مشروع قانون ضريبة الدخل مجحف وظالم وسيزيد من حجم الفقر والبطالة
مخاوف من اكتفاء حكومة الرزاز إجراء تعديلات شكلية عليه
أن يتم فرض ضريبة الدخل من قبل أي حكومة أو نظام فذلك حق طبيعي للدولة، لأن ضريبة الدخل هي ركن أساسي لترميم إيرادات الدولة سواء أكانت هذه الدولة من دول العجز أو من دول الفائض، علاوة على ذلك فإن ضريبة الدخل هي وسيلة فعالة لتوزيع الثروة، وتقليص الفجوة الطبيعية، وتحفيز الإقتصاد، ومكافحة الفقر، واقامة المشاريع، ولكن ذلك يتطلب أموراً كثيرة، أهمها أن تكون الضريبة عادلة، بحيث تؤخذ من الأثرياء لصالح الفقراء، وتخلق التوازن الاجتماعي، ولا تتغول على ذوي الدخول المحدودة، ولا تمس مصالح الفقراء والطبقة الوسطى، وأن يتم صياغة قوانين ضريبة الدخل وفقاً لظروف البلد الاقتصادية والاجتماعية ونتيجة لحوار رسمي وشعبي، وبقرار مستقل وسيادي.
ما جرى بالنسبة لمشروع قانون ضريبة الدخل المعمول به حالياً كان يتناقض مع كل ذلك، لأنه جاء بقرارات فوقية، وإذعاناً لتعليمات خارجية، وكشرط مجحف من صندوق التقد الدولي للحصول على مزيد من القروض.
منذ مئات السنين، كان هنالك ضريبة دخل تسمى(الخراج) ولكن كان يتم ربطها بما يسمى (العمران) أو (العمارة) أي أن يكون دخل البلاد واقتصادها قوياً، وبالتالي ربط قيمة الضريبة بالدخل، وهذا معنى الضريبة التصاعدية.
أي وجود مقياس واحد وهو صافي أرباح الدخل التي يحققها الجميع بحيث تبدأ تصاعدية. بل إن ضريبة الدخل لكي تكون عادلة، يجب أن يتم إلغاؤها عن الطبقات الفقيرة، وعدم المبالغة في فرضها على الطبقة الوسطى. كما يفضل مراجعة وتعديل قانون الضريبة باستمرار بهدف تطويره، ومواكبته المستجدات الاقتصادية والاجتماعية وغلق الثغرات الناشئة نتيجة التطبيق.
لم يكن قانون الضريبة المعمول به حالياً فيه شيء من كل ذلك، ولهذا كان له وقع الصدمة على معظم شرائح المجتمع، وفقدت حكومة الملقي ثقة الشارع، وأطيح بالحكومة، على الرغم من أن قبول استقالة الحكومة كان محاولة من قبل الحلف الطبقيالحاكم، لامتصاص غضب الشارع، ومنع تحرك الجماهير إلى المجهول.
ماهي أهم ملامح قانون الضريبة؟؟
أهم ما تضمنه القانون، هو تقليص الإعفاءات للعائلة وللأفراد; للعائلة من (28) ألف إلى (16) الف دينار بنسبة تصل إلى (43%) بعد ان كانت في القانون المعدل (24) ألف دينار زائد (4) الاف دينار اعفاءات الصحة والتعليم، بمعنى أن الأسرة التي كانت معفية من الضريبة بمبلغ (28) الف يدنار أصبحت تخضع للضريبة على أساس تقسيم الدخل إلى ثلاث شرائح، الشريحة الأولى (5%) والشريحة الثانية (10%) والثالثة (15%)، لأن اعفاء الأسرة بموجب التعديلات الجديدة أصبح سقفه الأعلى (16) الف دينار.
فإذا كان دخل الأسرة السنوي (28) الف دينار حيث كان هذا السقف معفياً، وبعد تخفيض هذا السقف إلى (16) الف دينار فإن الفارق وهو (12) الف دينار سيخضع للضريبة وفق التعديلات المقترحة.
وهنا يدفع المكلف عن الــــ(5000) دينار والأولى (5%) أي (250) دينار وفق الشريحة اأولى، وعن الــــ(5000) دينار الثانية (10%) أو ما قيمته (500) دينار أما الشريحة الثالثة، وقيمتها (2000) دينار فيفرض عليها ضريبة (15%) وتساوي (300) دينار، وبجردة حسابية تكون الأسرة ذات الدخل (28) الف دينار مكلفة بدفع (1050) دينار بعد أن كانت صفر.
أما بالنسبة للأفراد، فقد تم تخفيض سقف الدخل السنوي من (12000) دينار إلى (8000) دينار سنوياً بنسبة (33%). وهنا يلحظ أن التشريع الجديد وهو تشريع طبقي بامتياز قد ركز على الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، في حين كان محابياً لقطاع البنوك والصيارفة، ففي الوقت الذي رفع القانون الضريبة على البنوك بواقع (5%) فقد زادها على الأفراد والأسر يواقع (38%)، وبذلك افتقر القانون لأهم شرطين يحققان شيئاً من العدالة وهما عدم التصاعدية، وتشجيع التهرب الضريبي الذي يقدره البعض بــــ(800) مليون دينار سنوياً وآخرون يقدرونه بــــ(2) مليار دينار سنوياً.
ما حدث أنه تم ترحيل الحكومة وتكليف حكومة جديدة برئاسة السيد عمر الرزاز التي باشرت بسحب المشروع على أن يتم وضع مشروع قانون أكثر عدلاً، لكن الإيحاءات التي صدرت في تصريحات رئيس الحكومة والوزراء الذين تم تعديل حقائبهم ومعظمهم تم فرضهم فرضاً، هذه الإيحاءات تشير إلى توجه الحكومة إلى التحايل وخديعة الجماهير الشعبية، بحيث يكون التغيير في الشكل وليس في المضمون.
ولو لم يتم سحب المشروع ووقف تنفيذه، لكانت نتائجه وخيمة وكارثية كما وصفها بعض خبراء الاقتصاد ولكان دافعاً لطرد ما تبقى من استثمارات، فزادت معدلات البطالة والفقر، ودخل الاقتصاد الأردني في حالة ركود عميق، خاصة وأن الأردن يعاني من تراجع في معدلات النمو وارتفاع في معدل التضخم، وارتفاع تكاليف المعيشة وفي ظل غول الأسعار وتآكل الأجور.
وهذا الوضع ليس من بنات أفكارنا، بل هو وارد في توقعات البنك الدولي في آخر وثيقة له، حيث يعيش ثلث الأردنيين أي (2.200) مليون مواطن تحت خط الفقر (التقرير عام 2017) مع أن النسبة الحالية حسب البيانات الرسمية هي (14%) وهي نسبة تفتقر إلى الصدق وتخلو من الشفافية كما عودتنا الحكومات وحسب التقرير فإن (51%) من العاملين في الأردن يتقاضون رواتب بين (300 _ 500) دينار ودخل الفرد لا يتجاوز (4940) دينار سنوياً.
أما جيوب الفقر فقد وصلت (العام الماضي إلى 35) منطقة ، ويبلغ خط الفقر المطلق (814) دينار للفرد سنوياً ما يساوي (9768) دينار سنوياً، وبمعنى أن (1768) دينار من دخل هذا المواطن المسكين ستخضع للضريبة، فأي عاقل يتصل بهذا القانون المجرم قانون الجباية.
لم يتوقف فرض ضريبة الدخل على قطاع الأعمال، بل ذهب لإحداث التخريب للقطاع الزراعي الذي يلاقي الدعم في كافة دول العالم لأنه يعتبر القطاع الثاني من حيث مساهمته في دعم الناتج المحلي الإجمالي، فقد كان مقرراً فرض ضريبة (10%) على المنتج الزراعي في الوقت الذي يتم فرض ضريبة على الشركات الزراعية وعلى المصدرين ومدخلات الانتاج ونشير في هذا المجال أن (18600) مزارع مطلوبون للتنفيذ القضائي لعجزهم عن سداد ما تراكم عليهم من ديون، ولذلك رفضت النقابات والإتحادات والجمعيات الزراعية بالإجماع قانون ضريبة الدخل الجديد.
من الأمور التي تثير الاشمئزاز في القانون هو ما يسمى بالإقرار الضريبي، وهذا الإقرار في نظر بعض الخبراء وسيلة فعالة للتهرب الضريبي، ويستطيع كل من دأب على التهرب الضريبي إيجاد ألف وسيلة ووسيلة للتحايل على هذا الإقرار وكما يقول المثل: “قالوا للحرامي احلف يمين فقال لقد جاء الفرج”.
رئيس الحكومة الذي تثقف في مؤسسة مالية دولية برعت في نهب خيرات الشعوب الفقيرة واستعبادها واغراقها في الديون، دعا للحوار مع الفعاليات السياسية والاقتصادية لوضع مشروع قانون جديد، والحقيقة أن الحكومة الجديدة تعيش في مأزق زمني حدده صندوق النقد، ولذلك هي في عجلة من أمرها، لوضع مشروع قانون يختلف شكلاً عن القانون الحالي ويحمل نفس المحتوى. وما لم تتخلص الحكومة من ارتباطها بصندوق النقد والبنك الدوليين، اللذين جلبا الكوارث للأردن، فلن تكون هذه الحكومة مختلفة عن الحكومات السابقة التي جرّت المصائب على اقتصاد الأردن وامعنت افقاراً وتجويعاً في شعبه المغلوب على أمره.