مؤامرة على المناهج المدرسية!/ بقلم: ماجد توبة
تستغرب من بعض الشخصيات العامة، انزلاقهم، وهم يتصدون لمن يحملون وجهة نظر نقدية وعلمية للمناهج المدرسية، باتجاه توزيع الاتهامات بالجملة للمنتقدين، تخرجهم من الملّة والوطنية، وتتهمهم بتنفيذ اجندات “صهيونية واجنبية”، لتخريب النشء والمس بثقافة ودين الأمة، والتساوق مع “المؤامرة الغربية” ضد الأمة!
ما يثير الاستهجان أكثر ان ثمة تيارا، يتمسح بالدين، يحاول ان يحرف النقاش العلمي والتربوي حول المناهج، باتجاه مساحات الخلاف على الدين والعقيدة، من دون تردد بالتزييف والتضليل للوقائع وللأفكار المطروحة، في محاولة بائسة لجر العامة، ممن لا يتابعون، في الغالب، ما ينشر من دراسات ومقالات نقدية للمناهج، لتشكيل موقف سلبي ورافض، ليس فقط لما ينشر، بل لمن يقدم هذه الدراسات الوازنة!
عندما تسمع البعض يزعم ويصرخ، في مؤتمر صحفي أو مقابلة أو بجلسة خاصة، بأن ثمة “حملة” ضد المناهج، تستهدف الدين، وأن وراءها “علمانيين إقصائيين ومنفذي أجندات”، تجزم أن مثل هؤلاء الزاعمين، لم يقرأوا أو يفقهوا ما كتب ونشر، وإنما قيل لهم! أو ربما أرادوا ركوب موجة بعض المتضررين من الإصلاح، فأطلقوا ألسنتهم بتكفير وتخوين أصحاب رأي وعلم من تربويين وأساتذة أجلاء.
لهؤلاء نقول؛ إنها ليست حملة، بل هي سلسلة جهود فكرية وعلمية لتربويين ومفكرين وأساتذة حول المناهج المدرسية، تقدم عبر مقالات ودراسات علمية، وجدت لها أخيرا، منذ نحو عام، مساحة للنشر عبر “الغد” ووسائل إعلام أخرى، لينتقل النقاش حول المناهج من الغرف المغلقة للأكاديميين والتربويين، إلى الرأي العام ونخبه السياسية والإعلامية والحزبية، وتصبح قضية رأي عام، بعد أن كانت قضية نخبوية أكاديمية.
أصحاب عقلية المؤامرة، وبعض رافضي إصلاح المناهج، استندوا بزعمهم وجود حملة على المناهج، أنها جاءت في ظل الحملة العالمية على الإرهاب، الذي يمثله “داعش” و”جبهة النصرة” و”القاعدة”، وغيرها من حركات إرهابية، ممن تحمل تفسيرا مشوها للإسلام، وبالتالي فإن الحملة على المناهج -وفق أصحاب نظرية المؤامرة- تصب في الإساءة إلى الإسلام، وربط المسلمين بالإرهاب.
قد تكون الفظائع التي ارتكبها “داعش” و”القاعدة” و”النصرة” و”بوكو حرام” وغيرها، حركت بالفعل جهود تسليط الضوء على الاختلالات التربوية والفكرية الآسنة، التي تشوه قبل كل شيء الدين الإسلامي نفسه، وتقدم صورة مزيفة له، وتضرب بالدرجة الأولى مصالح المسلمين، لكن ذلك لا يعني أن ثمة مؤامرة حركتها، بل إن المطلوب منا كمسلمين، ومن مفكرينا وعلمائنا وتربويينا، ومن الأحزاب والحركات الإسلامية المعتدلة، التوقف طويلا عند هذه الظاهرة، وتقديم رؤية نقدية عميقة، للعوامل والأسباب التي تؤدي لوجود حواضن للفكر الداعشي والقاعدي.
لم يدّع أحد ممن كتبوا وقدموا دراسات عن المناهج المدرسية، وعلى رأسهم الأساتذة ذوقان عبيدات وحسني عايش ودلال سلامة وغيرهم، ممن فتحت لهم “الغد” صفحاتها لإثراء هذا النقاش التربوي والفكري المهم، أن المشكلة في الإسلام، أو أن المطلوب هو تغريب الطلبة عن الثقافة العربية الإسلامية، فهذا زعم وكذب صراح لا يملك مطلقه دليلا ولا أدب الحوار، إن لم نقل أكثر!
من الذي يختلف مع مطلب تنقية المناهج والكتب المدرسية من الاختلالات التربوية والفكرية التي تحويها هنا وهناك؟ وتطويرها باتجاه إخراج نشء وسطي ومعتدل الفكر، متسامح ومنسجم مع ذاته ومجتمعه وعالمه الذي يعيش فيه، مناهج وكتب تعلي من شأن العقل والفكر، وتزرع في الطالب ثقافة التسامح وقبول الآخر، وتنأى به عن مهاوي التطرف والانغلاق؟
أخيرا، فمقابل عشرات المقالات والدراسات التي نشرت في “الغد” للأساتذة المذكورين، فقد حرصت “الغد”، على نشر عشرات المقالات والردود لأكاديميين وكتاب، قدموا وجهات نظر مخالفة، حيث أثروا النقاش وتفاعل الرأي العام مع جدل هذه القضية. ليست المشكلة مع من يخالف ويحاجج برأيه وقرائنه، بل كل المشكلة هي مع من لم يقرأوا، ثم تنطحوا لحمل راية الدفاع عن الدين والعقيدة ضد مؤامرة وحملة متخيلتين ومزعومتين!