لآخر المستجدات تابعنا على قناة تلغرام

تابعنا
مقالات

لماذا كل هذا الاستهداف لفنزويلا البوليفارية؟!

مضى عشرون عاماً على انتصار القائد الراحل “هوجو تشافيز” في أول انتخابات رئاسية يخوضها، متبنياً في حينه، مشروع بناء “الجمهورية الخامسة” MVR، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والاستقلال الناجز، والفكاك من التبعية للهيمنة الإمبريالية، وصولاً إلى بلورة برنامج ومعالم الثورة البوليفارية، استلهاماً لفكر ومشروع محرر أمريكا “سيمون بوليفار”، في التحرر والوحدة للوطن الأمريكي الكبير، وبناء دولة الرفاه والمساواة. تدرج تطور التفكير والرؤية والبرنامج لدى تشافيز ليصل في نهاية المطاف إلى إعلان الثورة البوليفارية سعيها لبناء اشتراكية القرن الحادي والعشرين.
هذا النموذج القومي الديمقراطي الشعبي بحد ذاته، يمثل السبب السياسي – الأيديولوجي لقلق الإدارة الأمريكية وخشيتها، كونه جاء ليعزز محور اليسار الموجود والممتد أصلاً في أمريكا اللاتينية؛ وفي المقدمة كوبا، كدولة ومنارة ونموذج ثوري ملهم دائم للقوى والحركات الثورية في القارة، واليسار بتياراته وأطيافه المختلفة على امتداد القارة والذي كان خارج السلطة، شكلت فنزويلا البوليفارية قاطرة تبوأه في العديد من دول أمريكا اللاتينية لسدة الرئاسة، كإيفو موراليس في بوليفيا، وعودة الجبهة الساندينية للسلطة في نيكاراجوا، وفيرناندو وكريستينا كيشنر في الأرجنتين، ولولا دا سيلفا في البرازيل، و رفائيل كورييا في الإكوادور، وبيبه موهيكا في الأروغواي، والشروع في بناء نموذج تكاملي اقتصادي له مؤسساته وبرامجه وسياساته التحررية – المستقلة عن واشنطن، والبدء في تنفيذ مشاريع تضامن وتعاون بيني، للوصول إلى تحقيق مستويات مهمة من العدالة الاجتماعية، ومن الأمثلة الحسية على ذلك، عندما تم توفير النفط الفنزويلي لدول “البتروكاريبي” بأسعار تفضيلية مخفضة، ومشروع دول الالبا ALBA، والميركوسور Mercosur السوق المشتركة للجنوب، والشروع في تعزيز التعاون الاقتصادي مع منظومة الدول الصاعدة ومحورها دول البريكس.
السبب الثاني، وهو شديد الأهمية والحيوية، ويمثل السبب الاقتصادي لأطماع الإمبريالية الأمريكية، ويقف أيضاً خلف هذا الاستهداف والتصعيد العدواني الشرس ضد فنزويلا البوليفارية، فما تمتلكه فنزويلا من كميات هائلة من مصادر وثروات طبيعية متنوعة، يفسر هذه الشراسة والاستعجال الأمريكي – الترامبي للانقضاض على الثورة البوليفارية وإسقاطها وتنصيب حكومة دمى تابعة لقرارت واشنطن وإملائاتها.
ففنزويلا تمتلك أكبر مخزون في العالم من أحد أهم مصادر الطاقة غير المتجددة، وهو النفط، ففي العام 2017 تبين ومن خلال الدراسات المسحية الجيولوجية المؤكدة، امتلاك فنزويلا لأكثر من 300 ألف مليون برميل نفط، متقدمة بذلك على السعودية التي تأتي في الموقع الثاني، وهذه الكميات قابلة للاستخراج بالتقنيات المتوفرة حالياً .
كذلك امتلاك فنزويلا لمخزون طبيعي كبير من المعادن الثمينة وفي مقدمتها الذهب الأصفر Gold ، حيث أن المعطيات المتوفرة لدى وزارة التعدين والمناجم الفنزويلية الآن، تقدر احتياطي البلاد من هذا المعدن بما يزيد على 8 آلاف طن، لتضع فنزويلا في الموقع الثاني بعد الولايات المتحدة التي تمتلك بحدود 10 آلاف طن من هذا المعدن .
ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى ما كان القائد الراحل تشافيز أعلنه في العام 2010 بخصوص اكتشاف مخزون كبير من معدن Coltan، وهو معدن ذو أهمية استراتيجية، ويعرف باسم الذهب الأزرق، ويستخدم في تصنيع مكثفات الشوارد التي تعمل بها أجهزة الحاسوب المحمول والخليوي، وأجهزة التصوير، وأجهزة الصوت، والتلفاز، ونظام تحديد المواقع العالمي ال GPS، وغيرها.
كذلك فالمعطيات المؤكدة لدى وزارة التعدين والمناجم تبين توفر مخزونات كبيرة من الماس والكربون، وهي بحد ذاتها ذات اهمية استراتيجية في العديد من الصناعات، وتشكل مصدراً كامناً مهماً للدخل بالعملة الصعبة وتمويل المشاريع الراسمالية والبنية التحتية والخدمات.
إضافة إلى ما تمتلكه فنزويلا من ثروات طبيعية وتنوع بيئي كبير ومخزون مياه عذبة، ما يمتعها بقدرات هائلة للإنتاج والاكتفاء في مجال الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي.
في ضوء هذه المعطيات، نستطيع التأكيد أن الولايات المتحدة الأمريكية الإمبريالية تعتبر أن احترام سيادة فنزويلا البوليفارية واستقرارها السياسي واستمرار مشروع الثورة البوليفارية في السلطة يتعارض مع ويقف في الضد من مصالحها “القومية” الاستراتيجية. فالهوى والتحالفات السياسية والاقتصادية لفنزويلا البوليفارية، تقع خارج حدود الهيمنة الأمريكية، وفنزويلا تقف في خندق التحالف والتعاون مع ألد أعدائها الاقتصاديين، الصين وروسيا، وهذا التحالف والتعاون خارج القرار والهيمنة الأمريكية، يعني مزيداً من تعزيز عناصر القوة والمنافسة والنفوذ لمنافسيها الصاعدين في العالم.
كل هذه العوامل تشكل عناصر قوة وتعزيز للموقع الاستراتيجي الجيوسياسي لفنزويلا، فهي مفتاح القارة اللاتينية وتسيطر على إحدى طرفي باب خليج المكسيك الغني بالنفط أيضاً، كما أن فنزويلا البوليفارية من وجهة نظر الإدارة الأمريكية تشكل خطراً كامناً قد يؤثر على الجارة الحدودية المحاذية، كولومبيا، التي تحوي 8 قواعد عسكرية أمريكية كبيرة، وتعتبر الحليف الأول والأبرز للإدارة الأمريكية، وهي بمثابة “الكيان الإسرائيلي” في نصف الكرة الغربي، فإذا ما انتقلت السلطة في هذا البلد لليسار، وكاد ذلك أن يحصل في أكثر من محطة انتخابية رئاسية، فسيعود للواجهة مشروع سيمون بوليفار الذي لم يتحقق قبل أكثر من 200 عام، بنسخة محدثة وجديدة، حيث أن كولومبيا وفنزويلا شكلتا الجزء الأكبرمما كان يعرف حينها (حقبة سيمون بوليفار) ب “كولومبيا الكبرى” Gran Colombia إذا اضفنا لها بنما والإكوادور. لقد كانت كولومبيا الكبرى، في مشروع سيمون بوليفار، قاطرة التحرر من الاستعمار الأسباني ووحدة القارة الأمريكية.
إن استمرار الثورة البوليفارية وانتصارها السياسي واستقرارها الاقتصادي يعني ببساطة فتح الطريق أمام عودة الحلم والمشروع التحرري لسيمون بوليفار مُحَدَثاً إلى حيز الواقع، وهذه المرة لتحرير القارة الأمريكية من الاستعمار الامبريالي الأمريكي وهيمنته وعنجهيته الفجة، ويفتح الطريق أمام مشروع تكاملي وحدوي أمريكي لاتيني، ما يشكل ضربة استراتيجية كبرى للهيمنة الأمريكية، ليس فقط في القارة وما كان يعرف بحديقتها الخلفية، بل في العالم.

بواسطة
د. عصام الخواجا
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى