كيف يفكر نتنياهو في مواجهة العزلة التي يعيشها الكيان الصهيوني؟

صرح نتنياهو بأنه سيضطر إلى التكيف مع هذا الحال، أي حال العزلة، واعتماد اقتصاد “أوتاركي” (الاكتفاء الذاتي)، وأن تصبح إسرائيل “إسبرطة” عظمى. الوقوف أمام هذا التصريح مسألة في غاية الأهمية.
أولًا: هو لم يسأل نفسه عن سبب العزلة التي يعيشها الكيان، ولماذا هو مطلوب للمحاكمة في المحكمة الجنائية الدولية، بل تهرب من ذلك وراح هو وقرينه ترامب يكيلون الاتهامات للشعب الفلسطيني الذي يعانون من الذبح والتجويع. بدلاً من النظر في المرآة ومشاهدة وجوههم وعزلتهم، ويصر ترامب على تعميق العزلة من خلال حق النقض (الفيتو) الذي استخدمه لمنع قرار من مجلس الأمن يطالب بوقف الحرب. 14 دولة في مواجهة أمريكا، نفس السلوك الأمريكي والعزلة الأمريكية في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ثانيًا: هذا التصور الذي يطرحه نتنياهو باعتماد نهج الأوتاركية كان قد أسس لنقيضه في السبعينات من القرن الماضي في أول حكومة له.
ثالثًا: الأوتاركية هو مفهوم اقتصادي انغلاقي يقوم على الاستغناء عن الغير وعدم التعامل مع الآخرين، وهو مفهوم يشبه الرد على الانفتاح الاقتصادي.
رابعًا: هذا التصريح في جوهره لا يختلف عن شعار ترامب “أمريكا أولًا” و”أمريكا عظيمة” الذي رفعه في حملته الانتخابية والتي بدأها بتشريعات اقتصادية من خلال فرض رسوم جمركية خيالية، والحد من الهجرة، والحرب على المهاجرين. هذه السياسة في جوهرها تتناقض مع مفاهيم العولمة التي بشرت بها أمريكا وبريطانيا وفرضتها على العالم. وتسعى أمريكا لجعل نفسها عظيمة من خلال منطق القوة وفرض رؤيتها على العالم.
أما “إسبرطة العظمى”، فبالرغم من أن الكيان يشبه نفسه بإسبرطة، ورغم القوة التي امتلكتها والفلسفة العسكرية التي سارت عليها (مجتمع محارب)، حيث اعتبرت التغيير فيها مرفوضًا لأنه يؤثر على تماسك المجتمع، إلا أن التاريخ لا يتحدث عن إسبرطة إلا من خلال هذه الرؤية العسكرية.
خامسًا: هذه صورة إسبرطة في مواجهة أثينا، التي رفعت من شأن الجدل الفلسفي والفنون. بقيت آثارها وفلاسفتها من سقراط وأفلاطون وأرسطو إلى يومنا هذا. بل إن أوروبا تعتبر نفسها سليلة المعجزة اليونانية (الأثينية)، بينما لا نتذكر من إسبرطة إلا الحروب.
سادسًا: نتنياهو مهووس باستحضار نماذج أجداده من المجرمين مثل يوشع بن نون وملوك إسرائيل، وهو يسير على دربهم افتعال الحروب، ليخلص نفسه من عقدة الفساد والرشوة التي تطارده.
مهما يكن من أمر، علمنا التاريخ البعيد والقريب أن الاستعمار والقوى الاستعمارية مهما بلغت من القوة والإجرام، فإنها مهزومة وزائلة، كما حدث مع فرنسا في الجزائر، وأمريكا في فيتنام، وأفغانستان، والعراق. وشعبنا ومقاومتنا تنتصر مهما بلغ الإجرام.