محاربة الفساد: التحدي الأبرز للحكومة
أثارت قضية “مصانع الدخان” ولا تزال اهتمام الشارع الأردني واستأثرت باهتمام وسائل الإعلام بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي.
وهذا الاهتمام ليس غريباً لأن موضوع الفساد ومحاربته كان الشعار الأبرز للمعتصمين في “الدوار الرابع” ولعموم الحراك على مستوى مساحة الأردن كاملة، بل كان من العناوين الأساسية التي تصدرت اهتماماتهم.إن هذا الاهتمام ناتج عما يحتله الفساد ومكافحته من موقع مهم في برامج الإصلاح بشقيها السياسي والاقتصادي، لأنه بالإضافة لما يسببه من استنزاف للاقتصاد الوطني فإنه يعتبر من أبرز المعيقات في وجه برامج الإصلاح.
إن الارتباط بين السلطة وأصحاب رأس المال يشكل عائقاً رئيسياً في وجه برامج الإصلاح، وهذا ما نشهده عند فتح أي ملف من ملفات الفساد أو عند الحديث عن أي خطوة إصلاحية.
إن أي مراقب موضوعي للمسار الاقتصادي في البلاد سرعان ما يكتشف، إن ظاهرة الفساد قد انتشرت وتوسعت في البلاد بالتوازي مع تنامي عملية التحرير الاقتصادي والانفتاح التجاري.
وكشفت عمليات الخصخصة التي جرت في البلاد عن عمليات فساد كبيرة، ذلك أن عملية تحويل أصول الدولة إلى القطاع الخاص بحد ذاته يقود إلى خلق حوافز لاتساع فرص الفساد.
إن ما نلمسه اليوم من انتشار ثقافة الفساد وفي عصر العولمة وانفتاح الاسواق يدخل في باب العمولات والنسب المئوية والتسهيلات التي أصبحت اليوم سمة من سمات الاقتصاد الحر، الأمر الذي راح البعض يجاهر به ويفتخر بقدرته على تحصيله.
من المؤكد أن تراخي الدولة في تتبع مظاهر الفساد وتغييب الشفافية وتهميش دور ومكانة مؤسسات المجتمع المدني وتضييق على الإعلام، من شأن كل ذلك أن يقود إلى انتشار ظاهر الاستهتار بالقوانين وعدم التقيد بالنظام في المجتمع، الأمر الذي يوفر البيئة لانتعاش الرشوة والمحسوبية والفساد بشكل كبير.
لقد تلمس الشباب في حراكهم خطورة الفساد الذي ينخروا مسامات الدولة، ولعل ما عرف (بالتمديدات الكهربائية) والآن بمصانع الدخان، إضافة إلى ما رافق عمليات الخصخصة من فساد، يفضح ويكشف خطورة هذه الآفة، وما تلحقه من ضرر بالمجتمع، من ضرب للعدالة وخلل كبير في العلاقات الاجتماعية، لذلك كانت حناجر الشباب تصدح وبقوة على امتداد أيام الهبة مطالبة بالتصدي للفساد.
إن الفساد إلى جانب كونه ظاهرة اقتصادية واجتماعية وثقافية، فإنه بالأساس مسألة سياسية ومكافحته تحتاج أولاً وأخيراً وقبل كل شيء إلى قرار وإرادة سياسية حازمة تدرك مخاطر الفساد وتداعياته وتبلور سبل مواجهته وقطع كل أسباب ظهوره.
لقد باتت مهمة محاربة الفساد والتصدي له، تفرض نفسها على الحكومة الحالية التي أصبحت تواجه اختباراً حقيقياً أمام الشعب الأردني بمدى قدرتها على التعامل مع هذه الظاهرة.