ما بعد الثقة..
بعد ماراثون خطابي طويل، حصلت حكومة الدكتور هاني الملقي على الثقة من البرلمان بــ 84 صوت، وتم الحجب عنها بــ 40 صوت، وامتناع أربعة.
وعلى الرغم من أننا لم نراهن على حجب الثقة عن الحكومة من قبل البرلمان، بل إن الأمر كان متوقعاً، إلا أن الموضوع الأكثر إثارة للاهتمام، أن تلك الثقة تمت بكل يسر وسهولة على الرغم من خطورة الملفات التي تنوي الحكومة التعامل معها والإقدام عليها وفي المقدمة منها فرض ضرائب جديدة على أكثر من 90 سلعة أساسية كانت معفاة، والسير قدماً في اتفاقية الغاز التي وقعتها شركة الكهرباء.
مما يعني أن هذه الثقة ليست ثقة عادية، بل سيكون لها تداعيات خطيرة، لأنها ببساطة تعني جعل يد الحكومة طليقة في السير قدماً في ملفات تتناقض والمصالح الوطنية من جهة، والمصالح الشعبية من جهة أخرى.
هذه الصورة ستجعل الحكومة في واد، والجماهير الشعبية في وادٍ آخر، الأمر الذي سيدفع الجماهير لتقول كلمتها في قرارات ستجعل لقمة عيشها صعبة المنال، وسيادتها الوطنية تحت رحمة الكيان الصهيوني.
ستسعى هذه الحكومة لتمرير تلك القرارات إلى ممارسة القمع ومصادرة الحريات والتضييق على الصحافة، ولا نرى فيما مارسته الحكومة والأجهزة الأمنية مؤخراً، من منع للاعتصامات والمسيرات، إلا مؤشراً خطيراً على طبيعة التوجه الذي تنوي الحكومة الإقدام عليه.
إذا كان هذا أحد دلالات وتجليات الثقة المريحة، فإن الدلالات الأخرى ترتبط بمجلس النواب، ومدى الهشاشة التي مثلها في أول امتحان له بعد الانتخابات، ومدى الضعف الذي أبداه في القيام بواجبه بالرقابة والتشريع.
إن موقف مجلس النواب كشف عن ضعفه وعجزه في أول جولة، وترك الجماهير منفردة، تواجه سياسة الحكومة المرتهنة للمؤسسات الدولية، وترك الحكومة تعبث بالحريات وبلقمة العيش وبالسيادة الوطنية.
إننا نعتقد أن هذه الثقة البرلمانية المريحة وفي ظل غياب الثقة الشعبية، تدلل على أن المرحلة القادمة ستشهد غياباً كاملاً لمجلس النواب في دوره الرقابي، ومطواعية كاملة في التشريع، الأمر الذي يضع القوى السياسية والجماهير الأردنية أمام مسؤوليتها في الدفاع عن لقمة عيشها والتصدي لسياسة الارتهان. هذا يتطلب من كافة القوى الحريصة أن تبادر للارتقاء بعملها المشترك وصولاً إلى إطار شعبي واسع وعلى امتداد البلاد لتصويب المسار الخاطئ الذي تصر الحكومة على السير به.