ما هي حقيقة حجم المساعدات والمنح الخارجية للأردن؟!
ركزت وسائل الإعلام والصحف الأردنية مؤخراً على موضوع مهم وفي غاية الخطورة ليس على الاقتصاد الكلي فقط بل أيضاً على الوضع الاجتماعي والثقافي والإنساني، ألا وهي المساعدات والمنح الخارجية. ومن المؤسف، أن وسائل الإعلام هذه دأبت على تناول الحديث عن هذا الموضوع ليس من باب تأثيراته المدمرة على مستقبل الأردن السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وإنما من باب قلة أو كثرة هذه المساعدات والمنح، وعلاقة ذلك بقوة أو ضعف الدبلوماسية الأردنية في الترويج للأردن كبلد يستحق “الصدقات”.
ويأتي هذا الحديث على خلفية تلقي الأردن ما قيمته (2.8) مليار دولار عن العام (2016) كمساعدات اعتيادية وإضافية وإنسانية. وقد أسهب وزير التخطيط والتعاون الدولي في أكثر من حديث عن هذا الموضوع، مبيناً أن جزءاً من هذه المساعدات قيمته (325.9) مليون دولار لدعم الموازنة العامة، و(216) مليون دولار لدعم اللاجئين (المقصود السوريين) و(251) مليون دولار تنفذها منظمات الأمم المتحدة، مثل برنامج الغداء العالمي والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وقيمتها (224) مليون دولار والمهم هنا، المبلغ الذي دخل الموازنة العامة وهو (325.9) مليون دولار فيما بقية المساعدات ظلت خارج الموازنة مع أن قيمة الدعم والمنح جميعها تندخل في باب الإيرادات العامة للدولة وتذهب إلى الموازنة ويتم الصرف منها على المشاريع والقطاعات الاقتصادية والوزارات حسب نص الدستور.
والمسؤولون كعادتهم لا يوضحون للمحللين الاقتصاديين طبيعة هذه المساعدات، وهل هي منح غير مستردة، أم قروض قصيرة الأجل أو ميسرة. لأن من المعروف أن القروض تضافف إلى المديونية العامة، وتستوجب التسديد، ولعل المسؤولين لا يرغبون في الكشف عن حقيقة وحجم المديونية الحقيقي، كما يفعلون عندما يصدر البنك المركزي سندات خزينة، إذ في حالة سندات اليورو بورد المكفول من الولايات المتحدة وغير ذلك مما لا يشير صراحة إلى القروض.
وحقيقة الأمر، أن قيمة المساعدات والمنح البالغة (2.8) مليار دولار تتوزع حسب وزير التخطيط والتعاون الدولي على النحو التالي:
-قروض ميسرة وقدرها (939.7) مليون دولار
-دعم خطة الإستجابة الأردنية للأزمة السورية بقيمة (1.18) مليار دولار
-المنح وتبلغ قيمتها (733.8) مليون دولار.
أما حجم المساعدات الإضافية التي حصل عليها الأردن لتمويل ما يسمى خطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية للفترة ما بين (2016 _ 2018) فقد بلغت حتى نهاية تشرينن الثاني الماضي (1.02) مليار دولار.
والمبالغ المرصودة والمسلمة للأردن والملتزم بها من عدة جهات أولها الولايات المتحدة، وثانياً الدول الأوروبية، والجهة الثالثة دول خليجية، وتعتبر واشنطن من أكثر المصادر التيي تقدم المساعدات للأردن، وحسب تقرير أمريكي، يحتل الأردن المركز الرابع في قائمة الدول التي تحصل على مساعدات اقتصادية وعسكرية، فقد بلغت قيمة المساعدات الأمريكية حسب ما جاء في قسم البحوث في الكونجرس لعام (2016) ما مقداره (1.275) مليار دولار، إضافة إلى مساعدات عسكرية لم يكشف عنها تفوق قيمتها قيمة هذه المساعدات.
من الطبيعي القول أن واشنطن لا تقدم كل هذه المساعدات لـ”سواد عيون” الشعب الأردني، وليس كما تتشدق دائماً (من أجل تعزيز الديمقراطية) و(من أجل ترسيخ الأمنن والإستقرار)، وإنما كما تقول أستاذة الاقتصاد في جامعة كامبردج نورينا هيرتس، أن أمريكا تفضل السوق على الديمقراطية إذا تعارض هذان المطلبان، وكما قال جاك اتالي (jak attali) الرئيس السابق للبنك الأوروبي لإعادة الإنشاء والتنمية/ أن المهمة الرئيسية للدبلوماسية الأمريكية هي تصدير القيم الغربية.
فالأردن الذي تلقى خلال السنوات العشر الماضية ما مقداره (9) مليار دولار مساعدات ومنح لم يحقق أي تقدم اقتصادي بل على العكس، لا تزال التنمية متعثرة، وعجز الموازنةة يتفاقم، والبطالة ومعدلات الفقر في ازدياد مستمر، والأزمات الاقتصادية والاجتماعية أصبحت هيكلية. ونفس الوكالة الأمريكية للتنمية تعترف في تقريرها مؤخراً أن دولاً قليلة من التي تلقت مساعدات استطاعت الخروج من حالة التبعية، فيما الأكثرية بقيت مرتبطة ببرنامج صندوق النقد الدولي لعقود كثيرة، وصندوق النقد والبنك الدوليين كما تقول البروفيسورة نورينا هيرتس أصبح همها إذلال الدول المارقة.
فالمساعدات أدت إلى تبعية سياسية للدول المساعدة، وتعرضت الدول المتلقية للمساعدات إلى اختراقات خطيرة، وتمت مصادرة قرارها السيادي، وأصبحت أداة بيد الدولل والجهات المساعِدة. إذ تمثل الدول المتلقية للمساعدات أهمية اقتصادية للدول المانحة، لأن عليها أن تقدم المواد الأولية بأسعار متدنية، وأن تصبح أسواقاً لتصريف السلع والإستثمارات، ومساحة لتغلغل الشركات، وعليها أن تلتزم باستيراد احتياجاتها من الدول المانحة.
ويتدخل صندوق النقد والبنك الدوليين في كثير من السياسات والقرارات الاقتصادية، ويفرض شروطه وإملاءاته مثل تخفيض قيمة العملة الوطنية، وتقليص الإنفاق العام، وتحريرر الأسعار وتقليص الأجور، وزيادة الضرائب، بل يصل الأمر إلى التدخل في التركيبة الطبقية للنظم الحاكمة، وتغيير السياسات والأولويات الوطنية، وهنا ينبري سؤال مهم، هل أفلت الأردن من أي من هذه الأمور؟
الأردن يعتبر من أكثر البلدان التي تدفع ودفعت أثمان هذه المساعدات والمنح، وأكثر من قدم تنازلات على كافة الأصعدة مقابل هذه المساعدات. لقد تلقى الأردن خلال الأعوامم الخمسة عشر الماضية حسب تقرير وزارة التخطيط والتعاون الدولي ما مجموعه (16.646) مليار دولار، فأين ذهبت هذه المبالغ؟ المديونية تتصاعد باستمرار بحيث أصبحت تشكل ما نسبته (94%) من الناتج المحلي الإجمالي.
وحسب مراقبين، فإن الأردن يدفع أثماناً سياسية كبيرة تمس قراره السيادي، ويضطر لإبداء مواقف سياسية خطيرة تجاه قضايا إقليمية، فكما اضطر للقبول بمزيد من اللاجئينن السوريين، ولم يستطع أن يقول (كفى) فهو مضطر للرضوخ لمخططات أمريكية وخليجية تجاه الأزمة السورية تصل حد التدخل العسكري أحياناً.
لقد صارت المساعدات والمنح عملة تستخدمها الدول الغربية لشراء ولاء وطاعة الدول الفقيرة والمارقة. والسؤال المهم، هل يمتلك الأردن حلولاً لهذا الوضع؟
في الحقيقة لا يوجد مستحيل، إذا توفرت الرغبة والارادة في الخروج من هذا المستنقع المميت. ولكن الرغبة والإرداة لا يمكن أن تتوفر في هكذا تركيبة طبقية.