مشروع إدانة الاستيطان يربك نتنياهو: لا قيود في المنطقة “أ”
في الوقت الذي تعتزم فيه السلطة الفلسطينية تقديم مشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي لإدانة الاستيطان، تتزايد مساعي الجيش الإسرائيلي للاتفاق معها حول تعزيز التنسيق الأمني وتجنب الاقتحامات للمنطقة “أ”. ولكن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي يعمل على تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية، أعلن رفضه تقييد حركة الجيش الإسرائيلي في المنطقة “أ”، واعتبر خطوة السلطة في الأمم المتحدة إبعاداً لفرص تحقيق السلام.
وظهرت الخلافات من جديد بين المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل بشأن سبل التعامل مع السلطة الفلسطينية. ففيما يكثف الجيش الإسرائيلي اتصالاته مع السلطة الفلسطينية لتعزيز التنسيق الأمني عبر فكرة العودة إلى مبادئ اتفاقية أوسلو الأمنية وعدم اقتحام الجيش الإسرائيلي مناطق السلطة، يتراجع نتنياهو عن تأييده للفكرة. وقالت مصادر إسرائيلية إن المؤسسة الأمنية ووزير الدفاع موشي يعلون معنيان بالتجاوب مع مطلب السلطة بتقييد اقتحام الجيش الإسرائيلي للمنطقة “أ”. لكن اليمين المسيطر في المجلس الوزاري المصغر، وعلى رأسه نتنياهو نفسه، يعرقل توجه الجيش هذا.
وفي ختام جولةٍ لأعضاء المجلس الوزاري المصغر في الضفة الغربية، أصدر ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية بلاغاً جاء فيه أن نتنياهو أوعز للمؤسسة الأمنية “بمواصلة العمل الحازم، الشديد والمتواصل ضد الإرهاب في كل مكان ومن دون قيود”. واعتبر البلاغ رداً على مقاربة الجيش وحسماً للنقاش حول ما إذا كان ينبغي تقييد عمل الجيش الإسرائيلي في المنطقة “أ” مثلما تطالب السلطة أم لا. وكانت السلطة في مفاوضاتها مع الجيش الإسرائيلي قد رفضت فكرة “رام الله – أريحا” أولاً، وطالبت باتفاق شامل يطال كل المنطقة “أ”.
ومعروف أن الجيش الإسرائيلي منذ عدوان “السور الواقي” في العام 2001 يدخل ويخرج كما يشاء إلى مناطق خاضعة للسيطرة الامنية الفلسطينية الكاملة. وهو ينفذ ليس فقط اعتقالات، وإنما يمنع أيضاً بناء بيوت أو حتى شق طرق، الأمر الذي جعل وجود السلطة الفلسطينية مجرد شكل. وعنى دخول الجيش الإسرئيلي إلى مناطق السلطة أنه لم يعد يثق بأن بوسعها تأمين مناطقها ومنع انطلاق عمليات ضد الإسرائيليين منها. لكن إسرائيل أصرت طوال الوقت على محافظة الفلسطينيين على التنسيق الأمني، ورأى الجيش أن التجاوب مع مطلب السلطة بتقييد حركته في المنطقة “أ” يحول دون انهيار السلطة.
لكن الخلاف لا ينحصر فقط بفكرة تقييد نشاط الجيش الإسرائيلي في المنطقة “أ”، بل تتجاوزه نحو الموقف السياسي. فتقديم الفلسطينيين مسودة مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي يدين الاستيطان يربك نتنياهو على الأقل داخلياً. فهو لا يريد أن يبدو متساهلاً مع السلطة الفلسطينية على الأرض، فيما هي تشن عليه الحرب في المحافل الدولية.
وقد أدان نتنياهو المسعى الفلسطيني ضد الاستيطان في المحفل الدولي، وقال إن “أبو مازن يتخذ خطوات تبعد المفاوضات. إن السبيل الوحيد لتحقيق السلام هو عبر المفاوضات المباشرة، وهذا ما يتهرب منه أبو مازن. الفلسطينيون يربون أطفالهم يومياً على أن المستوطنات هي تل أبيب وحيفا وعكا”.
وقال السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة داني دانون إنه “ينبغي للفلسطينيين أن يفهموا أنه لا طرق قصيرة. والطريق الوحيدة لحث المفاوضات تمر أولا بإدانة الإرهاب ووقف التحريض وتنتهي بالمفاوضات المباشرة بين الطرفين. والفلسطينيون يواصلون تضليل الأسرة الدولية عن طريق تقديم مبادرات لا تحقق شيئاً لأي من الطرفين”.
ومعروف أن مسودة مشروع القرار الفلسطيني تتحدث عن أن استمرار البناء في المستوطنات يشكل عقبة أمام سلام بين إسرائيل وفلسطين. ويقال بأن الصيغة تعتبر معتدلة وهي تشبه صيغة سابقة عرضت في العام 2011 على المجلس. وبحسب صحيفة “هآرتس”، فإن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يطمح من وراء توزيع مسودة مشروع القرار إلى حمل مجلس الأمن على اتخاذ قرار بالتصويت بعد حوالي أسبوعين. وأشارت إلى أن هذه الخطوة بدأت مع بداية العام الحالي، وأن المسودة تناقش حالياً من جانب عدد من أعضاء المجلس مثل فرنسا ومصر واسبانيا. وقال مصدر فلسطيني إن الرئيس عباس سيصل نيويورك في 22 نيسان الحالي لحضور التصويت على المشروع على هامش مشاركته في مؤتمر المناخ الدولي.
ومعروف أن آخر مرة صوّت فيها مجلس الأمن الدولي على قرار يتعلق بالمستوطنات كان في شباط 2011 حين نال الفلسطينيون تأييد 14 عضواً من بين أعضاء المجلس الـ15. وقد صوّتت حينها بريطانيا وفرنسا وألمانيا إلى جانب القرار، ما اضطر الإدارة الأميركية بعد فشل جهودها في منع التصويت إلى استخدام الفيتو. وكانت المرة الوحيدة التي استخدمت فيها إدارة أوباما الفيتو في السنوات السبع الأخيرة. ومعروف أن إسرائيل تخشى من ان تمتنع أميركا هذه المرة عن استخدام الفيتو، ما يجعل إدانة المستوطنات قرارا دوليا ينطوي على عواقب لاحقة.