محللون والحرب الصهيونية الأمريكية على إيران

من يتابع الإعلام بكل أشكاله سيجد نفسه أمام ظواهر غريبة، بل في منتهى الغرابة.
أولى هذه الظواهر انتشار حالة من النشوة لدى بعض المحللين بانتصار إسرائيل على إيران، حسب قناعاتهم.
المسألة الأخرى: إصرار هؤلاء على التأكيد أن إيران لم تحارب يومًا من أجل فلسطين.
أولًا، الحرب بدأتها “إسرائيل” بعدوان ظالم مكتمل الأركان، أي أن إيران معتدى عليها، والمنطق والفطرة الإنسانية والمصلحة القومية تفرض علينا كشعوب مستضعفة عانت ولا تزال تعاني من هذا الكيان أن نقف مع إيران، وأي موقف غير ذلك يصب في خانة العدو.
ظاهرة الانحياز للعدو والفرح بانتصاره مسألة في غاية الخطورة والدلالة، فهي لا تحصل إلا عند شعوب تعيش مرحلة الهوان والانحطاط. فما يجري لا يدخل في دائرة “وجهات النظر”.
ولتوضيح الصورة عندما نشبت الحرب الأوكرانية الروسية، وقفت معظم القوى السياسية التقدمية مع روسيا، لأننا نظرنا إلى الصراع على أنه صراع ضد “رأس الشر” الولايات المتحدة الأمريكية، كدولة تريد أن تكرس سيطرتها وتفردها بحكم العالم. مما يعطي لانحيازات الإنسان دلالات مهمة وخطيرة.
وأعتقد أن موقف هذه المجموعة يعكس حالة من الانفصال عن الواقع، بل وتصوّرًا غير واقعي للعدو، وسعيًا محمومًا لخلق التباس في مفهوم “العدو” و”الصديق”.
إني أعتقد أن جذور هذا الموقف تمتد عميقًا في نفسيات امتهنت انتهاز الفرص لتحقيق مكاسب ذاتية. وللتأكد من ذلك، ما علينا إلا متابعة الإعلاميين المنتشرين في معظم القنوات الفضائية، الذين كان دورهم في الماضي والحاضر هو البحث عن أي خطأ هنا أو هناك للمقاومة، وتضخيمه، والتدليل على “عقم” هذا المسار. لقد كان هناك ثأر شخصي بينهم وبين المقاومة.
بالمحصلة، هي حالة من الخضوع والاستسلام خلقتها أنظمة مستبدة فأنعشت الانتهازية، وتجد تجلياتها في هذه الأبواق.
المسألة الأخرى هي انتشار الحديث بأن إيران لا تحارب من أجل فلسطين. لكن، ولأكون صريحًا، فإن أكثر من استفزني هو شخصية أردنية تظهر كثيرًا على شاشات الفضائيات. من موقع معرفتي به، جلست مع “معاليه” وكان في درجة عالية من الأناقة: حليق الذقن بنعومة فائقة، وربطة عنق من ماركة عالمية، الخ. راح يتحدث بلغة العارف أن إيران لم تحارب من أجل فلسطين. ولأني أعرفه كمتعهد للدفاع عن المواقف التافهة والانتهازية، منذ أن تساقط من تنظيمه ليتحوّل إلى أداة رخيصة لمحاربة الأحزاب وأي موقف قومي.
أود أن أقول له: إن إيران، في عهد “حبيبك” شاه إيران (الذي لطالما انحاز إليه أمثالك وكل رجعي وأمريكي وصهيوني)، قد اعترفت بإسرائيل عام 1963، وكان أول من تصدى لهذه الخطوة هو الإمام الخميني، الذي تم اعتقاله آنذاك، وقد دعمه في موقفه الرئيس جمال عبد الناصر.
في عام 1979، أي عام الثورة الإيرانية، تم سحب الاعتراف “بإسرائيل”، وإغلاق سفارتها، وفتح سفارة فلسطينية في مكانها، ومن هنا بدأت إيران مرحلة جديدة من العلاقة المتسمة بالتصادم مع الغرب، والذي استتبع العقوبات المستمرة إلى يومنا هذا، بينما ترتع أنظمة عربية تدّعي أن القضية الفلسطينية قضيتها المركزية، وهي تنعم بالمساعدات الأمريكية.
والمفارقة، أيها “المحلل العظيم”، أن العلاقات العربية الإسرائيلية انفتحت على مصراعيها منذ أن قُطعت العلاقات الإيرانية الإسرائيلية.
أتدري لماذا ساءت العلاقات العربية الإيرانية، وبدأ أمثالك يهاجمون إيران؟ ليس لشيء، إلا لأنها تتحدث عن فلسطين، وتستخدمها – حسب رأيك – كأداة لتسويق مشاريعها!
فلماذا – حسب منطقك – لا تستمر الدول العربية في دعم فلسطين، ولو بالكلام، كما تفعل إيران؟!
الحقيقة أن إيران تحرج الأنظمة العربية وتعرّيها، لذلك تبرز هذه الحملة المسعورة للتشكيك في الموقف الإيراني.
أخطر ما في الأمر، يا سادة، أن كل القوى المعادية نجحت في احتلال عقولنا، ونجحت في صناعة أدوات تقوم بمهماتها.
من يتحدث عن الشعب الفلسطيني المظلوم ويحارب عدو الشعب الفلسطيني، لا أعتقد أنه بحاجة ليعلن أن حربه من أجل فلسطين.
إيران، يا سادة، تحارب من أجل إيران، ومن أجل حقها في امتلاك قرارها واختيار تحالفاتها. هذه هي طبيعة الحرب: دفاع عن المظلومين، وليس بالضرورة أن يكتبوا على صواريخهم أنها “من أجل فلسطين”… حتى يقتنع “جهابذة” التحليل!
وبالمناسبة، أقول لأصدقائي: لا تتوهّموا عليهم، فهؤلاء، قبل دخولهم الاستوديو، يتلقّون التعليمات ليظهروا كأنهم “مطّلعون” و”فاهمون”. ليس كل ما يلمع ذهبًا، طريق الحق صعب، لكننا صامدون.