئة عن الجدل السياسي حول شكل النظام الانتخابي المختلف عليه، مع عدم إخفاء الكلالدة رأيه الشخصي بتأييد النظام المعتمد بالقانون الحالي والذي جرت على أساسه الانتخابات الأخيرة.

وجهة نظر الهيئة في هذا السياق هي أن الانتخابات المقبلة، المقررة دستوريا -في حالة اكتمال عمر مجلس النواب الحالي- نهاية العام المقبل تحتاج لتحضيرات واستعدادات وتدريب لتتمكن الهيئة من إجرائها بكل مهنية وأريحية. نتفق إلى حد بعيد مع الهيئة المستقلة بضرورة توفر وقت كاف لها قبل استحقاق الانتخابات؛ عادية أو مبكرة، للتحضير وهضم النصوص القانونية والدستورية من قبل كل من له دور بالانتخابات من ناخبين ومرشحين ولجان اقتراع وفرز ومراقبين وقضاة وكل أطراف العملية.

إلا أن الحاجة للاستعجال يجب ألا تدفع لتجاهل عمق الجدل حول القانون نفسه وتحديدا حول نظامه الانتخابي، وهو المعتمد هنا على القائمة النسبية المفتوحة بشكلها وشروطها كما طبقت بالانتخابات الأخيرة، في ظل المطالبات الواسعة بضرورة تطويرها وإدخال تعديلات تمكن من إنتاج مجلس نواب مختلف وأكثر فعالية وبرامجية.

من الإنصاف القول إن نظام القائمة المفتوحة وحصر الترشح للانتخابات بها، الذي جرت بموجبه الانتخابات الأخيرة هو الأفضل والأكثر تقدما من بين الأنظمة الانتخابية التي جربت وفرضت رسميا منذ انتخابات 1993، فقد اعتمد نظام القائمة المفتوحة على مستوى الدائرة الانتخابية وحصر الترشح على قوائم لا يقل عدد مرشحيها عن ثلاثة ولا يتجاوز عدد مقاعد الدائرة، في اختراق جوهري لثابت الصوت الواحد سيئ الصيت.

الخروج من دائرة الترشح الفردي والانتظام بقوائم انتخابية يصب بخدمة الحياة البرلمانية ويقوي عودها، ويؤسس – مبدئيا- لولادة كتل وائتلافات برلمانية برامجية حقيقية قادرة على الارتقاء بالأداء النيابي وتحقيق المشاركة الشعبية بالقرار. المشكلة الجوهرية التي ضربت التجربة وفكرة القائمة المفتوحة بل وأعادت إنتاج ما أنتجه الصوت الواحد هي في عدم حصر الترشح وتشكيل القوائم بالأحزاب السياسية وائتلافاتها، بدعوى عدم دستورية ذلك من جهة، وعدم وجود حياة حزبية حقيقية وقوية وابتعاد الناس عن الأحزاب!

عدم الدستورية يمكن معالجته بتعديل دستوري إن توفرت القناعة والإرادة الرسمية بأهمية الانتقال إلى مرحلة إعطاء الأحزاب دورا فاعلا بالحياة السياسية ووقف السياسة الرسمية بمعاداة العمل الحزبي واعتباره منافسا قابلا للتطور بمواجهة النخب الفاسدة والفاشلة التي تعيد انتاج نفسها ونفوذها مع كل انتخابات.

لا يختلف اثنان على ضعف الحياة الحزبية وتشظيها، وعلى حالة العزوف الشعبي عن الأحزاب لأسباب ذاتية لها علاقة بالأحزاب نفسها، وموضوعية أعتقد أنها هي الأهم تتمثل بموقف رسمي سلبي ومعاد للعمل الحزبي، تجلّى دائما باعتباره ملفا أمنيا لا سياسيا، وترجم في أزمنة سابقة بمحاربة الحزبيين بأرزاقهم وأعمالهم ومصالحهم وتحركاتهم، وحوربوا بالجامعات ومواقع عامة عديدة، وكيّفت القوانين والتشريعات لمزيد من الإقصاء للأحزاب وإغراقها أكثر بأزمتها!

سيبقى قانون الانتخاب وتطويره المدخل الرئيسي لتطوير الحياة السياسية والعمل الحزبي. نعم لن تكون التجربة بأول انتخابات في حال حصر الترشح لها بالأحزاب وائتلافاتها مثالية وقد تستفيد منها أحزاب شكلية وغير فاعلة، لكنها ستكون خطوة تأسيسية مهمة لتغيير شروط اللعبة السياسية والانتخابية، وستفرض واقعا جديدا على الناخب والمرشح والحزب والسياسيين وكل أطراف العملية السياسية، وستحد من تأثيرات الهويات الفرعية والعشائرية والمناطقية والمال السياسي، وتدفع بالإصلاح السياسي إلى الأمام.

المصدر
الغد
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى