قلق أمريكي من تصاعد الحراك الشعبي الأردني وشعاراته
عطفاً على تقرير مجلة “ناشونال إنترست” تحت عنوان “أمن واستقرار الأردن على المحك”، نشرته على صفحتها قناة “الحرة”، تقول فيه أن “الاضطرابات الشعبية (في الأردن) ضد العلاقات مع إسرائيل، والاقتصاد المضطرب”، يجعلان الأردن عرضة “لأنشطة إيران وداعش الخبيثة”، وأن “الاحتجاجات واسعة النطاق في الأردن” تضع “مكانة المملكة كمعقل للأمن والاستقرار في المنطقة على المحك”، ويستطرد التقرير، الذي أعدته إميلي ميليكين وكيتلين ميلر هولينغسورث، محذراً من “اضطرابات شعبية تجعل المملكة عرضة لأنشطة إيران وداعش”!!
وتستعرض الكاتبتان أن “الاحتجاجات الحالية تهدد الاستقرار الإقليمي ولا ينبغي التغاضي عنها”، وأبرز ملامحها، “عدم رضا الشعب الأردني عن علاقة حكومته مع إسرئيل…” وخروج “آلاف المتظاهرين الأردنيين إلى الشوارع لانتقاد سياسات الحكومة تجاه إسرائيل، بما يشمل استخدام الأراضي الأردنية كممر بري لنقل البضائع” وهتافات المتظاهرين باعتبار “الجسر البري خيانة”، واصطفاف الشبان في “سلاسل بشرية لمنع الشاحنات من عبور الحدود الأردنية الإسرائيلية”، والدعوات التي “نادت بإضرابات عامة أو الخروج لاحتجاجات”، و “انتظام التظاهرات التضامنية مع الفلسطينيين، ومطالبتها بإغلاق سفارة إسرائيل لدى عمّان وإلغاء معاهدة السلام الموقعة معها عام 1994”.
يتخوف التقرير من أن “انتشار الاضطرابات وزعزعة استقرار الحكومة في عمان، قد يعني أكثر من مجرد فقدان حليف موثوق للولايات المتحدة”، ودعا التقرير واشنطن “إلى خطة شاملة طويلة المدى لمنع طهران من بذل جهود مستقبلية مزعزعة للمنطقة”، وأنه على الولايات المتحدة والشركاء الخليجيين “مواصلة دعم المملكة بالمساعدات الاقتصادية والسياسية لتهدئة الاضطرابات وتشجيع الاستثمارات لضمان مستقبل أكثر استقرارا”، حتى لا يتحول الأردن من حليف إلى “عبء”.
المُشترك في محاور هذه القراءة، وما تخرج به من استخلاصات ومؤشرات وتوصيات، أنها تعكس مدى القلق الأمريكي من تصاعد الحراك الشعبي الأردني الكبير الداعم لغزة، والشعارات السياسية التي يتبناها، وفي مقدمتها مصير معاهدة وادي عربة، وكافة اتفاقيات التطبيع والعلاقات السياسية والاقتصاية القائمة مع الكيان الصهيوني، وتلمس التقرير لاتساع الفجوة بين الموقف الشعبي والموقف والأداء الرسمي المتواضع والهزيل بمنظور الشارع الأردني، الذي تبنى خطاباً سياسياً واضحاً وحازماً، تجاوز سقف خطاب الحكومة بفارق كبير منذ اليوم الأول، السابع من أكتوبر، فالجمهور الأردني احتشد بعد ساعات قليلة من عبور المقاومة الفلسطينية وانطلاق طوفان الأقصى في أقرب نقطة من سفارة الكيان الصهيوني، ساحة مسجد الكالوتي في الرابية – عمان.
يتضح لكل مراقب، وبعد قرابة ستة أشهر من طوفان الاقصى، أن كل محاولات السلطة التنفيذية للترويج لنفسها بأنها تقدم ما لم يقدمه أحد لدعم الشعب الفلسطيني لم يعد ينطلي على الغالبية الساحقة من الشعب الأردني، الذي يتمسك بذات مطالب اليوم الأول بقطع كل العلاقات مع الكيان الصهيوني وإغلاق سفارته وإلغاء كافة اتفاقيات التطبيع معه ودعم المقاومة.
ما تجنب التقرير الإشارة إليه، وبرأينا أنه ليس محضُ صدفة، مستوى الإلتزام الجماهيري الواسع بالمقاطعة لكل ما يمت لمنتجات الاحتلال الصهيوني وسلعه، ومنتجات الشركات التي تتعامل مع الاحتلال وتدعمه.
ان جيلاً فتياً بأكمله انخرط في ممارسة المقاطعة، رفض ويرفض سياسة التطبيع، واصبح هو حارسها والضامن للالتزام بها وعدم اختراقها، ويحولُ دون محاولات النيل منها بواسطة قلة من الكتاب ‘المدفوعين” للتشكيك بجدوى المقاطعة، لا بل وتحميلها مسؤولية ارتفاع معدلات البطالة وخسارة الشركات المحلية لأعمالها، وهو بالتأكيد مردود عليهم، لانه صحيح أن سياسة المقاطعة أسهمت وتسهم في اغلاق وانسحاب شركات ممولة للاحتلال، ولكن بالمقابل، دفعت باتجاه انتعاش شركات ومصانع السلع الوطنية البديلة وزياة اعداد العاملين والمستخدمين لديها، وهو تصويب جماهيري واعٍ لضعف المقاطعة سابقاً، وهذه بحد ذاتها حقيقة مشرفة بات الجميع يعرفها.
من الجدير بالتأكيد، أن لغة ومصطلحات هذا التقرير وكل ما شابهه ويصدر عن وسائل الإعلام الغربية الاستعمارية وفي مقدمتها الأمريكية، يتسم بأسلوب التضليل والتلفيق والانحياز للرواية الصهيونية، وإنكار الحقائق التاريخية والعيانية الحاضرة أمامنا كل يوم وبشكل فاقع منذ السابع من أكتوبر المجيد.
ولا نستغرب البتة هذا الخلط والتشويه المتعمد بوسم الحراك الشعبي الأردني الداعم لغزة والمتضامن مع المقاومة المشروعة للشعب الفلسطيني، باعتباره يوفر متاحاً ومدخلاً للتطرف الداعشي، وهي الأداة والفزاعة التي صنعتها الولايات المتحدة الأمريكية وجعلت منها معول تدمير في وطننا العربي من العراق إلى ليبيا، تقوم الآن بإشهارها في وجه بلدنا وشعبنا الأردني الباسل ليوقف حراكه وهبته الواعية والراسخة دفاعاً عن فلسطين وشعبها ومقاومته الأسطورية.
كما أن الدراسة تتعمد الخلط، والزج بأحد مكونات محور المقاومة الرئيسية، إيران، وهي التي قدمت وتقدم الدعم والإسناد الحقيقي للمقاومة الفلسطينية، بشهادة وتصريح قوى المقاومة الفلسطينية وقادتها كافة، والتي لا نزكي على شهادتها أحداً.
لقد فشلت محاولات خلط الأوراق وألاعيب التضليل والكذب التي اتبعتها ويتبعها الإعلام الغربي المتصهين أمام جملة الحقائق والثوابت التي صنعتها سواعد المقاومين وصلابة قيادة المقاومة وثباتها وصبر وتضحيات الحاضنة الشعبية الفلسطينة وبشكل خاص في غزة، وتغلب الاعلام البديل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، على الإعلام المهيمن عليه صهيونياً، لنقل الحقيقة بكل أبعادها، ما يؤسس لمرحلة نوعية جديدة، عنوانها: واقعية شعار تحرير فلسطين وتفكك وزوال هذا الاحتلال، في وقت سيكون أقرب مما كنا نتوقع قبل السابع من أكتوبر.
بالتأكيد، ان هذا الحراك الشعبي الأردني المستمر منذ ستة أشهر، بدأ يأتي أكله، ويتعزز كصانع لمتغيرات ارتقائية في المفاهيم والقيم، ومستحضراً للتراث الشعبي الأصيل والتاريخ الوطني العريق لشعبنا الأردني، الملتحم تاريخياً بالقضية الفلسطينية، والمشتبك مع المشروع الصهيوني، وهذا الأمر لم يعد يقتصر على الأردن فحسب، فبوادر عدوى تصاعد الحراكات الشعبية تتمدد لبلدان وشعوب وطننا العربي، وما تبادل المحاكاة والتناغم بين المتظاهرين في عمان والقاهرة والقاهرة وعمان إلا بارقة أمل تتجدد، فالشعوب والجماهير هي صانعة التغيير والتاريخ.