مشهد لا ينسى للمؤتمر التأسيسي!!
الذكرى 33 لتأسيس حزب الوحدة الشعبية.. البوصلة ثابتة، والانحياز مطلق للفقراء والأوطان ..
في مثل هذه الأيام، وفي العام 1990، اجتمع حوالي مائه وخمسون شخصًا، في مكان ضيق مكتظ في عمان لتأسيس “حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني”!!
نساء ورجال من أعمار مختلفة ومن مناطق غطت معظم مساحة الأردن، حضروا باندفاع وحماسة واضحة.
في ذلك العام بدا نوفمبر باردا بدرجة استثنائية، ودرجات الحرارة في الخارج لا تقاس مطلقا بدرجة حرارة النقاش داخل القاعة، وحالة الدفء والشغف الرفاقي والإصرار لإنجاح المؤتمر!!
هذا المؤتمر شكل انعطافه استثنائية شاقة في حياة الحزب.. التحدي كان كبيرا، والمطلوب هو إجراء انتقال واع وخلاق من “منظمة الجبهة الشعبية في الأردن” إلى حزب وطني أردني ديمقراطي أصيل.
المطلوب مغادرة التجربة الحميمية المشرقة، وشبه السرية لجمهرة كبيرة من المناضلين في المجال السياسي والجماهيري، إلى حزب علني جماهيري فاعل يتموضع في مكانة لائقة بين أطراف الحركة الوطنية الأردنية بتوجهاتها اليسارية التقدمية، وآفاقها التحررية الوحدوية العربية.
حزب يمسك بشكل أصيل واعٍ ودون مواربة بالبرنامج الوطني الأردني، وشعاره الناظم نحو أردن وطني ديمقراطي، محافظا على روحه الكفاحية العالية!!
كل ذلك دون أن يغادر هذا الحزب الوليد واجباته وأحقيته التاريخية في الالتصاق بالهم الفلسطيني، واعتباره مهمة وطنية أردنية داخلية بامتياز.
وهو بهذا الخيار، يتبنى فكرة رائدة وغير مسبوقة في التجربة الحزبية الوطنية الأردنية.
ثلاثة أيام وليلتين لم يغادر أحد مكان المؤتمر، بعد أن هطلت الثلوج وكست طرقات وجبال عمان باللون الأبيض الناصع.
بعض الرفيقات اللائي اصطحبن أطفالهن الرضع إلى المؤتمر، كن قدوة للجميع في التحمل والإصرار على الاستمرار.
ظهر الإرهاق على الجميع وارتسمت علامات السهر على الوجوه.. بينما لا يستطيع أحدنا ان يأخذ أكثر من غفوة صغيرة على مقعده القاسي.
أصر الجميع على الاستمرار، التحدي كان كبيرا، والولادة لم تكن سهلة، والوثائق متعددة وواسعة، والحس بالمسؤولية بات الجامع.. الضغط النفسي والجسدي لم يمنع المشاركة في نقاشات معمقة وحيوية!
صباح اليوم الثالث كانت الأمور قد بدأت تتضح.. تم إقرار الوثائق واعتماد رمز الحزب وشعاراته الناظمة.. وقبل إجراء انتخاب عضوية اللجنة المركزية، أمسك أحد الأعضاء عوده وبدأ يدندن ببعض الألحان الوطنية الحانية، وبدأت الحناجر التي أرهقتها ساعات السهر والقهوة والتبغ، تغني للحرية والأمل والوطن والناس.. ظهرت علامات البِشر على الوجوه، وعادت الابتسامة إلى مكانها من جديد، فقد حقق المؤتمر أهدافه.
كسب الحزب الرهان، وبدأت الثلوج بالذوبان وأشرقت الشمس من جديد.. وشهدت المرحلة ولادة حزب وطني يساري، يعتمد النهج العلمي في قراءة الواقع، والانحياز للدفاع عن العمال والفقراء والمسحوقين.
مخلصا لشعاره الناظم: من أجل أردن وطني ديمقراطي، ودعم نضال الشعب العربي الفلسطيني لاسترداد حقوقه الوطنية الثابتة، ليشكل ركيزة من ركائز الحركة الوطنية الأردنية الى جانب أحزاب المعارضة الوطنية، والقوى الشعبية والنقابية التي تؤمن بضرورة التغيير الوطني الديمقراطي.
نحتفل هذا العام، وشعبنا الفلسطيني البطل في غزة وكل فلسطين، يواجه حربة المشروع الإمبريالي الصهيوني الرجعي، بكل بسالة وتصميم وإقدام، ويقدم أغلى التضحيات على طريق حريته واستقلاله الوطني.. مدعوما من أحرار العرب وشرفاء العالم.
بعد مرور 33 عاما على تأسيسه، ما زال الحزب في ساحات النضال، منحازا -كما بدأ- للفقراء والأوطان.
وما زالت البوصلة ثابتة.. والأمل يحدونا لتحقيق أهدافنا كاملة.