مقالات

ما وراء الحدث:الأجندات الخفية وراء تقليص خدمات ” الأونروا ” وتصفيتها/ د. موسى العزب

الأجندات الخفية وراء تقليص خدمات ” الأونروا ” وتصفيتها

بقلم: د. موسى العزب 

يحاول البعض إظهار ما تواجهه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ” أونروا “، وكأنها مشكلة تقنية مالية عابرة، تَسبب فيها عدم التزام بعض المانحين بدفع ما يترتب عليهم من واجبات في موازنتها، ولكن المشكلة في حقيقتها أكثر عمقاً وخطورة, وذات أبعاد سياسية مصيرية تهدد مصير هذه المنظمة الدولية، وتشي بأن هناك أطراف عدة تستهدف دور ” الوكالة “، ووجودها والمهام التي أُنشئت من أجلها.

في الأسبوع الأخير لشهر تموز، أمهلت ” الوكالة “، الدول المانحة حتى الخامس عشر من آب الحالي لسد عجزها المالي الذي يبلغ زهاء (101) مليون دولار (من أصل موازنة تبلغ (685) مليون دولار)، محذرة من أنها ستضطر إلى تأجيل العام الدراسي حتى إشعار آخر في حال عدم تحقيق ذلك؟!

هذه المرة، بدت الأزمة أكثر عمقاً من سابقاتها، وأن مؤشراتها خطيرة، وخطورة الموضوع تنبع من أن تحذيرات الوكالة في حال تنفيذها، ستنعكس على حوالي نصف مليون طالب وطالبة يتلقون تعليمهم في (700) مدرسة ومؤسسة تعليمية تتوزع على مناطق عمليات ” الوكالة ” الخمس، تمتد من لبنان وسوريا وصولاً إلى الأردن ومروراً بالضفة الغربية وقطاع غزة الذي يعيش بدوره أزمة إقتصادية وإجتماعية خانقة نتيجة الحصار والعدوان ” الإسرائيلي ” المستمر.

يضم الأردن لوحده أكثر من (42%) من إجمالي خمسة ملايين لاجىء فلسطيني مُسجل في مناطق عمليات الوكالة، ونحو (174) مدرسة تحوي (120) ألف طالب وطالبة، عدا عن طلبة جامعة العلوم التربوية وكليتي عمان ووداي السير، وإذا أضفنا لهذه المعطيات حقيقة أن تأجيل العام الدراسي يعني وقف رواتب أكثر من (22) ألف موظف, الأمر الذي يعني التعدي على قوت ما لا يقل عن (22) ألف أسرة، وعلى حقوقهم الإنسانية والمالية والمعيشية، وبالتالي الإضرار بمصالحهم ومصالح أبنائهم ووضعهم تحت ضغوط ظروف قاسية وحرجة، عندها ندرك تأثير هذه المخططات التصفوية على حقوق الفلسطينيين وعلى أحوال الأردن والدول المضيفة على السواء.

في اجتماع تم في عمان، ضمّ الدول المضيفة والدول المانحة، أعربت الدول المضيفة أمام حوالي (23) دولة مانحة، عن استيائها الشديد من هذه الأزمة الخانقة التي تُعاني منها الوكالة، وما سوف تجرّه من تبعات خطيرة على مجتمع اللاجئين وأمن واستقرار المنطقة، وقد لوحظ في ذلك الإجتماع غياب كل من الكويت والسعودية ولبنان؟!

فيما وجّه الأردن للمجتمعين رسالة شديدة عبر فيها عن سخطه من الموضوع، ورفضه القاطع لأي محاولات لتصفية الوكالة، أو تقليص خدماتها، وذكّرَ بمسؤولية المجتمع الدولي تجاه الوكالة وضرورة الإسراع بحل مشكلة دفع الإلتزامات.

يتوافق كثير من المهتمين، بأن مبلغ العجز ليس هائلاً، وأن المشكلة المالية يمكن حلّها إذا توفرت الإرادة وحسن النيّة بحلها، ولكنهم يشككون بوجود أجندة خفية لتصفية هذه المنظمة الدولية، وبالتالي تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين وطمس حقهم في العودة إلى وطنهم السليب، وهذا الأمر واضح من خلال تخلّف دول مؤثرة في دفع إلتزاماتها، مما يكشف بشكل جليّ، بأن عمليات التقليص والانكماش التدريجي لخدمات الوكالة هي سياسة ممنهجة ومؤامرة تستهدف شطب الوكالة كشاهد حي على حضور قضية اللاجئين الذين أخرجوا قسراً من مدنهم وقراهم، وتصفية الحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني بالعودة إلى وطنه.

لقد نُشرت تقارير موثقة من الأرض المحتلة إطلعت على حقيقة ما يحاك للوكالة، يرجع بعضها إلى ثلاث سنوات عندما باشر الكيان الصهيوني، بتقديم مبادرة لوقف عمل ” الأونروا ” بهدف ضرب قضية اللاجئين من جذورها، وذلك باعتماد أسلوب التدرج، تبدأ بعدم الإعتراف بأبناء الجيل الثالث أولاً، وقد مارس اللوبي الصهيوني ضغوطه، وصولاً إلى سن قانون أمريكي يهدف إلى تقليص الدعم الأمريكي لوكالة الغوث، وبعد ذلك بقليل، أطلق ” معهد تخطيط سياسة الشعب اليهودي “، التابع للوكالة الصهيونية مبادرة تعمل بموجبها ” إسرائيل “، على إقناع العالم بوقف عمل ” الوكالة “، وعدم الاعتراف بأحفاد اللاجئين وصولاً إلى تصفية اللجوء الفلسطيني كشاهد على التهجير القصري ومكرساً لحق العودة.

.. في منتصف العام (2012)، أقرّ الكونغرس الأمريكي مشروع قانون يقضي بإلزام لجنة المساعدات، عدم تقديم الدعم السنوي للوكالة، إلا بالحصول على عدد اللاجئين الفلسطينيين منذ العام (1948)، دون الأبناء والأحفاد، تمهيداً لقطع المساعدات عن هؤلاء، وتكلم البعض بأن الخارجية قد عارضت ذلك في حينه، إلا أن الشواهد تقول بغير ذلك.

لم يعد خافياً أيضاً بأن ما يُسمى ” معهد إستراتيجيات الصهيونية ” قد بات يتحرك  خلال الأشهر الأخيرة، في أمريكا وخارجها داعياً إلى تصفية ” الأونروا “.

هذه المخططات والمحاولات لتصفية الوكالة وإنهائها أصبحت واضحة، ولكننا هنا يجب أن نؤكد بأن المعونات التي تقدمها الوكالة ليست منّة من أحد، وهي مسؤولية أخلاقية وسياسية وقانونية دولية، تفرض على الدول المانحة وخاصة الكبرى منها تحمل مسؤولية المأساة الفلسطينية وتبعات الاحتلال والعربدة الصهيونية في كل فلسطين، ومن أولى واجباتها تقديم الدعم المالي المطلوب والضروري.

إلغاء أو تقليص خدمات الوكالة، يمثل رسالة سلبية للمنظمات الدولية يدفعها إلى مخالفة القانون الدولي والتنصل من خدماتها ويزيد من الأعباء الكبيرة على الدول المضيفة، وينعكس سلباً على مقدراتها وأمنها الإجتماعي.

لقد بادر العاملون في الوكالة بحراكهم واحتجاجاتهم عبر الإعتصامات ورفع الصوت والمذكرات وصولاً لتهديدهم بخطوات تصعيدية يتم بشكل حثيث حالياً توسيع نطاقها وقواعدها الاجتماعية وإدخالها إلى المخيمات لترك مساحة للمشاركة الجماهيرية.

إن إرباك عمل الوكالة، أو تقنين خدماتها أو تقليص أعداد المستفيدين منها، لا يمكن اعتباره إلا جريمة أخرى من جرائم الاحتلال وحرب عدوانية جديدة على الشعب الفلسطيني تشارك فيها، وتتواطىء معها دول كبرى، ودول عربية تابعة، والمنظمة الدولية.

التحديات والأخطار كبيرة، نطالب بمعالجة الوضع الهيكلي المالي للوكالة بسرعة، وتبني نهجاً أكثر إستقامة واستدامة، ولكننا يجب علينا أيضاً رفد الحراك ضد سياسات الوكالة بالبُعد السياسي والجماهيري، ودفع الحالة الفلسطينية بإعلان موقف موحد ورفض كل الإجراءات التراجعية الدولية، وإجبارها على الالتزام بتعهداتها تجاه ” الوكالة ” وتنفيذ قراراتها تجاه فلسطين واللاجئين الفلسطينيين.       

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى