مقالات

لماذا مني حزب العدالة والتنمية المغربي بخسارة جسيمة

* سياسة العرش الراسخة في المغرب؛ يستعمل العرش الأحزاب السياسية في مراحل مفصلية، ثم يلقي بها على قارعة الطريق.

* أداء ضعيف وباهت لحزب العدالة والتنمية، كان هو عدوه الحقيقي.

لقد جاء الإصرار على إجراء الإنتخابات في موعدها المحدد، رغم حراجة الوضع الوبائي في المغرب، لتعجل النظام على ترميم صورة الحكم المتدهورة في الداخل والخارج، بعد سلسلة من الممارسات القمعية والإخضاع الإستبدادي، التي شملت نشطاء سياسيين ونقابيين وصحفيين، فضحت الصورة المزيفة التي يحاول النظام أن يسبغها على نفسه، وكشفت السمة الأمنية القمعية للنظام في التعامل مع جميع الملفات الداخلية.

ومن بين كل المؤشرات السياسية التي نتجت عن الإنتخابات التشريعية، جرى التركيز على الخسارة الفادحة، والنتيجة المخيبة لحزب العدالة والتمنية السائر في الفلك الأخواني. فقد إنخفضت حصة الحزب في البرلمان من 125 مقعدًا في المجلس المنتهية ولايته، إلى 13 مقعد فقط، وقد جاءت الخسارة متوقعة ولكن ليس بهذا الحجم الكارثي، خاصة بعد أن تربع الحزب على رأس الحكومة طيلة عشر سنوات متوالية.. وهكذا فقد شهد الحزب حطاما سياسيا وجماهيريا تاريخيا بعيد إعلان النتائج.

وكانت الصفعة هي نفسها أيضا في الانتخابات الإقليمية والبلدية التي أجريت في نفس اليوم. سيما وأن الحزب قد حمل مطالب “حراك 20 شباط” لعام 2011 والتي تعتبر من قبل الكثيرين، بأنها النسخة المغربية من “الربيع العربي”، والتي كانت أولى مطالبها؛ “إقامة نظام ملكي برلماني حقيقي”.

منذ حراك شباط، ناور النظام، وألتف على مطالب الشارع، وأعلن عن تعديلات دستورية ملفقة جاءت لتغطي على فشله لعقود طويلة، وليس لحل المشاكل الحقيقية التي يعاني منها الشعب المغربي.

 ورغم الإنتقادات التي وجهتها قواعد الحزب، وقوى المعارضة لمضامين هذه التعديلات، إلا أن الحزب وقع بالخطأ الكبير عندما قام الوزير الأول، عبد الإله بن كيران أمين عام الحزب في ذلك الوقت، بدفع حزب العدالة والتنمية إلى إتخاذ خطوة التكيف السياسي مع خطوات القصر، وما يعنيه ذلك من الإيغال في تمركز السلطات بيد الملك، حيث أصبح النظام الملكي أكثر عدوانية وشراسة، بعدما وضع تحت عباءته، الحزب المعارض الأول في البلاد، إلى جانب ضمان ولاء الأحزاب الكبرى الأخرى.

في أي سياق اجتماعي اقتصادي جرت هذه الانتخابات؟

بنظرة أولية، إذا تأملنا وضع المغرب من الخارج، يمكننا أن نلحظ نموذج اقتصادي لامع؛ مطارات أنيقة، طرق سريعة جديدة، موانئ تُضاء ليلا، خط سكة حديد سريع على الساحل.. لكن كل هذه البنى التحتية ليست أكثر من بهرجة سطحية، لم تعكس أي تأثير إيجابي على حياة الناس.

بل سنرى بأن سوية التعليم تتدنى بإستمرار، والتدريب المهني يتراجع، ومعدلات الفقر تتفاقم على مساحة البلاد، وبطالة الشباب تزداد سوءا، وصناديق التقاعد تتعثر، والمنظومة الصحية تتآكل.. كل هذا على خلفية خصخصة متسارعة أدت إلى تدمير القطاع العام.

وهكذا فقد صادق الحزب على العديد من “الإصلاحات” غير الشعبية، سيما التي ألحقت الضرر بناخبيه، مثل إلغاء الدعم عن الضروريات الأساسية (دون استبداله كما وعد بالمساعدة المستهدفة)، وسياسة استبدال موظفي الخدمة المدنية بعاملين بعقود عمل مؤقتة، خاصة في قطاع التعليم، الذي يؤيد الحزب خصخصته، وما يستقبله ذلك من تحميل الطبقات الإجتماعية المفقرة معاناة إضافية.

وسريعا ما تفجرت أحداث الريف في تشرين الأول 2016، بعد وفاة بائع سمك فقير تم سحقة بواسطة ضاغطة قمامة، وأدت إلى اندلاع حركة احتجاج اجتماعية واسعة، أجبرت النظام على الإعتراف بفشل نموذجه الاقتصادي. علما بأن هذا النموذج التنموي “التحديثي” للمغرب قد جاء عبر تكليف الملك للجنة ملكية خاصة أعقبت عددا من الاحتجاجات، فجاءت النتيجة مطابقة لمخرجات التعديلات الدستورية البائسة التي تبعت “حراك 20شباط”.

 وفي وسط تردي أداء النظام، تلطخت صورة حزب العدالة والتنمية وإزدادت ضبابية وسط إتهامات بتخلي قيادته عن مبادئه وثوابته الوطنية، وصولا إلى مناوشاته الداخلية على المناصب، أدت إلى مغادرة الشخص القوي؛ بن كيران قيادة الحزب ورئاسة الحكومة عام 2017، وتولي سعد الدين العثماني رئاسة الحزب والحكومة، مع إستمرار الإخفاقات وتعزيز قبضة القصر على السلطات، بحيث أصبحت “الرؤية” التي طورها الملك عبر عقد كامل، هي الإطار المرجعي الوحيد الذي يجب أن تتبعه الأحزاب السياسية في السلطة، مع تلاشي دور الأغلبية الحكومية خلف المشروع والبرنامج السياسي والاقتصادي للحكم. وكمحصلة لترسخح الحكم الفردي، ولم يعد من قيمة تذكر لا للسلطة التشريعية ولا لمخرجات الإنتخابات.

هل ينجح الخطاب الذرائعي بإعادة الحزب لواجهة العمل السياسي؟

في محاولة لتبرير هذه الهزيمة القاسية للحزب، ألقت قيادة الحزب اللوم على  إستعمال المال السياسي من قبل خصومه على نطاق واسع، ولكن في نفس الوقت فإن منافسي الحزب يتهمونه بدورهم، بإعتماده على شبكة إجتماعية مالية واسعة يوظفها في كل إنتخابات.

ومن جهة أخرى يقدر مراقبون بأن ملف التطبيع مع الكيان الصهيوني قد أصبغ ظلالا سلبية على صورة الحزب وحضوره الجماهيري، خاصة وأن “سقطة” توقيع العثماني شخصيا على إتفاق التطبيع، جاءت مخالفة لبرنامجه ووعوده، إلا أن بعض المراقبين يرون بأن هذا “العامل الخارجي” على أهميته، بقيت إنعكاساته السلبية محسوسة داخل الحزب نفسه، أكبر من حجم إنعكاساته على تصويت الناخبين، سيما وأن الأحزاب التي حصلت على المركز الأول والثاني بعدد الأصوات هي من الأحزاب الموالية للقصر، والمطبعة مع الكيان الصهيوني. كما أن الترويج الإعلامي للتطبيع تم تسويقه على الجمهورالمغربي على شكل مقايضة مضللة، “يتم من خلالها الإعتراف الأمريكي والغربي، بمغربية الصحراء الغربية، مقابل التطبيع الكامل مع الكيان الصهيوني”.

 بعد أن خاض معركة إنتخابية قوية ومكلفة، جاءت خسارة حزب العدالة والتنمية على جميع الجبهات؛ السياسية والفكرية والمنهجية، في ظل نظام تهيمن عليه المؤسسة الملكية بشكل شبه كامل، فكان على الحزب أن يقدم تنازلات عامًا بعد عام، إلى حد إثارة سخط أعضائه وأنصاره “الحقيقيين” والمتعاطفين غير الإسلاميين، بسبب أدائه الباهت المخيب للآمال، وبعد أن لم يبق فيه أملا بأن يمثل بديلاً عن الدولة العميقة (المخزن)، وعجزه عن محاربة الفساد، وفشله في إحداث الإصلاح المأمول.

ويرجح مراقبون بأن النظام، قد جر قيادة حزب العدالة والتنمية إلى دهاليز الحكم مستغلا تعطشها للسلطة، ثم وظفها لتمرير عددا من السياسات غير الشعبية، قبل أن يضعف من تأثير الحزب، ويفقده حواضنه الشعبية، ويعزله سياسيا، الأمر الذي سيؤجج مستقبلا من تفتيت المشهد السياسي للقوى المنظمة في المغرب، ويكرس من قدرة النظام على تبرير نفسه كحكم وسلطة مطلقة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى