لا معارضة سورية حقيقية في جنيف/ بقلم: جهاد المنسي
كشفت مشاورات جنيف، التي ترعاها الأمم المتحدة بين الحكومة السورية والمعارضة، هشاشة وتشظي وانشقاق ما يعرف بـ”الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن المعارضة السورية”، والتي يطلق عليها إعلاميا “معارضة الرياض”، وضياع بوصلتها، ومدى ارتباطها بدول إقليمية ودولية، وتحكّم تلك الدول بها من الالف حتى الياء.
في جنيف، تكشفت أوراق اللعبة ورقة تلو أخرى، وتجلى تشظي وضياع بوصلة الهيئة العليا للمعارضة، وعدم توافقها على رؤية محددة، وضياعها بين عواصم قرار دول إقليمية ودولية، فبات المراقب والمشاهد يعرف أن قرار المتواجدين في جنيف من بعض أصناف المعارضة، ليس بأيديهم، وإنما بايدِي جهات أخرى، لم تحضر إلى سويسرا.
مشكلة اولئك الجالسين في فنادق جنيف، بُعدهم عن الواقع، فهم لا يملكون حضورا على الأرض، وقرارهم ليس بأيديهم، وبعضهم يملك الفم فقط ليقول، والأنكى أنهم يرفضون حضور معارضين حقيقيين، ويضعون “فيتو” عليهم بحجج واهية ومبررات فاشلة.
بعض من ذهب إلى جنيف من المعارضة، اتضح أنهم ذهبوا ليس ليفاوضوا أو يحاوروا، وإنما للجلوس على البحيرة والتنعم بفنادق الخمس نجوم، ومن ثم لا بأس من الكلام قليلا للإعلام عن مجاعة مضايا، من دون أي كلام عن مجاعة دير الزور مثلا، ومن دون أي إدانة لتفجير السيدة زينب، الذي أوقع 70 مدنيا بريئا، وكيف لهم إدانة تفجير إرهابي من هذا النوع، وهم يعرفون أن من بينهم من يدعم الإرهاب ويدافع عنه.
الجالسون في جنيف منعوا معارضين حقيقيين من القدوم لسويسرا للتفاوض، وليس للتنزه أو إضاعة الوقت أو التقاط الصور أمام العدسات، فمنعوا هيثم مناع بعد أن دفعوه لرفض الحضور، ومنعوا غيره من الوطنيين السوريين الأحرار والعلمانيين والاكراد، الذين يعرفون معنى المعارضة الحقيقية وخبروها وتعاملوا فيها، ويعرفون معنى أن تكون وطنيا وليس تابعا لأحد أو مرتهنا لعاصمة.
المعارضون العلمانيون الحقيقيون لم يلتحقوا بركب المشاورات حتى الآن، وبعضهم لم يحضر لجنيف، فأحيانا يكون صوت الحق خافتا، عندما يكون الشيطان يتحكم في مقاليد اللعبة، ومن ثم يعلو هذا الصوت عندما يندحر الشيطان وينهزم، ويعرف أن أوانه قد أفل، وأن ورقته قد سقطت وأن جنوده الذين أحضرهم من كل صقاع الأرض لقتل الشعب السوري فروا هاربين. وما يجري حاليا على الأرض السورية يؤكد أن المعارضة الحقيقية هي التي ستبقى في جنيف، فيما سيولي الآخرون مهرولين هاربين، يجرون خيبة مساعيهم، التي عملوا عليها طوال 5 سنوات، والمتمثلة في تفتيت الوطن السوري الواحد، وحل مؤسسات الدولة.
حتى الآن، فإن المعارضين الحقيقيين غابوا أو غيبوا عن جنيف، ليس لأن الدولة السورية رفضت حضورهم، وإنما لأن بعض أصناف من تسمي نفسها بالمعارضة، رفضت حضور معارضات أخرى، فهم يخافون أن يخطف منهم الحقيقيون اللحظة، وبالتالي ينكشف أمرهم، ويعرف العالم أن بعضهم معارضة اسمية وشكلية وكرتونية وإرهابية، فكيف لهم أن يكونوا معارضة بحق وهم تشكلوا في أماكن ودهاليز لا تعرف معنى المعارضة ولا تعترف بها.
في جنيف خلال الأيام الماضية، تواجد وفد المعارضة السورية، ووفد الدولة السورية، دون أن يجري بينهما أي مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة، واكتفى الطرفان بلقاء المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي مستورا، كلا على حدة، وطرح وجهتي نظرهما في مؤتمرات صحفية متوازية.
عمليا فان المباحثات الحقيقية والواقعية ستبدأ عندما يكون للأكراد والعلمانيين ومعارضة الداخل السوري مكان في المفاوضات، وعندما تنزع أطياف أخرى من المعارضة السورية عنها ثوب تنظيمات إرهابية، أحضرتهم إلى سويسرا وتريد إجلاسهم على طاولة المفاوضات، مثل جيش الإسلام الإرهابي، وربما غيره.
محاربة الإرهاب هي الهدف الأساس لمفاوضات جنيف، وهذا الهدف لا يمكن أن يتحقق بوجود إرهابيين على طاولة المفاوضات، وإنما يتطلب تحقيقه وجود معارضين مدنيين علمانيين، يشكلون كل المكون السوري، هدفهم الوصول لسورية ديمقراطية حرة، بلا محاور وبلا اصطفافات إقليمية.