مقالات

محاولة لفهم اعمق للمتغيرات الدولية

منذ ان بدأ ترامب حملته الانتخابية واطلق شعارات حملته التي كانت تدغدغ (الروح القومية ) عند الأمريكيين عبر توجيه اصابع الاتهام للمهاجرين ولسياسة الرئيس اوباما عن ازمات امريكا  كان واضحا ان الولايات المتحدة ستنتقل من سياسة العولمة الى سياسة الأنطواء تحت شعار امريكا اولا. ان هذا الشعار يحمل الكثير من المعاني اذا اطلق العنان له في اكبر وانشط اقتصاد عالمي وسيكون له تبعات عميقة على العلاقات الاقتصادية وانعكاساتها السياسية والاجتماعية والثقافية .

للتنويه : (ترامب استلم البيت الابيض بدين داخلي وخارجي تخطى الخطوط الحمراء وينذر بازمة اقتصادية جديدة من الممكن ان تطيح باسس النظام وتشيع الفوضى وتفقد الولايات المتحدة دورها ونفوذها في العالم ).

اقتصاديا : لقد اشار ترامب الى ان ازمة الولايات المتحدة تكمن في هروب رؤوس الاموال الى اسواق رخوة يستطيع فيها راس المال ان يحقق ارباح هائلة  عبر استغلال عاملين رخص الايدي العاملة والاخر استطاعته تطويع القوانين المحلية لخدمة حركة راس المال . وهذا انعكس على القطاع الصناعي وتراجعه وخروج مئات الآلاف من سوق العمل الذي الحق ضررا شديدا بالطبقة الوسطى . لذلك خط ترامب مجموعة من التوجهات الاقتصادية وطالب باعادة النظر بكافة الاتفاقيات الدولية لتمكين الولايات المتحدة من اعادة صياغتها على قاعدة مصالحها القومية. ان هذه السياسة الجديدة التي قد تكبد بعض الصناعات المليارات  تحت عناوين اعادة مصانعها او على الاقل الموازنة بين نشاطها الخارجي والداخلي مما يخضعها للنظام الضريبي الامريكي . واذا ما نجحت هذه الخطوة فان المليارات ستدخل للخزينة العامة من ضرائب ورسوم وفتح فرص عمل تعيد النشاط للاقتصاد الامريكي . ويجب الاشارة الى ان المفارقة التي ظهرت باجتماع منتدى ابيك الاقتصادي في فيتنام ان الرئيس الصيني يطالب باحترام الأتفاقيات الأقتصادية التجارة الحرة (العولمة) في حين ترامب يطالب باعادة صياغتها.

سياسيا : في هذا المجال حدد ترامب مجالين للصراع السياسي  الأول : في شبه الجزيرة الكورية  والثاني في الشرق الأوسط .

ان رفع حدة التوتر في شبه الجزيرة الكورية  وابراز الخطر النووي الكوري الشمالي والتهديد باستخدام السلاح النووي يجعل كل حكومات دول المنطقة  تعمل على  الأسراع في التوقيع على عقود الأسلحة والمنظومات الصاروخية التي تستهدف العمق الكوري والصيني ان انتشار خمس حاملات امريكية بالقرب من السواحل الكورية والصينية هي رسالة تهديد واضحة للصين وحلفائها وبذات الوقت ضغط على حلفاء الولايات المتحدة لتمويل بقائها وانتشارها.

اما في الشرق الأوسط فان النظم الخليجية  واسرائيل التي وصلت علاقاتها مع الأدارة الأمريكية السابقة الى الحضيض وكانت تسشعر الخطر من سياسة ادارة اوباما الذي كان يضغط  على دول الخليج من خلال الدوحة لعمل تغييرات جوهرية ممكن ان تطال اسس نظمها القائمة من جانب ومن جانب آخر وقع على الأتفاق النووي مع ايران الذي نزع فتيل التوتر في المنطقة معها. اما اسرائيل فان موقف ادالاة اوباما من الأستيطان وتقيعه الأتفاق النووي الذي يسقط المبررات الأسرائيلية في استخدامه كورقة للضغط على دول الخليج من اجل نسج علاقات مشتركة قائمة على العدو الأيراني المشترك وتحييد موقفها من القضية الفلسطينية .

لقد حدد ترامب الرياض كاول عاصمة يزورها  لتحقيق انجازا سهلا  في الجانبين الأقتصادي والسياسي ليستخدمهم في الحد من الهجوم الديمقراطي الداخلي. في الجانب الاقتصادي انجز اتفاقا فاق ال450 مليارا  وتبعه بعدة اتفاقات مع دول الخليج اما سياسيا فقد حقق اختراقا في العلاقة السعودية -الاسرائيلية. واخرج القضية الفلسطينية من اطارها العربي بشكل نهائي ووضعها في اطار الفهم الأسرائيلي للحل وهو التعامل مع الفلسطينيين كمشكلة سكانية على جميع دول المنطقة تحمل تبعاتها الأقتصادية والاجتماعية وهنا فان اول دولة ستتحمل نتائج السياسات المشتركة السعودية- الأسرائيلية هي الدولة الأردنية التي ستعاني من الأبتزاز والضغوط للمضي في التنازل عن دعم الخيار الفلسطيني الذي هو مصلحة اردنية فلسطينية ! خليجيا اطلق ترامب العنان للتحالف السعودي الاماراتي في الأنتقام من قطر التي مارست الضغوط عليهما في عهد اوباما حيث كانت الدوحة هي المدخل لتنفيذ السياسات الامريكية في المنطقة .

ثقافيا واجتماعيا : في حين كانت العولمة تتطلب تعبير ثقافي واجتماعي لتمرير سياساتها الناعمة التي اعتمدت بها على الليبرالية الجديدة وتحالفها مع الأسلام السياسي وتجلى ذلك في تونس وسوريا والى حد ما في مصر التي سرعان ما انقض الأسلام السياسي على حليفه الليبرالي مما تتطلب اعادة تدوير لدور المؤسسة العسكرية المصرية وتسليمها السلطة السياسية . اما السياسة الترامبية فقد اعلنت انها ليست مع رؤية الليبراليين وانما مع رؤية دعم النظم الاستبدادية القائمة بشرط اعادة صياغة علاقاتها مع اسرائيل والضغط على الفلسطينيين للقبول بالرؤية الكوشنيرية للحل القادم .

اوروبيا : لقد اربك نجاح ترامب دول الأتحاد الاوروبي وزاد من حدة النزعة الأنفصالية ووجهت ضربة للأتحاد الاوروبي بخروج بريطانيا منه بدعم ترامبي . وتنفس اليمين الأوروبي الصعداء بنجاح ترامب واخذ دفعة دعم بعد ان هاجم ترامب سياسة اوباما وحلفائه في الشرق الاوسط  هذه السياسة التي دعمت الأرهاب المعتدل  واعطت المبررات لليمين المتطرف باجتياح اوروبا. ففي المانيا حصل اليمين المتطرف على اكثر من 80 مقعدا في البرلمان والنمسا نجح اليمين المتطرف ناهيك عن المظاهرات بمئات الآلاف في بولندا والمجر اللتين بدأتا تقودان مع النمسا سياسة يمينية متطرفة في اوروبا . ادارة اوباما والليبراليون والأشتراكيون في اوروبا استثمروا في دعم الأرهاب (المعتدل) في سوريا وانعكست نتائجه عليهم في الداخل الأمريكي والاوروبي نتيجة تدفق مئات الآلاف من اللاجئين التي استخدمهم اليمين المتطرف كمادة تحريصية تحت عنوان الأسلام المتطرف يغزو الولايات المتحدة واوروبا  وحصدوا اصوات مكنتهم من قلب المعدلات الداخلية .

من الواضح ان هنالك اعادة تموضع للنظام الراسمالي العالمي  لا يمكن توقع ارتداداته على الأشكال القائمة ودورها ان صعود التوجهات القومية واستلام اليمين المتطرف زمام المبادرة سيخلق حالة من الأرباك والفوضى والتفتت ستطال كل المنظومة الأقتصادية والسياسية والمالية . ان ارتفاع منسوب التوجهات القومية في اوروبا سيدفع المجتمعات الى مزيد من التطرف والعنصرية ومن الممكن ان تصل لظهور الفاشية من جديد خاصة في الدول الأوروبية التي تعاني من تهلهل في منظومتها القانونية الديمقراطية مثل هنغاريا  وبولونيا التي بدأت تعبيراتها عبر التظاهرات التي خرجت في مدنها والملاحظ ان ممثلين عن اليمين المتطرف من الدول الأوروبية كان مشاركا بها.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى