مقالات

متطلبات حكومة الإنقاذ الوطني

في البدء بالضرورة طرح سؤال مُلّح: ما الذي نريد أن ننقذه: هل نريد أن ننقذ الدولة أم النظام أم الفئات المتضررة من السياسات الحكومية المتعاقبة؟!


قبل الخوض في الشعار بالضرورة يجب أن نستعرض لوحة التناقضات الداخلية والخارجية وتداخلاتها في إطار حركتها والمتغيرات التي تطرأ عليها في كل لحظة. الشعار على ما يبدو طرح نتيجة الضغط الحكومي والذي أدى إلى موجة رفع الأسعار التي كانت ضرورة لكي تستطيع منظومة الدولة أن تفي بالتزاماتها الخارجية (المديونية). إن الخيارات التي قدمت على طاولة الحكومة السابقة والتي خيّرها البنك الدولي بين انخفاض سعر الدينار أو رفع الأسعار. هذا الشرط الذي وُضع على الطاولة لتحديد الخيار، حيث طرح السؤال التالي: من الذي عليه أن يتحمل؟! إذا خُفّض الدينار فإن حالة من الفوضى المالية ستنشأ يكون المتضرر منها مركز رأس المال المالي كون معظم قروضها هي قروض داخلية. استقر الرأي أن يحمل الشعب وزر تغطية الالتزامات داخلياً وخارجياً من خلال رفع الأسعار والذي يعلم الجميع أن هذا الخيار هو خيار تخديري.
إن ما وصلت له الأزمة هي ليست نتاج الحكومة القائمة، وإنما نتيجة سياسات حكومية متعاقبة. إن الحل الجذري يكمن في أن تطرح المعارضة جبهة وطنية عريضة على قاعدة برنامج ديمقراطي وطني. من خلال هذه الجبهة تنطلق حكومة الإنقاذ التي بالضرورة يجب أن تكون نتيجة حوار بين كل ممثلي القوى الاجتماعية والاقتصادية للخروج ببرنامج وطني يعكس مصالح كل القوى الوطنية.
لا يمكن الحديث عن حكومة إنقاذ وطني في ظل غياب رؤية واقعية تحدد لوحة التعارضات الداخلية والخارجية في بُعديها الوطني والتحرري، ولا يمكن الحديث عن حكومة إنقاذ في ظل هذا التشرذم الوطني وغياب برنامج جامع لكافة القوى التي لها مصلحة في الإنقاذ الوطني. والأهم يجب أن نتفق على ما الذي نريد أن ننقذه.
بالتدقيق بالوضع القائم، نلاحظ أن كل المنظومة يراد إنقاذها: السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. والمرحلة القائمة لا تتطلب شعارات عامة، وإنما شعارات محددة لكل عنوان من العناوين المطروحة. إن البدء بمراجعة نقدية شاملة ومسؤولة من قبل الجميع لتحديد دور كل قوة اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية في الحل والإنقاذ.
حكومة الإنقاذ الوطني تتطلب صيغة وطنية جامعة على قاعدة برنامج وطني ومهمات محددة ملموسة تتعاطى مع الواقع القائم بمسؤولية وطنية عالية, بما يحمي وحدة الدولة ويعززها بمزيد من العدالة الاجتماعية والديمقراطية والمساواة من خلال سيادة القانون. أما عن المديونية التي تشكّل الهمّ الأكبر، فإن دراسة تجربة دول أمريكا اللاتينية واليونان في التصدي للمديونية يمكن أن تشكل قاعدة لطرح موقف جذري من المديونية وتراكمها وانعكاساتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى