لآخر المستجدات تابعنا على قناة تلغرام

تابعنا
مقالات

قراءة في قرار إعفاء رؤساء جامعات رسمية / د.فاخر دعاس

قيام مجلس التعليم العالي بعملية تقييم سنوية لأداء رؤساء الجامعات الرسمية، هو أمر جيد وهام. ولم أسمع رئيس جامعة اعترض على فكرة التقييم السنوية علناً –بالحد الأدنى-.

ولكن اسمحوا لي أن أسجل بعض الملاحظات على عملية التقييم وما صاحبها من إعفاء لرؤساء ثلاث جامعات رسمية وعدم التمديد لرئيس رابع انتهت مدة رئاسته للجامعة قبل أسابيع:

1_ بشكل عام، لم يكن لمجلس التعليم العالي القيام بهذا التقييم، ولم يكن لهذا التقييم أن يحظى بقبول في الأوساط المتاعبة للعملية التعليمية، إلا بعد ما رأيناه وسمعناه من تجاوزات تقوم بها بعض إدارات الجامعات الرسمية، مستغلة غياب المساءلة والرقابة عليها. ويكمننا رصد عشرات، بل مئات التجاوزات التي ذكرتها وسائل إعلام عديدة، إضافة إلى ما يقدمه تقرير ديوان المحاسبة السنوي من رصد خطير لهذه التجاوزات والتي عادة ما يتم تجاهلها وعدم الوقوف أمامها سواء من قبل إدارات الجامعات أو مجلس التعليم العالي والحكومة.

2_ في ظل تحول الفساد في الأردن من تصرف فردي إلى عمل مؤسسي ممنهج، لا يمكن ترك جامعات رسمية مداخيل بعضها السنوية تتجاوز ال100 مليون دينار أردني. أقول لا يجوز ترك هذه الجامعات وإداراتها دون رقابة وتقييم ومساءلة.

من هنا يأتي فهمنا لأهمية التقييم الذي قام به مجلس التعليم العالي، بغض النظر عن النتائج التي آلت إليها هذه الآلية، وبغض النظر عن موقفنا من هذه النتائج.

3_ من خلال رصدي المتواضع –إلى جانب زملائي ورفاقي في حملة ذبحتونا- للإعلام أثناء فترة عمل لجان التقييم، رصدنا ظهوراً متكرراً لرؤساء جامعات رسمية، وأخباراً عن “إنجازاتهم” بشكل مبالغ فيه أحياناً، ودون مناسبة. وكأنها أداة للضغط على اللجان المعنية بالتقييم في هذا الاتجاه أو ذاك. كما لاحظنا في المقابل، وجود رؤساء جامعات سابقين يقومون بالهجوم على أداء جامعات معينة أو تقزيم إنجازاتها طمعاً في هذا المنصب أو ذاك. علماً بأن هذه اللجان يفترض أن لديها آلية محددة للعمل وغير معنية بما يتم طرحه عبر وسائل الإعلام.

4_ في شهر تموز تم تشكيل  لجنة الخبراء “لتقييم التقارير الواردة من مجالس أمناء الجامعات الأردنية بشأن تقييم رؤساء الجامعات الأردنية برئاسة الدكتور امين محمود وعضوية كلٍ من الدكتورة رويده المعايطة والدكتور محمد ابو قديس والدكتور فيكتور بله والدكتور طه خميس. تكون مهمة اللجنة التحقق من التقارير الواردة من مجلس أمناء الجامعات الرسمية واستكمال مؤشرات الأداء لمعيار التقييم الأربعة عشر، الواردة في التقييم السنوي لرؤساء الجامعات الرسمية 2017، على أن تقدم تقريراً منفصلا عن كلِ رئيس جامعة وفقاً لمؤشرات الأداء في موعدٍ اقصاه ثلاثة اسابيع من تاريخ استلامهم التقارير”.

اللجنة التي تعرضت لضغوط كبيرة، استمر عملها أكثر من شهرين، حيث أنهت أعمالها في 3/10/2017. ولم تقدم أية توصيات فيما يتعلق بإعفاء الرؤساء من عدمه. حيث تغاضت عن النقطة الرابعة عشر من مؤشرات  بنود التقييم في الاستراتيجة الوطنية والمتمثلة بالكتب الواردة من رئاسة الوزراء وهيئة مكافحة الفساد ومجلس النواب، إضافة إلى الحاكمية والشفافية والإدارة التي يقوم بها رؤساء الجامعات.

وبناءً على ذلك قرر مجلس التعليم العالي في 12/10/2017 تشكيل لجنة لتقديم توصيات حول تقييم رؤساء الجامعات الرسمية، يترأسها الدكتور امين مشاقبة وعضوية كل من  الدكتور راتب العوران،  الدكتور خالد الاصفر، على ان تعرض اللجنة توصياتها على المجلس خلال أسبوعين. وحدد المجلس مهام اللجنة  الاطلاع على تقرير لجنة الخبراء المقدم للمجلس وتقديم التوصيات اللازمة في ضوء ما ورد في هذا التقرير وأية مادة معززه بالوثائق ارتأت لجنة الخبراء عدم تضمينها في التقارير باعتبارها خارجة عن اطار المهام التي كلفت بها من المجلس.

5_ ساهمت مماطلة مجلس التعليم العالي باتخاذ قرار فيما يتعلق بتوصيات اللجنة، وتأخر اللجنة نفسها في تقديم توصياتها، في إثارة بلبلة وانتشار تسريببات إعلامية متناقضة، عززت من الشعور بعدم حيادية اللجنة وأعتقد أن اللجنة ومجلس التعليم العالي لو قاما بحسم الموضوع في موعده المحدد، لقطع الطريق على القيل والقال.

6_ قرار مجلس التعليم العالي بإعفاء رؤساء جامعات رسمية بناء على توصيات لجنة الخبراء التي شكلها، هو بالإطار العام قرار هام وجريء ويبني لمرحلة جديدة من ضبط رؤساء الجامعات وأدائهم. ولكن كان ينقصه الجرأة في طرح أسباب الإعفاء للرأي العام والمكاشفة والشفافية. فقد كنا نود أن نصل إلى مرحلة يتم فيها كشف الملاحظات التي سجلتها اللجنة على الرؤساء المعفيين إلى الرأي العام لقطع الطريق أمام أية محاولات للاصطياد في الماء العكر.

7_  استوقفتني كثيراً التقارير المقدمة من مجالس الأمناء حول أداء رؤساء الجامعات. حيث كشف رئيس لجنة الخبراء الدكتور أمين مشاقبة في حديث لبرنامج بلا تردد الذي تقدمه الإعلامية أمان السائح، أن كافة تقارير مجالس الأمناء جاءت إيجابية بحق رؤساء الجامعات.

هذا التقييم من قبل مجاليس الأمناء يضع علامة استفهام حقيقية حول جدية هذه المجالس بلعب دورها كهيئة عليا للجامعات الرسمية. وهو  الأمر الذي كنا في حملة ذبحتونا قد أشرنا له، وحذرنا من خطورة إعطاء صلاحيات واسعة لهذه المجالس في ظل تركيبة عاجزة حتى عن تقييم حيادي لرؤساء الجامعات!!

8_ استوقفني أيضاً قيام أحد رؤساء الجامعات المعفيين باللجوء إلى عشيرته للضغط على مجلس التعليم العالي للتراجع عن القرار، وهي الحادثة الثانية بعد لجوء أحد الأكاديميين لعشيرته رفضاً لعدم قيام مجلس التعليم العالي باختياره رئيساً لإحدى الجامعات الرسمية. واستوقفني أكثر تقديم أحد عشر عميداً من ذات الجامعة استقالاتهم تضامناً مع رئيس الجامعة الذي تم إعفاؤه.

هذان الحدثان يدقان ناقوس الخطر  في العملية التعليمية وخاصة ما يتعلق بالهيئات الأكاديمية. ويضعان علامة استفهام كبيرة حول سياسات الحكومات  المتعاقبة التي أوصلتنا إلى أن يصبح المنصب الأكاديمي خاضعاً لحسابات عشائرية ومناطقية و”فزعة”.

المضحك في الموضوع أن العمداء ال11 تراجعوا عن استقالاتهم بعد أقل من ساعتين على تقديمها!!

9_ قيام اتحاد طلبة جامعة العلوم والتكنولوجيا بإصدار بيان يدعم فيه رئيس الجامعة المعفي من مهامه، ودعوته إلى اعتصام داخل الحرم الجامعي، بالتوازي مع تحركات بعض عمداء الجامعة، وقيام الاتحاد صبيحة اليوم التالي بإلغاء الاعتصام، يزيد خشيتنا من أن الجامعات بدأت تتحول إلى ساحات للصراع بين “أكاديميين”. واستخدام الطلبة هو سابقة خطيرة علينا التحذير منها ومن تداعياتها على جامعاتنا وطلبتنا.

  أخيراً، قد يكون من أهم ما نتج عن قرار تقييم رؤساء الجامعة، ما كشفته تبعات هذا القرار من غياب العمل المؤسسي في الجامعات والصلاحيات المطلقة التي يملكها رئيس الجامعة الرسمية، وتراجع الرؤية الأكاديمية لدى الكثير من رؤساء الجامعات، وما كشفه هذا التقييم من ضعف لمجالس الأمناء، والأخطر هو استخدام وسائل الإعلام لتسويق “إنجازات” هذه الجامعة أو تلك بعيداً عن أسس ومعايير واضحة، وجعل التعيينات والترقيات مبنية على أساس “الولاء والطاعة”.

 12/12/2017

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى