مقالات

ما العمل أمام حكومة عاجزة، وأداء نيابي متردي!؟

لم يكن مفاجئاً للمهتمين بالعمل السياسي، إقرار مجلس النواب لمشروع الموازنة العامة للدولة عن السنة المالية 2017، ومشروع قانون الوحدات المستقلة، وهكذا في أقل من أربعة شهور منح المجلس ثقة نيابية مريحة لحكومة الملقي، رغم أنها لم تكن قائمة على أساس برنامجي واضح ولا حتى تفاهمات مبدئية على خطوط سياسية اقتصادية محددة!
بعد أقل من ثمانية أسابيع على “احتفالية” الثقة، كان بعض أكثر النواب المتحمسين لمنح الثقة للحكومة، يوقعون على مذكرة لحجب الثقة الممنوحة لوزير الداخلية، المحسوب ضمن أبرز أقطاب الحكومة وأكثرها حضورا ًوجدلاً في الشأن العام.


لم نلحظ أي ناظم منهجي لعمل المجلس، وباستثناء كتلة وازنة واحدة تحسب موضوعياً في الصف المعارض للحكومة، فإن باقي أعضاء المجلس يفتقرون للرؤية وأدوات العمل المؤسسي الواعي.
في بداية دورتهم، صرف النواب أياماً عدة في صراعات عبثية على تشكيل الكتل النيابية، ثم لم يلبثوا أن تخاصموا عليها وتجاوزوها بعيد توزيع كعكة المناصب واللجان البرلمانية، وما لبث أن طغى العمل الفردي وماراثون البحث عن الخدمات والامتيازات وتأمين المصالح وترتيب الوساطات، حتى نهاية ولاية المجلس.
قبيل الانتخابات يبتدع المرشحون شتى أشكال النفاق والتدليس الانتخابي، ويقدمون وعوداً كبيرة للناخبين، ويقطعون على أنفسهم أكبر العهود بتبني قضايا الوطن والمواطن، وبعد وصولهم تحت القبة يتناسون كل ذلك، ويتحول الموقع النيابي إلى منصب منفعي ومنصة استعراضية ركيكة، ويساعدهم قانون الانتخاب بالتهرب من المحاسبة الشعبية والقصاص.
إقرار الموازنة، بهذه الطريقة التي شابها خلل دستوري صريح، كان يعني عملياً تواطؤ مجلس النواب مع الحكومة في تغطية الزيادة في الإيرادات العامة بما لا يقل عن 450 مليون دينار، سوف تتأتى بالتحديد من خلال زيادة ضريبة المبيعات على عدد كبير من السلع، ورفع رسوم بعض الخدمات الحكومية والضريبية على المشتقات النفطية والتملص التدريجي من مسؤولية الدولة في الخدمة الصحية والتعليمية، وبالتالي الرضوخ لإملاءات صندوق النقد الدولي وإطلاق يد الحكومة على جيب وقوت المواطن!
كل هذا يأتي في فترة بلغ فيها ديننا العام حدوداً كارثية، ويتعمق فيها الفقر، وتتحول البطالة بين الشباب إلى قنبلة موقوتة حقيقية، في وقت طاول فيه حجم الفساد مستويات قياسية في أوساط طبقة المتنفذين والمسؤولين في معظم مؤسسات الدولة. سياسات أوصلتنا إلى أزمة اقتصادية سياسية مستفحلة مركبة، وانسداد سياسي محكم.
يحق للحكومة أن تبتهج، فقد عبر قانون الموازنة العتبة النيابية، ولكن الأزمة ما تزال هناك وسط تحديات متعددة ومعقدة، في حين يعوز الحكومة والبرلمان استراتيجية وطنية إنقاذية تسهم في تجاوز النهج التبعي الريعي وحلوله الترقيعية البائسة.
وبدلاً من أن يتحول مجلس النواب إلى منصة واعية لتشكيل شراكة سياسية فاعلة، تشيع أجواء الحوار وتمثل مصالح الناس، وتطور بنى السلطات ودورها، يفشل المجلس بمهامه الرقابية والتشريعية، ويسقط في اختبار تكريس تقاليد وأعراف ديمقراطية، ويستبدل حرية الرأي واحترام الآخر بالمشادات والتوترات، ويفاقم من صورته السلبية المرسومة في أذهان المواطنين، وانعدام ثقتهم بمجلسهم وتركيبته وأدائه، وهي حالة حرجة وخطيرة تعزز من تسلط الحكومة على مؤسسات المجتمع ومقدراته، وتأجج من حالة العنف المجتمعي.
بعد حوالي 3 أشهر على تشكيل الحكومة، وأربعة شهور على الانتخابات النيابية، نجد أنفسنا أحوج ما نكون إلى تطوير بيئة تشريعية متكاملة، واعتماد قانون انتخاب بتمثيل وطني نسبي، يسمح بإيصال مجلس واعٍ وقوي، ومشاركة شعبية متوازنة وحقيقية، تطور من دور المؤسسات المدنية والأحزاب السياسية.
نحن الآن بحاجة بشكل مُلّح لوضع مدونة سلوك نيابية وإلى مراجعة النهج الاقتصادي الاجتماعي، وإعادة قراءة المقاربات المحورية في الإقليم، والتوجه لتمكين الفئات ذات الدخل المتدني، من خلال تعزيز خدمات صحية شاملة، ونظم تربوية فاعلة، والتوجه لتعزيز قطاعات الإنتاج وتوزيع الاستثمارات وخطط التنمية بصورة كفؤة وعادلة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى