مزاج أردني
ماجد توبة
مشوار واحد خارج البيت هذه الأيام، كاف لتلمس ارتفاع منسوب العصبية والنزق في شوارعنا، وبين الناس. زوامير تتقاذفها السيارات بمناسبة ومن دون مناسبة، وشتائم تتطاير حولك عند أقل احتكاك في زحمة مرور. وجوه عابسة ومقطبة، تشعر أنها ورثت العبوس والكشرة منذ دهور. “طوشات” عابرة ومتناثرة، عند هذه الإشارة المرورية أو عند تلك الزاوية، أو بين هذين الجارين؛ “طوشات” لم تعد تثير فضول المارة، ولا حتى نخوتهم للتدخل للإصلاح وفك الاشتباك!
حتى الطبيعة أبت إلا أن تزيد الطين بلة، فقذفت السماء بحمم حرارتها على رؤوس الناس، في موجة حر خانقة، فيما الأزمة المرورية، وسيل المركبات الذي تفيض به الشوارع ليل نهار، مع عودة المغتربين وتوافد السياح الخليجيين، تفاقمان الحالة النفسية القاتمة لسواد المواطنين.
ما الجديد؛ ألسنا شعبا “كشريا” أصلا؟!
بلى، لكن منسوب الكشرة والنرفزة والعصبية يظهر بوضوح في فترة ما بعد عيد الفطر. قد لا يكون ذلك مستغربا، فالمواطن “كامل الدسم” قد خرج من العيد منهكا ومتداعيا ومثخنا بجراح أعباء الحياة المتفاقمة. رمضان بلياليه الثلاثين استنفد بمصاريفه الزائدة موازنة أغلب العائلات، ليكمل العيد وحاجياته وملابس الأبناء والبنات وعيدياته، دائرة الإنهاك الاقتصادي والمعيشي لهذا المخلوق المدعو مواطنا أردنيا.
فيما فاقم صرف رواتب موظفي القطاع العام عشية العيد، وقبل أوانه بكثير، أزمة الناس لفترة تزيد على شهر ونصف الشهر لاحقة للعيد، بانتظار راتب جديد، لن يكفي لسداد ديون فترة ما بين الراتبين، في وقت بدأت فيه الماكينة العقلية لأرباب الأسر في البحث عن مخارج وحلول، تبدو مستحيلة، لأعباء معيشية قادمة، تتصدرها في موسم الأعباء هذا، متطلبات السنة الدراسية الجديدة، من رسوم وملابس وكتب وقرطاسية للأبناء في المدارس والجامعات!
حلقة شيطانية ضاغطة على الأعصاب والأنفس يجد فيها المواطن نفسه بعيد وحول عيد الفطر، تنحت بمثابرة وإصرار في أعصابه، من دون أفق أو أمل بتحسن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، بعد أن أثبتت التجربة الحسية له، بخلاف أرقام النمو والفذلكة الاقتصادية والسياسية الحكومية، أن القادم من الأيام دائما أسوأ اقتصاديا ومعيشيا، وأن المقبل منها لا يحمل سوى مزيد من الضرائب والرسوم وارتفاع الأسعار، وانكماش للمداخيل والقدرات الشرائية، فيما تضيق فرص العمل أمام أبنائه وشبابه.
إن أردت أن تقرأ خريطة وجه الأردني هذه الأيام، فعليك أن تغوص في تضاريسها المعيشية والاقتصادية. حينها، لن تستغرب كثيرا انتشار وباء العبوس والكشرة بين الناس في الشوارع وبين جدران البيوت، ولن تفاجأ إن طالتك شتيمة عابرة أو “على غفلة” وأنت سارح في سيارتك، أو راجل في شارع عام!
وليكن شعارك في شوارع عمان: “اللهم إنا لا نسألك رد القضاء.. بل اللطف فيه“.
نشر في جريدة الغد بتاريخ 27/7/2015