لماذا كل هذا الجدل حول قانون الضريبة؟!
تشهد الساحة الأردنية هذه الأيام جدلاً ونقاشات ساخنة، تشمل كافة الأوساط الشعبية والإعلامين
والاقتصادية والسياسية والحزبية، وعنوان هذا الجدل هو تعديل قانون الضريبة الدخل والمبيعات وهو التعديل الثالث منذ عام (2014).
ويشمل التعديل على قانون الضريبة تقسيم المكلفين إلى ثلاث شرائح، تخضع إلى نسب ضريبة دخل (5%) و(10%) و(25%).
وبحكم هذا التعديل يتم فرض ضريبة على دخل الشخص الاعزب فوق (500) دينار شهرياً وعلى المعيل فوق (1000) دينار شهرياً إلى جانب الايجارات التجارية بحيث يتم فرض ضريبة مقطوعة بين (7% _ 15%) على عقود إيجارات المنازل.
والقانون المعدل يأتي حسب تصريحات رسمية وإعلامية تماشياً مع توصيات صندوق النقد الدولي، لاحتواء العجز، وتخفيض الدين العام. بحيث يتم توفير (1.5) مليار دينار على مدى (3) سنوات. وهنا نلاحظ أن أول المستهدفين هم من يمثلون الطبقة الوسطى أو ما تبقى من هذه الطبقة ممن لم يتم المزج بهم إلى الطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل.
وهنا نقول أن على الدولة (وهنا نقصد الدولة غير الاشتراكية)، رأسمالية أو نامية، التدخل من أجل توفير الأموال لتغطية النفقات العامة وإعادة توزيع الدخل عن طريق فرض ضرائب بمعدلات مرتفعة على الطبقة الغنية، وإعفاء الطبقة الفقيرة من الضريبة أو فرضها بمعدلات منخفضة.
والضريبة التصاعدية هي الأداة الفاعلة لإعادة توزيع الدخل لأن تحصيل الاموال من الطبقات الثرية يتم استخدامه لتوفير الحاجات الأساسية للطبقات الفقرة والمحرومة، من خلال مساعدات اجتماعية وتأمين الخدمات الصحية والتعليمية والإسكانية.
نتحدث هنا عن ضريبة الدخل، أما ضريبة المبيعات، فالواجب إعفاء السلع والخدمات الأساسية من الضريبة التي تكون على تماس مباشر مع معيشة المواطن خصوصا الضريبة على المبيعات أو الضريبة على القيمة المضافة.
الأردن بصدد تعديل قانون ضريبه الدخل والمبيعات بحيث تتحصل الحكومة على مبالغ من الأموال لسد عجز الموازنة (وهو عجز هيكلي بالمناسبة) يصعب التخلص منه.
إذن الحكومة تعاني من عجز مالي، وقد لجأت إلى تعديل القانون أكثر من مرة منذ عام (2004) في محاولة فاشلة لمعالجة أزماتها الاقتصادية.
نشير هنا إلى أن الأردن وبناءً على اتفاق مع صندوق النقد الدولي مطالب بتوفير (520) مليون دينار، وهو مطالب (الأردن) بتحصيل (700) مليون دينار للوفاء بالتزامات متعددة، ولكي يوفر هذه الأموال أو جزء كبير منها لجأ إلى تعديل قانون ضريبة الدخل عن طريق توسيع القاعدة الضريبية او قاعدة المكلفين بحيث تشمل كل من يتوفر على دخل (500) دينار وفرض الضريبة أيضاً على كل من يتلقى أموالاً (على شكل تحويلات أو مساعدات) من الخارج كما تم رفع نسبة الضريبة على البنوك والشركات.
أما ضريبة المبيعات، فالحكومة تسعى إلى رفعها من (16%) إلى (22%) وهي تفرض على السلع والخدمات، وسوف تتسبب بمضاعفة الضغط على المواطن وإرهاقه، ومن الطبيعي أن يكون المعني هنا الشرائح الفقيرة ومحدودة الدخل، لأن الأثرياء هنا يتعاملون مع السلعة والخدمة بتفس القدر الذي يتعامل معه الشخص الفقير والمعدم. كانت عندما تشتري سلعة أو تحصل على خدمة تكون محملة بضريبة (16%) سواء كنت عنياً أو فقيراً، وعندما يتم رفع قيمة ضريبة المبيعات أو القيمة المضافة فكانك اشتريتها بسعر ارتفع (6%) بمعنى أن سعر السلعة أو الخدمة تم رفعه بطريقة غير مباشرة، هذا عدا رفع الأسعار بالطرق الأخرى.
والأردن كما أصبح معروفاً، لم يعد يتلقى المنح المعروفة من دول الخليج الثلاث السعودية والإمارات والكويت التي تعاني أوضاعاً اقتصادية صعبة أولاً، ولأنه لم يحسم موقفه من سوريا وإيران وتركيا بشكل يرضي السعودية، ولذلك لا يتوقع الحصول على أكثر من مليار دولار من هذه الدول في موازنة العام القادم (2018). وهو غارق في مديونية تشكل (95.1%) من الناتج المحلي الإجمالي، وفي عجز موازنة يفوق (1.2) مليار دينار وعجز ميزان المدفوعات وتراجع في معدلات التنمية بحيث توقعات الحكومة تشير إلى (2.5%) وهي أسوأ منذ عدة سنوات، ويترتب على هذه النسبة اللجوء إلى الاقتراض من جديد، وزيادة الضغوط على الموارد الطبيعية (معظمها تم بيعه للقطاع الخاص المحلي والاجنبي).
ونأتي إلى تعديل قانون الضريبة، وعلى فرض أن الحكومة تستطيع أن تتحرك على هامش ضيق وتنظر إلى ايجابيات وسلبيات التعديلات المتكررة للضريبة واسوأها توسيع قاعدة المكلفين في التعديل الاخير الذي سيطرح على مجلس النواب لمناقشته، ونسأل سؤالاً مشروعاً: إلى متى هذا التخبط في السياسات الحكومية؟؟ وإلى أين تقود هذه السياسات الأردن في ظل منطقة مترعة بالصراعات والحروب وتقاطر الدول الرأسمالية وعلى المنطقة لبسط النفوذ؟ لا تفكر واحدة من الحكومات المتعاقبة في الأردن بأن تمتلك ولو ذرة من الإرادة والشجاعة وتنزاح قليلاً عن الغرق في اقتصاد السوق والتجارة الحرة، حتى أنها أصبحت تزايد على ملتون فريدمان؟
الحكومة التي تمتلك ذرة من الرحمة والشفقة على مواطنيها تستعمل الضريبة لأجل توزيع الثروة بشكل عادل حتى لا تعرض البلد لصراعات اجتماعية، وضريبة الدخل التصاعدية هي الأداة الفاعلة لتحقيق ذلك، لأن تحصيل الأموال من الطبقات الثرية يتم استخدامه لتوفير الحد الأدنى والمقبول للحاجات الأساسية للفقراء، الذين كلما زاد فقرهم وتآكلت مدخولاتهم كلما زادت نقمتهم وحقدهم الطبقي.
وهنا نتذكر قول أحد المنظرين الاقتصاديين بأن ماركس لو بعث من جديد، وعلم بسياسات صندوق النقد والبنك الدوليين لاعتبرهما أكبر نصيرين في التعجيل بالثورات الاجتماعية.
سياسة هذين الصندوقين تقوم على ممارسة أشد الضغوط على قوة الفقراء، وطلباتها لا تخرج عن فرص مزيد من الضرائب، ورفع الأسعار، وإزالة الدعم عن المواد الأساسية، وبيع مؤسسات الدولة (الخصخصة) ورفع يد الحكومة عن التدخل في إدارة الاقتصادات الوطنية (اقتصاد السوق).
طبعاً صندوق النقد يضحك على حكومات الدول الفقيرة ويغريها بطلب القروض، وزيادة الضرائب، فمن خلال القروض يتحصل الصندوق الدولي على فوائد دائمة، وسياسياً يبسط هيمنته على سيادة الدول ويستحوذ على قراراتها السيادية.
اما الضرائب فتشعر الحكومات بانها تحصل على مال وفير وطائل، وهذا المال (أفيون الحكومات البرجوازية) يعميها ويجعلها لا تفكر بشيء، وذلك أن الضرائب تدمر اقتصاديات الدول ومجتمعاتها.
فمنحنى لافر المشهور (laffer curve) يرى أن كل ضغط ضريبي إضافي يسبب تراجعاً في المداخيل وبالتالي تباطؤ العمل والإنتاج وتراجع الاستثمارات ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر، وهذا ما يحدث في الأردن.
وحتى الفاعلين الاقتصاديين يقارنون بقصد أو بدون قصد بين جدوى كل وحدة عمل اضافية مع الدخل الناتج عنها، وهذا يؤثر بالتالي بشكل سلبي على مرونة الوعاء الذي تقتطع منه الضرائب.
زهناك ما يسمى (Supply Side Economics) في نفس النظرية (أفكار مدرسة جانب العرض) تربط كل ازمات الاقتصاد بارتفاع تكاليف الضرائب.
اما العالم الاقتصادي كروجمان (Krogman) فيرى أن أي اقتصاد يجب عليه تقديم خدمة للمستهلك أو منفعة مباشرة، وإلا فمن الجائز وصمه بالفشل الكبير.
فعندما تفرض الحكومة الضريبة على مذخرات المواطنين فإنهم يلجأون إلى اخفاء مذخراتهم وابعادها عن النشاط الاقتصادي.
الحكومة الاردنية لا تجرؤ على ملاحظة المتهربين من الضريبة ويبلغ حجم التهرب الضريبي سنوياً (700) مليون دينار، وبدلاً عن ذلك تذهب إلى المواطن ابو الــ(500) دينار لتفرض عليه ضريبة دخل، ان ذلك بمثابة قهر وتجويع واذلال، وهذا سلوك لا يمكن أن يكون له حل بالبعد الاجتماعي، إلا بتعميق الهوة الطبقية، وتكريس الانقسام الطبقي بحيث لن تكون هتاك طبقة وسطى تساعد على استقرار المجتمع لأن تعديل قانون الضريبة بالشكل المعلن عنه يذهب إلى هذه الطبقة، وتحويل المجتمع الأردني إلى طبقة من الأثرياء أصحاب الملايين لا يشكلون أكثر من (2.5%) والباقي مجموعات وشرائح من العبيد والمتسولين.