قراءة هادئة ومستحقة: عن التوطين، والوطن البديل/د. موسى العزب
مسؤولون كبار من الذين وقعوا على معاهدة وادي عربة، أو مكلفين بتنفيذ بنودها، ينكرون أو يتجاهلون أو يغفلون، هذا البند الإرتكازي في المعاهدة، ويصل تضليلهم إلى إطلاق تعهدات، تصل إلى رفض الإلتزام بما تم الإتفاق عليه!!
أو تعالوا لنقرأ بروية، ماذا عن توطين الفلسطينيين في الأردن،
كما ورد في معاهدة وادي عربه، ومن يتحمل المسؤولية!؟
التوطين هو أساس البند (٨) من معاهدة “السلام الأردنية الإسرائيلية” والذي يطرح ملف اللاجئين والنازحين بإعتباره قضية إنسانية وليس له صلة بحق العودة:
“ان الطرفين الإسرائيلي والأردني، يسعيان الي تحقيق مزيدا من تخفيف حدة المشاكل الناتجة عن اللاجئين”، وليس اللجوء نفسه كجذر للمشكلة وأساسها.
في الفقرة (٤) تتحدث المعاهدة عن حل مشكلة اللاجئين:
” من خلال تطبيق برامج الامم المتحدة المتفق عليها وغيرها من البرامج الاقتصادية الدولية المتعلقة باللاجئين والنازحين، بما في ذلك المساعدة على توطينهم”. انتهي الاقتباس.
هذا الموقف بالذات، عكس جوهر الرؤية “الإسرائيلية”، ووافق عليه الطرف الأردني بخفة أو سوء نية، ولم يمانع من “التوطين” حسب بنود المعاهدة.
مسؤولون كبار من الذين وقعوا على المعاهدة، أو مكلفين بتنفيذ بنودها، ينكرون أو يتجاهلون حتى اليوم، هذا البند الإرتكازي في المعاهدة، ويصل تضليلهم إلى إطلاق تعهدات في عدة مناسبات، تصل إلى رفض ما تم الإتفاق عليه، مثل؛
- كلا للتوطين!
- كلا للوطن البديل!
-كلا للتنازل عن الإشراف على المقدسات في القدس!
بينما نصوص المعاهدة قد أقرت موقفا متهافتا حول القدس، كما تم تثبيت التوطين في المعاهدة الإلزامية، مع إعطاء دور وواجب للأمم المتحدة في تسهيل هذا التوطين!!
ولكن السؤال البديهي هنا؛
لماذا فرض الجانب الصهيوني توطين اللاجئين في الأردن، على بنود الإتفاقية!؟
أليس أغلبية اللاجئين الفلسطينيين في الأردن قد تم توطينهم فعليا منذ مطلع خمسينات القرن الماضي، وإعتبروا مواطنون عاديون بحقوق وواجبات متساوية مع الجميع!؟
ولكن لماذا أصر ممثلو الكيان الصهيوني على فرض هذا البند على المفاوض الأردني، رغم أن الوقائع على الأرض لم تكن تستوجب تثبيت مثل هذا البند المفتعل!؟
في واقع الأمر فإن إقحام هذا البند في المعاهدة، أراد منه الجانب الصهيوني، فرض شراكة القرار “الإسرائيلي” على الدولة الأردنية في مسألة التوطين حاضرا ومستقبلا، وأن الأردن لم يعد يمتلك لوحده، السيادة في هذا القرار، أو العودة عنه!!
ولكن أيضا؛ وبشكل جوهري، هدفت “إسرائيل”، من الإصرار على ذلك، ((شطب حق العودة للفلسطينيين إلى وطنهم فلسطين، والقفز عن كل القرارات الدولية بهذا الشأن، وفك أي صلة تربط قضية اللاجئين بقرارات الشرعية الدولية والمؤسسات الدولية الداعمة، وان تتحول قضية اللجوء، إلى ملف إنساني على طاولة المفاوضات المتعددة الأطراف. وتخصيص قضية النازحين إلى اللجنة الرباعية التي شكلت من “إسرائيل” والأردن ومصر وسلطة الحكم الذاتي الفلسطيني!!
وبالتالي، تجزئة القضية الفلسطينية، وإبعادها عن إختصاص المنظمة الدولية، ومصادرة أي حق للشعب الفلسطيني في تقرير مصيرة، فوق ترابه الوطني!!
بند التوطين بالذات أراد من خلاله كيان الإحتلال، التخلص من مسؤوليته عن نكبة الشعب الفلسطيني بالتهجير والإستعمار، (لا عودة ولا تعويض)، وتحميل تبعات الإستعمار اليهودي الصهيوني الإستيطاني الإقتلاعي، على العرب والمنظمات الإنسانية الدولية. وفتح المجال أمام الترانسفير المستقبلي، وفوق ذلك، سرقة الأرض الأردنية، بترجمة ما يعنيه مصطلح “الوطن البديل”، ومن ناحية أخرى قوننة إحتلال الكيان للأرض الفلسطينية، وشرعنة موجات الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
هذا البند من المعاهدة، يعتبر من بين الأكثر خطورة، وأول وثيقة علنية، تقر فيها الحكومة الأردنية، بخضوع قرارها السياسي السيادي، إلى الهيمنة والعربدة الصهيونية، وإعفاء دولة الإحتلال، من مسؤولياتها السياسية والأخلاقية والقانونية من طرد وتهجير الفلسطينيين والإستيلاء على أرضهم وحاضرهم ومستقبلهم،
ومما يزيد من خطر هذه المعاهدة بالمجمل، وإستهدافاتها التصفوية للقضية الفلسطينية، وإنعكاساتها السلبية على الكيان والدولة الأردنية بــ؛
- تراجعها عن مرجعية مدريد، وقرارات الأمم المتحدة، والشرعية الدولية، في الشأن الفلسطيني.
- لم تأتِ المعاهدة بالمطلق على ذكر حقيقة إغتصاب الأرض الفلسطينية، وطرد شعبها!
- لم يشترط الجانب الأردني رفض التوطين، وإنصاع للإملاءات الصهيونية!
- لم يشترط الجانب الأردني إيقاف الترحيل والتهجير الفلسطيني، والتهديدات بالترانسفير.
- وافق الجانب الأردني على إغفال ذكر أي حق للشعب الفلسطيني بالعودة وتقرير المصير والإقامة على أرضه.
من واجب مؤسسات المجتمع المدني أن تعيد قراءة هذه المعاهدة ومراقبة تبعاتها على الأردن وفلسطين، واستدراك الخطر الماحق على الكيان الأردني والفلسطيني معا، ومن واجب كل مؤسسات الدولة الأردنية التشريعية والتنفيذية والقضائية إدراك حجم الجريمة المرتكبة بتوقيع هذه المعاهدة، وضرورة العمل لإلغائها والتخلص منها،
ومن النفاق والتدليس أن نعلن قرارنا بالتصدي لصفقة القرن، دون التصدي لمعاهدة الشؤم والخراب في وادي عربة!!