مقالات

كاسترو .. جماليات الثورة بكل تجلياتها !! / د. موسى العزب

الوقت؛ منتصف السبعينات، ولم أعد أذكر السنة بالتحديد، ولكن الفصل كان شتاءا، وشتاء الجزائر لطيف ودافئ نسبيا، وشمسها غالبا ما تنسل حانية ناعمة من بين سحبه الخفيضة !
المكان؛ الحرم الجامعي ، في الهواء الطلق يلتف الجمع حول ملعب متواضع لكرة السلة، بينما فريقان من الأصدقاء يقيمان مباراة ودية رتيبة!!
توقف الجميع فجأة.. نعم ظهر بالقرب من الملعب الكوماندان فيديل كاسترو بقامته الشاهقة ولباسة العسكري يسير نحو الملعب ممسكا بيد الرئيس هواري بومين بجبهته الواسعة ووقاره المعهود، ويضع على كتفيه عباءة مغاربية واسعة، يرافقهم ثلة قليلة من المرافقين!!
توقف اللعب وخف الطلبة الخطى بحماس عفوي نحو الضيوف المفاجئين ،،، أشار عليهم كاسترو بيده وحركات من رأسه بالعودة إلى الملعب، حيى الجمع بسرعة وبصوت عال.. خلع سترته العسكرية وبيريه الرأس، وضعهما على مقعد حجري بجانب الملعب، وإستأذن من اللاعبين أن يشاركهم اللعب!!
سخن الجو، تقاطر عشرات الطلبة لمشاهدة مباراة نادرة لم يشاهدوا يوما مثيلا لها .. توزع الفريقان على طرفي الرقعة الإسفلتة.. وبدأ تبادل الكرة بشكل سريع وحماسي، ربع ساعة من اللعب الرجولي، لا مجاملات ولا هدايا مجانية، ضجت الجموع بالتصفيق والصفير كلما كان الكومندان يمرر كرة جميلة أو يسجل سلّة.. حتى الرئيس بو مدين تخلى عن وقارة، وبدأ يتحرك على جانب الملعب ويشجع بلهجته الجزائرية الحادة، ويشارك الجميع بالتصفيق والتلويح!!
سار الضيفان في المقدمة تبعهم الجمع بتظاهرة عفوية إلى كافتريا الحي الجامعي، أخذ الجميع ما تيسر من مقاعد متوفرة صُفت على عجل في طرف القاعة، بينما إفترش الآخرون الأرض الباردة بعدما دسوا تحتهم كتب وحقائب وملابس زائدة.. وقف الرئيسان أمام المهرجان العفوي، فأشار بومدين لكاسترو بالتقدم والكلام .. بدت هامتة مرتفعة ممشوقة، تحدث بالإسبانية مع الترجمة المرافقة لحوالي نصف ساعة، سرد تجربة كوبا بإختصار، ثم أطال حول تجربة الجزائر وأثنى عليها بشدة وإعتبر الثورة الجزائرية ملهمة وقائدة لحركة التحرر العالمي، وقال: لولا إحتضان الجزائر لقوى التحرر والحرية من فيتنام إلى تشيلي مرورا بأمريكا اللاتينية وأفريقيا، لما شهدنا صعود هذا التيار الجارف للإستقلال الوطني!!
بدى وجه كاسترو متوهجا، وظهرت قطرات التعرق تنز من جبينه، تراجع خلف بومدين وشكره، وتركه ليتكلم.. لم يتقدم الرئيس، أصر على الوقوف إلى جانب رفيقه ممسكا بيده!!
رحب بالضيف الكبير، وحيى الجميع، وقال بأن كوبا كانت المثال الملهم للتحدي والصمود والوفاء والعطاء رغم الحصار وضيق الحال، ولن أضيف على كلام الكومندان الكثير، هو ليس ضيفا، فهو صاحب بلاد وشريك في التجربة !!
هذه اللحظات القصيرة الساحرة طبعت نفسها بشدة على عدد كبير من الحضور

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى