لماذا نقف مع غزة بكل حالاتها؟!

غزة لم تسقط ولم تستسلم حتى تتكالب عليها طعنات الخونة والأعداء..
أمام المعاناة الكبيرة المتواصلة، وغير المسبوقة لشعبنا البطل في غزة، أرى من جانبي بأن التظاهر الآن لوقف الحرب ورفع الحصار هو مشروع ومحق، ولن يغير من مشروعيته ونبله اندساس بعض الانتهازيين والمغرضين في صفوفه..
(وليس لأحد منا المزاودة على أصغر طفل في غزة)،
كلنا مع وقف هذه الحرب الهمجية، وحماس وكل المقاومة أول المطالبين بوقف العدوان، وأمام هذا العدد الكبير من الضحايا، والتجويع، والحصار، والدمار، من حق وواجب الجميع الغضب والاحتجاج، وهي ظواهر طبيعية وإنسانية، وتعبر عن حيوية المجتمع الفلسطيني ويقظته، ولكن يجب أن يتوجه هتاف التظاهر والاحتجاج ضد العدو، وضد الأطراف المتخاذلة، وخاصة السلطة، وليس إلى حماس المقاومة.
ولكن السؤال الملح الآن: ماذا نريد من هذا التظاهر ضد الحرب في هذه الظروف الإستثنائية، وإلى أين سيأخذنا مثل هذا التصعيد في الشارع؟!
ما هي الآلية لتنفيذ المطالب الشعبية، وإلى أية أطراف موجهة؟
الإحتلال حتى الآن قام الإحتلال بتدمير وتهجير ثلاثة مخيمات في الضفة، ويواصل التدمير والتنكيل ومصادرة الأراضي، دون حضور مؤثر لحماس، لأن مخططاته وإستهدافاته أكبر من حماس، وأبعد من غزة.. ويهدف إلى الهيمنة الكاملة لإسرائيل، والسيطرة على كل فلسطين وجزء من المنطقة العربية، وتحويل المواطنين إلى عبيد تحت السيطرة الصهيونية.
أمام بشاعة العدوانية الهمجية الصهيونية الإمبريالية، من حق أي طرف تقديم قراءة نقدية لما يحصل، ولما هو قائم، ولكن يجب أن ينطلق ذلك من فهم عميق لطبيعة المشروع الامبريالي الصهيوني، وحتمية مقاومته وإمكانية هزيمته، وإبقاء جوهر الصراع راسخ على قناعة بأن هذا الكيان هو النقيض الإستراتيجي لفلسطين والأمة العربية، وأن التناقض معه هو تناقض تناحري مطلق يجب أن ينتهي بانتصار الحق والعدالة مهما كانت التضحيات، ومها بلغ حجم الأثمان التي تقدم على طريق التحرير والاستقلال، مع إدراكنا بأنه عبر التجارب العالمية تمر حركات التحرر الوطني بمراحل صعود وهبوط، ولكنها لا تتوقف قبل إنجاز أهدافها بالتحرير والاستقلال.
ولكن للأسف يبدو بأن هناك أطرافا فلسطينية وعربية مساومة، ومتخاذلة متورطة فيما يجري، تقفز على موجة الإحتجاج الجماهيري في محاولة لحرف بوصلتها، لإضعاف الجبهة الداخلية، ودفع الشعب ليطعن نفسه بنفسه، والتفريط بكل هذه التضحيات الغالية التي تراكمت عبر العقود، وتكثفت منذ عام ونصف، والتي أحيت الأمل بالمقاومة والتحرير. وإستحقت تقدير وإحترام كل شعوب العالم وقواه الحية الشريفة..
أما شعار ترك حماس للحكم، فهذا معلن من جانب حماس نفسها التي صرحت مؤخرا بموقفها بعدم رغبتها بالمشاركة بلجنة الإغاثة التي ستشكلها السلطة، وسبق أن عبرت أيضا عن إستعدادها بمغادرة الحكم.
ولكن طرح الموضوع الآن وبهذا الشكل، وإستغلاله من جانب فصائل تفريطية، ومنصات إعلامية معادية، لا يعني إلا تبرير العدوان المعادي وإضعاف الطرف الفلسطيني في الصراع، وكبح روح المقاومة، وتخليص إسرائيل من مأزقها، وإجهاض باقي مراحل إتفاق التبادل الموقع بضمانة الوسطاء، والذي تحاول “إسرائيل” بشتى الوسائل التملص منه.
الاحتلال ومعسكر الأعداء، وبعد أن فشلوا بكسر صمود شعبنا بالقوة الغاشمة، يسعون الآن لجعلنا نقتل أنفسنا بأيدينا، بينما يقومون هم باستكمال حلقات المقتلتة وتهجير الشعب، والقضاء على المقاومة.
يجب الإسراع بترميم الجبهة الداخلية، حاضنة المقاومة، والتعامل مع الحراك الشعبي بحكمة وتفهم وعدم التشكيك بنوايا الشعب، لتفويت الفرصة أمام من يحاول الاصطياد في المياه العكرة، والاستثمار بأوجاع الناس ضد القضية والشعب.
المقاومة حق وواجب وطني وقومي وإنساني.
والحاضنة الجماهيرية هي سياج المقاومة وضمانة الصمود والانتصار.