مذلة وقهر ومدارس خاصة / حنان كامل الشيخ
-1-
مذلة ! هكذا شعر والد الطالب راكان حين قرر أن يرفع شكوى ضد مدرسة ابنه الخاصة، بعد أن أُرهق من غياب معلمات الصف واحدة تلو الأخرى، واستبدالهن بمعلمات أخريات لا يلبثن أن يختفين عن الصفوف، بعد أقل من شهرين من استلامهن العمل.
يحدث هذا الأمر تباعاً مع معلمات “العقود الخارجية”، اللواتي أجبرن على قبول شروط عمل بائسة، يعتقدن أنها أملهن الوحيد للخلاص من البطالة وقسوة العيش.
أبو راكان والذي أرهقته تكاليف ابنه الدراسية، وطلبات المدرسة التي لا تنتهي، “شاور عقله” أكثر من مرة قبل أن يكتب الشكوى ويرسل نسخة لمديرية التعليم الخاص، ونسخة أخرى لنقابة أصحاب المدارس الخاصة، لأنه يعرف بأن الثمن الذي سيدفعه ابنه هذا العام الدراسي، سيظهر جلياً في شهادة تحصيله العلمي، والمكتوبة بدون ضمير. طبعاً هذا بغض النظر عن علاماته السيئة؛ محصلة عدم تمكنه من فهم المواد بسبب تبديل المعلمات. هو يدرك أن الحل بنقل راكان إلى مدرسة أخرى لا يعلم خيرها من شرها بعد، إنما ذلك لن يحصل قبل انقضاء العام الدراسي الحالي، وتحمله تبعات شكواه بملف نقل غير مشرّف ستحضرّه بانتقام إدارة لا تميز في الظلم ما بين الطالب والمعلم!
-2-
قهر ! هكذا شعرت دلال ذات السبعة والثلاثين عاماً، وهي تضطر بعد سنوات خبرتها الطويلة في التعليم، بأن تجلس كطالبات المدارس وتجيب على أسئلة وزارة تربية وتعليم تابعة لدولة خليجية، طلبت كادراً تعليماً مؤخراً بشروط ليست لطيفة جداً، إنما على الأقل سيكفل لها العقد إن تحصلت عليه بعد اجتياز الامتحانات الشفهية والكتابية، رواتب اثني عشر شهراً كاملة وغير منقوصة، كما كان يحصل معها في سنوات عملها الخمس عشرة السابقة، وهي تنتقل من مدرسة إلى أخرى، ”طمعا” في ظروف مهنية وإنسانية أفضل. ما ستحصل عليه في الدولة الخليجية بالمناسبة بالكاد سيغطي تكاليف عيشها هناك، حيث تحمد الله مائة مرة أنها بدون عائلة تقيد تحركها وسفرها إلى بلاد الأحلام الصغيرة، لربما تتحقق بعضها، لكن بالطبع لن تشمل ادخار أي مبلغ زيادة عن المصروف لشراء شقة أو سيارة في البلاد.
-3-
في الأثناء، يخرج علينا الأستاذ منذر الصوراني نقيب أصحاب المدارس الخاصة، بنفي مطلق لشائعات التراجع لا سمح الله عن الاتفاق المبرم مع نقابة العاملين في المدراس الخاصة. و”كان ينقص عليه” أن يحلف بالغوالي بأنه تم عصره عصرا للوصول إلى هذه النتيجة العادلة في “البيعة“ أو الصفقة التي تمنح العطلة الصيفية حقاً حصرياً للمدارس وليس للمعلمات والمعلمين، وأن مدة العقد هي عشرة شهور تتضمن شهراً و نصف الشهر “تجربة“! ويزيد الصوراني في نفيه الغاضب، بأن الاتفاقية تم إبرامها بحضور وزارة العمل وجميع “الأطراف المعنية“، أي بمعنى هاي الجمل وهاي الجمال..
واقع ولا أسوأ يعاني منه قطاع التعليم الخاص، خصوصاً بعد أن أصبح مستقلاً بشكل شبه تام عن مؤسسات ودوائر وزارة التربية والتعليم .