كيف سيحسم الأردن خياراته المُرّة في الجنوب السوري؟ وأية كلفة سيدفعها داخلياً وخارجياً؟!
ما زال الصراع الدولي في الجبهة الجنوبية السورية قائماً, بل وزاد التوتر والاستنفار السياسي والعسكري بعد الجولة التي قام بها الرئيس الامريكي دونالد ترامب للمنطقة, والتي كان أهمها زيارته للمملكة العربية السعودية, و تزعمه نقاشات “قمة الرياض”.
تأتي زيارة ترامب للسعودية بهدف إعداد حلف إسلامي سني قوامه دول خليجية وعربية بقيادة أمريكية, حيث سيكون دوره خوض الحروب الطائفية ومحاربة “إيران الشيعية” وحزب الله وبدعم من دولة الاحتلال الإسرائيلي. الأردن كان مشاركاً بقمة الرياض و شاهداً على تمرير الكثير من الرؤى والتوجهات الأمريكية للمنطقة, وفي المقدمة منها المساواة بين محور المقاومة المتمثل بسوريا وحزب الله وإيران وقوى المقاومة الفلسطينية مع داعش والعصابات الإرهابية.
جبهة الجنوب السوري: سخونة وسباق دولي
العقيد ركن المتقاعد سالم العيفة الخضير, أمين سر اللجنة الوطنية العليا للمتقاعدين العسكريين يؤكد في حديثه لـ نداء الوطن أن التطورات المتسارعة والسباق المحتدم بين القوى العسكرية في بادية الشام المحاذية لحدودنا الشمالية، يؤشر على تزايد الأهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة, وذلك لقربها من منطقة الركبان التي تضم أكثر من مائة ألف لاجئ، والذين يعتبرون حواضن لعائلات وعناصر تنظيم داعش.
ويضيف العيفة أن الأردن ومنذ اليوم الأول لاندلاع الأزمة السورية وهو في حالة تأهب واستعداد, ذلك لأنه جزء من سوريا الكبرى و لتخوفه من فيضان داعشي, عند استئصال داعش من الرقة والموصل والإطباق على أماكن تواجدها المحاذية من الحدود الأردنية.
تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الأردن كان مشاركاً بصفة مراقب في الجولة الثانية لمباحثات أستانة التي جرت في العاصمة الكازاخية, وقد شدد الوفد الأردني على ضرورة شمول “الجبهة الجنوبية” باتفاق وقف إطلاق النار, حرصاً منه على الحدود الشمالية للمملكة, ولكن يبدو أن الحجيج إلى السعودية و سياسة الرجل الأبيض التي شهدت معارضة كبيرة أثناء الحملة الانتخابية لترامب من الديمقراطيين فيما يخص التقارب من روسيا و الحرب في سوريا, يبدو أنها تريد أن تضمن جولة انتخابية جديدة ورضا الحزب الديمقراطي.
العيفا: التدخل العسكري الأردني أمر غير مقبول شعبياً, لأنه يعد كارثياًو انتحاراً سياسياً
الرفيق احمد طوالبة, عضو اللجنة المركزية في حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني يؤكد في حديثه لـ نداء الوطن أن المنطقة تعيش منذ فترة ليست بالقصيرة حالة من الاستقطاب الطائفي بفعل العامل الأمريكي أولاً و العامل الإقليمي ممثلاً بـ “اسرائيل” وتركيا ودول مجاورة ثانياً. وهذا يرجع لأسباب عدة, منها محاولة انتاج سايكس-بيكو جديدة و لكن ليس على أساس جغرافي فحسب و انما على أساس إثني وديموغرافي بهدف إحكام السيطرة على موارد المنطقة وبالتحديد مصادر الطاقة وتحقيق المزيد من الأمن للكيان الصهيوني وترجمة لاستراتيجيته التي أعدها (أوديد ينون) في الثمانينات.
المناطق الآمنة: خفاياها وفرص نجاحها
ويرى الرفيق الطوالبة بأن زيارة ترامب للسعودية و التقاءه بأقطاب مؤتمر الرياض قد جاءت تتويجاً لتحقيق حلم صهيو-أمريكي لمواجهة الخطر المفترض أمريكياً وهو ايران, ليس فقط من أجل إمكانية التدخل في الجنوب السوري، وإنما للتدخل في كبح جماح أي حركة من شأنها تقويض المشروع الأمريكي-الصهيوني في المنطقة.
قيام منطقة آمنة على الحدود الشمالية للأردن، يبقى رهناً باستراتيجية الرئيس الامريكي في سوريا, إلى جانب صمود الجيش العربي السوري وحلفائه. وبالنظر إلى أهمية الدور الأردني في إنشاء المناطق الآمنة في سوريا, فقد ناقش ترامب خلال زيارة العاهل الاردني الولايات المتحدة في شباط الماضي إمكانية ذلك.
مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن (ديفيد شينكر) يؤكد بأن مشروع المناطق الآمنة في سوريا ما زال احتمال بعيد المنال في الوقت الرهن, ويضيف بأنه فيما لو أذعنت إدارة ترامب لبقاء الاسد في دمشق, فيجب أن تحصل على شيء في المقابل, وهو انتزاع مساحات جغرافية في الجنوب السوري يسيطر عليها “الجيش السوري الحر” و ميليشيات أخرى غير إسلامية, حتى لو كان الأمر يجعل بشكل أساسي “أراضي الاسد” دويلة صغيرة. وقد ترفض موسكو ذلك يضيف شينكر, لكن يجب على واشنطن أن تصر على قيام الميليشيات السورية المدعومة من الغرب بتأمين المنطقة الآمنة على الأرض.
التدخل الأردني: خطوة محفوفة بالمخاطر
وحول الدور الأردني في معركة الجنوب، يؤكد العقيد ركن المتقاعد الأستاذ سالم العيفة أن “الأردن لا يفكر بأي تدخل عسكري في الجنوب السوري، وقد وجهنا باسم اللجنة الوطنية العليا للمتقاعدين العسكريين عدة تحذيرات منذ اندلاع الأزمة بأننا لن نقبل بأي مواجهة إلا مع الكيان الصهيوني عدو الأمة العربية و الأردن, بانتظار مصير المناطق الآمنة، و استجابة الفاعلين في سوريا للمطالب الأردنية المتمثلة بحماية الحدود من الميليشيات الإرهابية، وعدم تهديد داعش أو امتدادها للاردن. وبالمقابل، الأردن هو جزء من التحالف الدولي ضد الإرهاب، وفي حال إقحامه في المعركة، يجب أن لا تتعدى مشاركته وتدخله الأمور اللوجستية و الاستخباراتية “
من جهته، يؤكد الرفيق احمد طوالبة على أن احتمالية زيادة فرصة التدخل في الجنوب السوري بعد قمة ترامب في الرياض تخضع لعدة اعتبارات دولية وإقليمية ولصمود الجيش لعربي السوري و حلفائه في الميدان, وتحقيق المزيد من الإنجازات على الأرض, فالموقف الاردني يخضع لحسابات دقيقة, سيما وأن البلاد تعيش أزمة اقتصادية متفاقمة و متصاعدة بسبب المديونية المتراكمة و الاحتقان الشعبي نتيجة لذلك”
و يؤكد العقيد ركن سالم العيفة الخضير بأن تباين المواقف بين الدول العربية بخصوص الأزمة السورية واضح, فلا يمكن أن يلتقي الموقف المصري مع الموقف السعودي, فالسعودية لها مصالح مشتركة مع تركيا و هي متخوفة من الوجود الايراني في المنطقة, و مصر لها مخاوف من تركيا, حيث أنها الحاضن للإخوان المسلمين، ولها مصالح مع إيران وتعتبر سوريا عمقاً لها. والأردن له مصالح مشتركة مع كل من السعودية و مصر بحكم موقعه الجيوسياسي وأوضاعه الاقتصادية. بالمحصلة الأردن و مصر يلتقيان في الموقف من دمشق، بينما السعودية تقف في الخندق المعادي للدولة السورية .
الطوالبة: الحكومة الأردنية مطالبة بعدم الانجرار لمخططات هدفها حماية “اسرائيل”و تدمير الأمن القومي العربي
ويتفق الرفيق أحمد الطوالبة مع ما ذهب اليه العقيد العيفة, ويؤكد بأنه و بالرغم من اختلاف المواقف بين مصر والأردن في الجزئيات فهما والسعودية لن يخرجوا عن الموقف الامريكي.
و يشدد العقيد الركن سالم العيفة على ضرورة ” فتح خطوط دبلوماسية مع الروس والقيادة السورية وفهم تصورهم للمناطق الآمنة, لأن الأردن في وضع حرج وحساس ولا يحسد عليه, فلا بد من إقناعهم بخطر تواجد الميليشيات في إدارة هذه المناطق, وحين يصبح الجنوب السوري منطقة دولية آمنة, يتواجد فيها مراقبون وربما قوات فصل، فلا بد أن يكون الأردن جزءاً أصيلاً من ذلك. فحماية مصالحنا الأمنية أمر مطلوب و لكن كل ذلك يجب أن يتم بالتنسيق مع القيادة السورية وأن يمارس الأردن كل أنواع الحذر في كل خطوة, لأن الأردن هدف للتنظيمات الإرهابية”.
و حول ذات المسألة يشدد الرفيق احمد طوالبة بمطالبته الحكومة الأردنية بعدم الانجرار لمخططات هدفها حماية “اسرائيل” و تدمير الأمن القومي العربي خدمة لذلك. و يؤكد الطوالبة على أن دوام استقرار الأردن في محيط متلاطم الأمواج يكمن سره في النأي به عن الأحلاف المشبوهة والعمل على حل أزمته الاقتصادية من خلال تشكيل حكومة إنقاذ وطني. فالاحتقان الشعبي قد ينفجر نتيجة أي قرار لا يصب في مصلحة الشعب, و لكن الى أي مدى يمكن أن يؤثر ذلك؟ هذا يرجع إلى مستوى الرد و قدرته على تطوير ذاته بفعل قواه الحية.
العقيد ركن سالم العيفة الخضير يتوافق مع ما طرحه الرفيق الطوالبة، ويضيف “بأن أمن واستقرار الحدود أولوية أردنية, والأردن من أول الداعين للحل السلمي والسياسي, ذلك لأن الأردن معني بوحدة سوريا و الدفاع عن أمن و استقرار حدوده و حمايتها, فالتدخل العسكري أمر غير مقبول شعبياً, لأنه يعد كارثياً و انتحاراً سياسياً, ومن منطلق المحافظة على أمن و استقرار الأردن, في حال أن الظروف الاقليمية و الدولية أجبرت الاردن على التدخل, فلا بد ان يتم ذلك بالتنسيق مع القيادة السورية.
تجدر الإشارة إلى أن رئيس هيئة الأركان المشتركة, الفريق الركن محمود فريحات وخلال رعايته مأدبة إفطار لعدد من المتقاعدين العسكريين قبل أيام، نفى وجود أية نوايا أردنية للتواجد أو الدخول العسكري في الأراضي السورية .