لماذا لم نقاطع الإنتخابات البرلمانية؟!/ د.موسى العزب
أعرب عدد من أصدقاء الحزب، ومريديه، عن عدم إرتياحهم لإعلان حزب الوحدة الشعبية، مشاركته في الإنتخابات البرلمانية للدورة 19، كما إتصل آخرون، ليعبروا عن نفس هذا الموقف، وأبدوا إنتقادا لهذه المشاركة..
شخصيا، لم أستغرب إعلان البعض مقاطعتة للإنتخابات، والموضوع يستحق نقاش شفاف ومعمق، ولكن، من جانب آخر، وللحقيقة، فإن أعدادا كبيرة قد أيدت اعلان الحزب مشاركته، وأبدت إستعدادا للعمل مع الحزب لإنجاح هذه التجربة، والمفارقة بأن من عارضوا، ومن أيدوا، يشتركون معا -وإلى حد كبير- بدرجة علاقتهم مع الحزب، وقربهم من برنامجه ورؤيته، كما أنهم يتساوون إلى درجة كبيرة، بالحالة والمستوى الإجتماعي، والتجربة الوطنية.. ومن الطبيعي أن من عارض ومن أيد، يستحق توضيحا موضوعيا:
لماذا لم يقاطع الحزب الإنتخابات، وما هي أهدافه من المشاركة؟
دفعني لهذا النقاش المفتوح “العام”؛ أن من أبدى معارضته لمشاركة الحزب في الإنتخابات لم يوضح أبعاد موقفه وحيثياته “إرتباطا بالظرف الآني”، وإنما إنطلق في الغالب من موقف مطلق أو لنقل “مبدئي” برفض المشاركة من على أرضية قراءته للحالة التي تعيشها البلاد، وأزمتها العميقة على كل الصعد!!
………………………….
وللموضوعية، فقد إرتكزت بعض المواقف المعترضة والتي جاءت على شكل تعليقات على صفحتي، مرتكزة على فقرتين في نص بيان إعلان الحزب بالمشاركة، وخاصة في شقه الذي عرض فيه للظروف الإستثنائية التي تجري فيها الإنتخابات، حيث جاء في بيان الحرب :
{{أن البيئة العامة للانتخابات غير صحية، وغير سليمة، حيث لا يستقيم اجراء انتخابات برلمانية “حرة وديمقراطية” في ظل قانون الدفاع الذي يفرض قيوداً على الحياة العامة، وتتسلح به الحكومة لفرض توجهاتها وتمرير سياساتها التي تتصادم مع الحالة الشعبية.. ونحذر من الصعوبة بإجراء انتخابات نيابية نزيهة في ظل التعدي على حرية الرأي والتعبير، والتمادي في نهج الاعتقال السياسي والتغول على السلطات وتغييب دورها }}.
كما أشار بيان الحزب إلى “ضرورة تعديل قانون الانتخاب، بحيث يعتمد التمثيل النسبي والقائمة الوطنية المغلقة”!!
وأضافت اللجنة المركزية: {{إن غياب الجدية والرقابة على دور المال السياسي والتدخل الحكومي في الانتخابات يساهم في تكريس صورة سلبية عن سير العملية الانتخابية ومخرجاتها ويعيدنا إلى المراحل السابقة التي كانت تدار فيها الانتخابات النيابية بطريقة تفتقد للنزاهة والشفافية ولا تعكس تمثيلاً حقيقياً لإرادة الشعب}}. وفي فقرة أخرى جاء:
{{مفاعيل الأزمة التي نعيشها بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتحديات التي تواجهنا المتمثلة بالخطر الصهيوني تتطلب من الحكومة القيام بخطوات انفراج على الصعيد الداخلي لتهيئة الأجواء المناسبة للانتخابات..}}.
توصيف الحالة هذه، “ليست جديدة على خطاب الحزب ومواقفه وبرنامجه”، وهي موثقة في معظم أدبياته مؤخرا، وتم تأكيدها في التقرير السياسي الذي صدر مؤخرا عن إجتماع اللجنة المركزية قبل الأخير.
ويمكن إضافة؛ بأن الطبقة الحاكمة، من نيوليبرال وكمبرادور ومقاولين ومتنفذين من البيروقراط المتجدد، تبدو اليوم أكثر صلفا من أي وقت مضى، وتستحوذ على مركز السلطة والمال، وتتغول على كل السلطات مع تفشي الفقر والبطالة..
طبقة تستنزف ما تبقى من رصيد وطني لمؤسسات الدولة، وتأخذ الحياة السياسية والإقتصادية بيدها، وتحاول إظهار بأن مجرد إعلان القوى السياسية مشاركتها بالعملية الإنتخابية، وكأنه إنتصارا لسياساتها.. وتسعى حاليا لإدارة إنتخابات برلمانية شكلية، والسيطرة على مخرجاتها.
………………
بداية أصدقائي الأعزاء، كل التفهم لموقفكم الذي يدعو للمقاطعة. وللمصداقية؛ فقد كان خيار المقاطعة موضوعا أيضا على طاولة النقاش في إجتماعات المكتب السياسي، ثم في إجتماع اللجنة المركزية للحزب، وخضع لنقاش معمق وواسع ومسؤول، قبل أن تُقر المشاركة حسب الآليات الديمقراطية المعتمدة في هيئات الحزب.
…………….
لن أنطلق هنا من ترديد بديهيات مثل :
الأصل هو المشاركة، أو أن المشاركة هي إستحقاق دستوري، فهذا معروف للجميع، كما أننا نعرف بأن الحزب قد قاطع إنتخابات برلمانة سابقة، كما شارك في أخرى، وفي فختلف الحالات، كان قراره يرتكز على قراءة تعبر عن موقف سيادي، وتقديم المصلحة الوطنية العليا على المصالح الحزبية الضيقة، والحزب يمتلك تجربة وخبرة متراكمة وهامة في هذا المجال.
……………….
وللحقيقة نرى، بإن الإرث النيابي السلبي المتراكم، وضعف المجالس المتوالية، قد شكلا عامل شد سلبي، كما شكلا عبئا كبيرا على أكتاف القوى السياسية -المعارضة والموالية على السواء- وأدخلتا المجتمع في حالة من الإحباط المعيق، إنعكس على نسب المشاركة المتدنية جدا، وحالة من الإستنكاف الواسع، خاصة في الحواضر الكبرى.
ومنذ إنتشار وباء كورونا، تُسعِّر السلطة التنفيذية من سلبية هذا المناخ، وتقوم بتجميد عمل السلطة التشريعية العاملة، طوال ستة أشهر حتى الآن، وتقصيها بالكامل عن دورها الرقابي والتشريعي،
وتستهدف المؤسسات المجتمعية وتبطش في نقابة المعلمين، في مرحلة حرجة جدا من تاريخ البلاد.
……………..
أمام جملة الظروف القاهرة التي تمر بها بلادنا، وتجربة قانون الإنتخاب السيء.. لا توجد لدينا أوهام تجعلنا نعتقد بأن تغيرات جوهرية يمكن أن تطرأ على التركيبة النيابية القادمة، ولا حتى بزيادة نسبة المصوتين. كل هذه نراها حواجز معيقة، تشكل عوامل طرد سياسي، ولكننا إعتبرناها -من جانبنا- بأنها تشكل، تحديات حقيقية أمام القوى السياسية تضعها أمام خيارات صعبة، أقلهما ضرراً؛
** المشاركة في الإنتخابات، وإنتزاع حقنا -نحن والقوى الشريكة والحليفة- بإيجاد منابر ومنصات عمل ونقاط إشتباك سياسي في الميدان، وتفويت فرصة السلطة التنفيذية في محاولاتها لفرض وصايتها على القوى السياسية، أو تغييب القوى الفاعلة عن المشهد السياسي الوطني بالكامل.. لذلك نرى بأن فعل المشاركة في الإنتخابات:
** من شأنه تجويد العملية الإنتخابية للصالح الوطني العام، والإسهام في توفير فرصة تنتج تراكما إيجابيا في الإرتقاء بالحالة السياسية والإجتماعية المغيبة، فتكثيف نشاط القوى السياسية الفاعلة من أحزاب ونقابات وفعاليات وطنية، يشكل أداة ضرورية، وفرصة حقيقية لتعرية السياسات الحكومية، وتفعيل الحراك الشعبي، وإستنهاض الحالة الجماهيرية، وتحريك المياه الراكدة في أوصال الفعل السياسي**
** وتوفير فرصة لحضور الكوادر الحزبية الواعية والمجربة، والإرتقاء بأدائها، والقيام بجهود هادفة لإيصال عدد من الأصوات الواعية والفاعلة والنزيهة إلى المجلس النيابي**
تؤمن الأحزاب السياسية، بأن المشاركة في الإنتخابات، تعتبر محطة هامة في سياق العملية السياسية المتواصلة، ويهمها في هذه المحطة،
** أن تكون وسط المواطنين مهما كانت توجهاتهم.. تقدم لهم برنامجها، وتعرفهم بكوادرها الشبابية ودرجة وعيهم وإلتزامهم بقضايا الشعب والوطن، وتأتي العملية الإنتخابية أيضا، لسبر حجم الحضور الحزبي على المستوى الوطني**.
نشارك في الإنتخابات لنقول بصوت عالٍ: بأننا نرفض كل سياسيات التحالف الطبقي الحاكم، وإستمراره في التحكم برقاب البلد والناس، ونسعى إلى تحويل ضعف ثقة المجتمع بسياسات هذه الطبقة، وإنكشاف فسادها،
** إلى حالة نقمة واعية على طريق التحرك نحو الخلاص والنضال من أجل إصلاح إقتصادي وسياسي حقيقي، ومن أجل إنتزاع الحرية، وتوفير لقمة العيش الكريمة، والحق بعلاج عادل وتعليم مجاني، والتقدم والسيادة الوطنية**.
…………………
نذهب إلى المشاركة وأمامنا وطأة التحديات الوطنية الملحة على الكيان والوطن الأردني، والمتمثلة بالخطر الصهيوني الملموس، وصفقة القرن، وما يتفرع عنها من مفاعيل، ونشارك:
** من أجل تجميع الجهد الوطني، ضد ضم أراضٍ في الضفة الغربية، بينها غور الأردن، ومواجهة أخطار الترانسفير، والوطن البديل، وصفقة الغاز، ومفاعيل معاهدة وادي عربة.. تحديات تستوجب أن تكون كل القوى الوطنية في الميدان، وتعمل بين الناس ومعهم، بمسؤولية عالية، لتصليب وتعزيز الموقف الوطني الجامع والواعي والفاعل، لحماية الوطن ووحدته وسيادته**.
ضمن هذا الفهم يذهب الحزب إلى المشاركة في الإنتخابات البرلمانية،
** وسوف يسعى بكل جدية وقوة لكي تكون مشاركته فاعلة ومسؤولة، عبر قيام شراكة وتحالفات وطنية برؤى سياسية متقاربة، وتشكيل قوائم إنتخابية تعكس هذه الرؤى وهذا البرنامج**.